علي حسين باكير - العرب القطرية
أظهرت عمليات الفرز في الانتخابات البرلمانية التركية التي جرت في 7 يونيو حصول حزب العدالة والتنمية على %40.86 من الأصوات، وحزب الشعب الجمهوري المعارض على %24.96 وحزب الحركة القومية على %16.29 وحزب الشعوب الديمقراطية على %13.12، هذه النسب تعني أن توزيع المقاعد في البرلمان الذي يتألف من 550 مقعدا سيكون على الشكل التالي: العدالة 258، الجمهوري 132، القومي 80، والكردي 80.
في التعليق على هذه النتائج، لا بد من القول أولا إن هذه الصورة تحمل معها نتائج إيجابية وسلبية في الوقت نفسه. حجم المشاركة والتنافس الشديد في هذه الانتخابات عكس ظاهرة صحّية للديمقراطية التركية. ورغم عدم حصول حزب العدالة على أغلبية 276 مقعدا تؤهله تشكيل الحكومة منفردا (أي نصف مقاعد البرلمان+1)، إلا أننا لا يجب أن ننسى أنه لا يزال الأول وهذا يعني أنه يمتلك فرصا أكثر مقارنة بغيره من الأحزاب وأنه لا يزال الأكثر شعبية.
أما عن أسباب انخفاض الدعم لحزب العدالة والتنمية بنسبة حوالي %8 مقارنة بالانتخابات البرلمانية عام 2011، فأعتقد أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية وأخرى فرعية تفسر ذلك. لقد أخطأ أردوغان عندما همّش عبدالله غول وأخرجه مضطرا من اللعبة، وأهمية غول لا تكمن فقط في كونه من مؤسسي حزب العدالة والتنمية، بل في قدرته على أن يجمع بين الشريحة المحافظة والليبرالية تحت سقف الحزب داخليا وجماهيريا، كما أنّه يتمتع بشعبية كتلك التي يمتلكها أردوغان. تهميشه أفقد الحزب شريحة كان من الممكن أن تحدث فارقا في هذه الانتخابات بالتأكيد.
أما الخطأ الثاني فهو إسناد رئاسة الحزب والحكومة لداوود أوغلو ومحاولة ممارسة السلطات الاستثنائية لرئاسة الجمهورية على حساب الحكومة. هذا الوضع أظهر داوود أوغلو في موقع الضعيف والتابع. أما الخطأ القاتل برأيي فهو جعل مطلب التحول إلى نظام رئاسي جزءً أساسيا من حملة الحزب العلنية. لقد كان هذا الأمر بمثابة مغناطيس لكل من أراد إسقاط حزب العدالة والتنمية، إذ ليس من المطلوب أكثر من أن يتم التصويت لحزب الشعوب الديمقراطية الكردي حتى يتم إفشال حزب العدالة وهذا ما حصل حقيقة.
حملات حزب الشعوب كانت تقول صراحة، من يريد منع التحول إلى نظام رئاسي (مطلب أردوغان وحزب العدالة) ليس عليه إلا أن يصوت لنا لنتجاوز الـ%10، وليس هناك أي حزب يوافق على التعديل باستثناء حزب العدالة. وستظهر التحليلات لاحقا أن قسما من ناخبي الأحزاب الأخرى ولاسيَّما الشعب الجمهوري قد صوتوا حقيقة لحزب الشعوب الكردي في هذه الانتخابات لإسقاط حزب العدالة ومطلب أردوغان.
عموما، أمام هذه النتائج ستكون خيارات حزب العدالة والتنمية إما حكومة أقلية وإما تشكيل حكومة ائتلافية. الخبرة التاريخية لاسيَّما في تركيا تشير إلى أنّ الحكومات الائتلافية كانت كارثية على البلاد. هناك نظريا ثلاثة خيارات في الائتلاف، إما الائتلاف مع الحزب الكردي أو الحزب القومي أو الحزب الجمهوري.
عمليا الخيار الأول والثاني هو الأرجح في هذا السيناريو لأن هناك تناقضا كبيرا مع الشعب الجمهوري. التحالف مع الحزب الكردي من الممكن أن يكون وفق صفقة تتيح له دعم مطلب حزب العدالة بتغيير النظام السياسي وتعديل الدستور مقابل أن يتم إعطاء الأكراد امتيازات عبره كاللامركزية أو غيرها من المطالب. هذا السيناريو قد يكون جيدا على الصعيد الداخلي لكن سيكون له تأثير سلبي على سياسة حزب العدالة الخارجية.
أما الخيار الثاني أي الائتلاف مع الحركة القومية فقد يكون جيدا إلى حد ما على صعيد السياسة الخارجية لكن قد يكون سيئا على صعيد السياسة الداخلية بحيث ستتضرر عملية السلام مع الأكراد.
بالنسبة إلى من يشير إلى سيناريو تحالف المعارضات، هو عمليا غير قائم لأن رئيس الجمهورية هو من يكّلف أي طرف بتشكيل الحكومة، وليس العكس، وبالتالي لا يمكن لهذه الأحزاب أن تفرض على أردوغان أن يختار أحدا منها لتشكيل حكومة ثلاثية خاصة أن أيا منها لم ينل العدد الأكبر من المقاعد في البرلمان، ولذلك فهو سيناريو ساقط حكما.
قالت الأحزاب حتى الآن إنها ترفض تشكيل حكومة ائتلافية، لكن قد يكون ذلك لمجرد المناورة ورفع سقف التنازلات المقدمة من حزب العدالة والتنمية. إذا رفضت كل الأحزاب قبول ائتلاف مع حزب العدالة والتنمية، ولم يتم الاتفاق على تشكيل حكومة خلال 45 يوما لأي سبب من الأسباب، يحق لرئيس الجمهورية عندها الدعوة إلى انتخابات مبكرة وتكون الحكومة الموجودة حينها حكومة مؤقتة لتصريف الأعمال والتحضير للانتخابات وقد تكون حكومة أقلية بنفس المعايير أيضا وبصلاحيات محدودة لأنها مضطرة إلى تكوين أغلبية عند كل قرار مهم. والأرجح أن يذهب الجميع إلى انتخابات مبكرة. في هذا السيناريو قد يضطر حزب العدالة والتنمية إلى الاستعانة بعبدالله غول، أما إذا قرر الأخير تشكيل حزب، فستكون ضربة قاسمة لحزب العدالة والتنمية بالتأكيد.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس