ترك برس
تحدث تقرير موسع في موقع الجزيرة نت عن تجاهل الإعلام المصري لملف قد يكون بالغ الأهمية في سياق تحسن العلاقات بين أنقرة والقاهرة.
وأوضح التقرير أنه مع اضطراد التحسن في العلاقات المصرية التركية واتجاهها نحو مزيد من التقارب؛ تستمر التساؤلات عن المطالب التي يريدها كل طرف من الطرف الآخر سواء كشرط أو كنتيجة لهذا التقارب الذي أعقب سنوات من الجفاء.
وفي غياب تصريحات رسمية تتناول هذه التفاصيل؛ تتحدث تقارير إخبارية غالبا عن اهتمام تركي بالتفاهم مع مصر بشأن ثروات الغاز تحت مياه البحر المتوسط، مقابل اهتمام السلطة المصرية "بإسكات أصوات معارضة ومنتقدة تتخذ من تركيا مقرا لها عبر السنوات الماضية".
وعلى مدى الأسابيع الماضية -وخصوصا بعد عقد لقاء رسمي بين البلدين في القاهرة أوائل مايو/أيار الماضي- تحدثت أصوات إعلامية قريبة من النظام المصري عن أثمان يمكن أن يقدمها الجانب التركي من أجل التقارب من بينها تسليم أو طرد قيادات معارضة أو إعلاميين معارضين يقيمون في تركيا.
وكانت مصادر تركية كشفت عن طلب أنقرة من القنوات المصرية المعارضة -التي تبث من هناك (الشرق ومكملين والوطن)- نوعا من ضبط الخطاب والتهدئة، وهو ما بدا أثره ملحوظا على شاشات هذه القنوات. وفق الجزيرة نت.
لكن الإعلام المصري لم يتطرق إلى ملف قد يكون بالغ الأهمية في سياق تحسن العلاقات بين البلدين وهو ذلك المتعلق بمنظمة "غولن"، وزعيمها "فتح الله غولن" المقيم في الولايات المتحدة والذي تطالب أنقرة بتسليمه وتتهمه بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في يوليو/تموز 2016.
ونادرا ما خرج هذا الملف إلى العلن لدرجة أن كثيرا من المصريين ربما لا يعلمون أن منظمة "غولن" لها وجود مهم في مصر منذ سنوات؛ وخصوصا على الأصعدة الثقافية والإعلامية، فضلا عن ارتباطها بعدد من الشخصيات المهمة في مصر.
تتهم السلطات السياسية التركية "غولن" المقيم في منفاه الاختياري بولاية بنسلفانيا الأميركية بأنه العقل المدبر للانقلاب العسكري الفاشل في تركيا عام 2016.
وسعت الدبلوماسية التركية -عقب فشل الانقلاب- في تتبع أنصار المنظمة الذين فروا إلى دول أخرى، وذلك من خلال تكثيف علاقات قنصلياتها وسفاراتها في هذه الدول مع الدوائر الأمنية؛ بهدف توقيفهم وإعادتهم لمحاكمتهم.
وتعد مصر واحدة من تلك الدول التي لجأت إليها أعداد كثيرة من أتباع فتح الله غولن، فضلا عن الوجود الفعلي قبل محاولة الانقلاب، وذلك عبر شبكات اقتصادية وتعليمية وإعلامية، تعود تأسيسها إلى بدايات الألفية الثانية.
سمح المناخ السياسي في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس الراحل حسني مبارك بحرية تواجد المنظمة في الفضاءات الفكرية والمجتمعية والإعلامية، وكانت أولى خطواتها نحو تكريس تواجدها بالداخل المصري، وخلق قاعدة اقتصادية تشتبك مع المجتمع تعليميا وثقافيا من خلال نقل تجربة المدارس الشهيرة للمنظمة في تركيا إلى مصر تحت مسمى "مدارس صلاح الدين الدولية" التي يعتبرها البعض بمثابة قنصليات ومديريها سفراء للحركة في البلدان العربية والإسلامية.
وافتتحت مدارس غولن في سبتمبر/أيلول 2009 بحضور الشيخ أحمد الطيب رئيس جامعة الأزهر في ذلك الوقت، والشيخ محمد المختار المهدي الذي كان يشغل عضوية مجمع البحوث الإسلامية وهيئة كبار علماء الأزهر، فضلا عن مشاهير العلماء والدعاة مثل أحمد عمر هاشم وزغلول النجار، والراحل محمد عمارة.
وتتوزع مدارس صلاح الدين ما بين العاصمة القاهرة ومحافظتي الإسكندرية وبني سويف، وقد أشركت المنظمة في هيئة إدارتها وعضوية مجلس أمنائها عددا من النخب الدينية المؤسساتية والثقافية المصرية، أبرزهم الشيخ علي جمعة مفتي مصر الأسبق وأحد أبرز مؤيدي السلطة الحالية والذي تجمعه بغولن علاقة وثيقة.
عقب انقلاب 2013 في مصر، خضعت مدارس الحركة للإشراف المالي والإداري لوزارة التربية والتعليم، لكن سرعان ما تم رفع ذلك الإشراف عنها بعد عام ونصف.
وتضم المدرسة عددا من الأسماء التركية ضمن فريق إدارتها على رأسهم المدير الرئيسي "إرسين جوكجيك"، ونائبه "حسين يافوز"، فضلا عن أسماء أخرى مثل إرهان توجين وعمر يلدريم وليلى يورت، وجميعهم منتمون إلى ما يسمى بـ"حركة الخدمة" التي يتزعمها غولن.
منذ تأسيسها مطلع الألفية الثانية، تعتبر مؤسسة "دار الانبعاث" (دار النيل سابقا) بمثابة الماكينة الفكرية المنتجة لمجمل أفكار "فتح الله غولن".
وتقوم المؤسسة بطباعة ونشر كتب غولن فضلا عن مجلة "حراء" التي تمزج بين الثقافي والديني والعلمي، ويتم طبعها وتوزيعها من خلال مؤسسة دار التحرير للطبع والنشر (حكومية).
ويتولى كل من هاني رسلان -الباحث في مركز الأهرام الإستراتيجي- رئاسة تحريرها، والتركي "إسماعيل قايار" منصب مدير التحرير، تحت إشراف إسحاق إنجي المسؤول الإعلامي الأبرز للمنظمة في مصر، ومعه كل من سنان يورولماز ونفذات سفاش القياديين بالمنظمة.
وفي موازاة ذلك تقدم المنظمة خدمات للطلاب العرب والأجانب من خلال تعليم اللغات العربية والتركية وغيرها، وتعددت في السنوات الأخيرة مراكز تعليم اللغة التابعة لها، وأبرزها مركز النيل للغات في حي الزمالك الراقي بالقاهرة.
يعتبر موقع "دوغروسو" (Doğrusu) -الذي يعني "الحقيقة" وتم تأسيسه في السنوات الأخيرة- أبرز موقع إلكتروني باللغة التركية لمنظمة غولن في الداخل المصري، ويديره جومالي أونال المراسل السابق لجريدة "زمان" في القاهرة، وهي الجريدة الرئيسية للمنظمة بتركيا، وسيطرت عليها الدولة بعد الانقلاب الفاشل.
ويليه موقع "تركيا الآن" بنسخته العربية، ويقوم عمل هذين الموقعين على معارضة النظام التركي وانتقاد الرئيس رجب طيب أردوغان، ويتبعان شركة "المدار" التي يترأسها المذيع المصري المقرب من الأجهزة الأمنية نشأت الديهي، والذي تجمعه علاقة وطيدة مع فتح الله غولن بعدما أجرى معه حوارا تلفزيونيا في منفاه بالولايات المتحدة.
وتعد مجلة "شؤون تركية" -الصادرة من مركز الأهرام للدراسات السياسية والاقتصادية- أول مجلة مصرية متخصصة في الشأن التركي، ويرأس تحريرها محمد عبد القادر خليل مدير برنامج "تركيا والمشرق العربي مصر" بالمركز.
والمتتبع لسير الأفكار والمعالجات القائمة داخل المجلة وموضوعاتها منذ العدد الأول؛ يجدها تتقاطع مع رؤية فتح الله غولن ومعارضة بشكل كبير لسياسات الرئيس أردوغان، وحزب العدالة والتنمية الحاكم.
وفي حديث لموقع الجزيرة نت، يذكر الكاتب التركي "فراس رضوان أوغلو" أن جماعة فتح الله غولن أو "حركة الخدمة" -كما يطلق عليها- تقف وراء محاولة الانقلاب الأخيرة التي وقعت في تركيا عام 2016، وهي جماعة لها امتدادات كبيرة في كل أنحاء العالم، وتتواجد بقوة في الداخل التركي منذ ثمانينيات القرن الفائت.
ويضيف رضوان أوغلو أن أنشطة المنظمة تتسع وتتمدد على اختلاف أنواعها الدينية منها والاقتصادية والتعليمية، كما تتوسع في الدول الإسلامية غير الناطقة بالعربية لتعليمهم الدين واللغة العربية، فضلا عن التركية، "إلا أن تعاليمهم بها الكثير من الانحرافات والتوظيفات السياسية لها التي تشوبها الكثير من الغموض في فهم كنهها وأهدافها المعلنة وغيرها"، بحسب وصفه.
ويوضح الكاتب التركي أن الجماعة اتخذت مصر مقرا للاستثمار الاقتصادي لحساب التنظيم، وفي ذات الوقت استفادت من الخلاف بين الرئيسين المصري والتركي أيما استفادة.
لكن -في ظل التحولات التي شهدتها العلاقات بين البلدين في الآونة الأخيرة وفي سياق التقارب الجاري- من الممكن أن يتم تقويض تواجد المنظمة في الداخل المصري، إلا أنه سيقتصر هذا التقويض المحتمل على الجانب الاقتصادي وحسب، دون أية أعمال أخرى أو استخدام مصر كمنصة لمعارضتها نظام الحكم في تركيا وأردوغان، بحسب وصف رضوان أوغلو.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!