إبراهيم قاراغول - يني شفق (26/09/2025)

ألن تفرحوا لو أن سفينةً حربية إسرائيلية أُغرِقت في شرق البحر الأبيض المتوسط خلال الأسبوع القادم؟ ألن تفرحوا لو أن مروحيةً إسرائيلية تُصَاب بينما تتدخل ضدّ أناسٍ قد تخلّوا عن الخوف وهم في طريقهم إلى غزة؟

ألن تفرحوا لو أن صاروخًا أصاب طائرةً حربية إسرائيلية تحلّق في سماء شرق المتوسط؟

أسمعُ كلماتِ الخوف: «يا ساتر، قد يندلع صراعٌ إقليمي». لكن لماذا يُبنى السرد دائمًا على ذلك «لا تخف»؟ لماذا دائمًا نحن من نُجبَر على التفكير بهذا التبرير؟

حانَ وقتُ أن نُخيفَ إسرائيل

ليس وقتَنا للتحدث عن موتانا وحدهم، بل وقتُ أن يُتحدَّث عن موتاهم

لماذا لا يُبنى السرد على فكرة «إخافتهم»؟ لماذا هم من يخيفون، ونحن نعيش دومًا في وهم "يا ليت الأمر لا يتفاقم"

على مدار مئة سنة، أُديرت هذه الجغرافيا عبر "تسويق الخوف كفضيلة". أولًا الإنجليز والفرنسيون، ثمّ الولايات المتحدة، والآن إسرائيل الناشئة — كلّهم جعلوا جغرافيتنا ودولنا رهائنَ لـ"تجارة الخوف". ولدى دولنا وحكوماتنا وشعوبنا باتت مهارةٌ واحدة: تقديمُ الخوف كما لو أنّه فضيلة.

لقد حان وقتُ وضع حدٍّ لذلك. حانَ وقتُ "إخافة إسرائيل". حانَ وقتُ أن يتوقف التحدث فقط عن موتانا وأن يُتحدَّث أيضًا عن موتاهم.

حان وقتُ جعل دولنا وجغرافيتنا وحدودنا البرية والبحرية ومجالنا الجويّ بمنأى عن أي انتهاك.

يجب أن يُقضى على نتنياهو بصاروخ واحد

وأن يُنظر إلى ذلك بوصفه الطبيعي تجاه إسرائيل هو أدنى أشكال الانحطاط المرتبطة بالخوف!

في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قال رئيس كولومبيا غوستافو بيترو: «أدعو دول العالم وشعوبها وجيوشها وسلاحها إلى الاتحاد. يجب أن ننقذ فلسطين»، وكان صوته جريئًا وخاليًا من الخوف.

رئيس تشيلي غابرييل بوريك قال: «أود أن أرى نتنياهو يُقضى عليه بهجوم صاروخي مع عائلته»، وكان أيضًا بلا خوف.

قد تعتبرون الآن تصريحَي هذين الزعيمين «مبالغًا فيهما». ولكن نفس نتنياهو الذي دفن بعنف عشرين ألف طفل ورضيعًا بصواريخ، والذي قضى على قادة فلسطينيين ومعهم عائلاتهم عبر هجماتٍ صاروخية — أن نُسفِّر عن ذلك بوصفه «الطبيعي لإسرائيل»؛ هذا هو أدنى أشكال الخوف الدنيء.

الموقفُ النبيل لإسبانيا يجب أن يكون قدوةً للعالم

نهضت إسبانيا من أوروبا. أغلقت مجالها الجوي وموانئها أمام إسرائيل. فرضت حظرًا على تصدير السلاح. اتخذت خطواتٍ قوية لإدانة إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية، وتقدّمت على الإنسانية نفسها. حرك رئيس الوزراء بيدرو سانشيز أسطوله لحماية المدنيين المتجهين إلى غزة، وأرسل سفينةً حربية.

حتى رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، التي أصابها تراجعٌ في مكانتها بسبب عدم اعترافها بفلسطين، أرسلت سفينتين حربيتين لحماية المدنيين في أسطول غزة.

بينما أبدت بعض السلطات في أوروبا تأييدًا للإبادة، خرج الشارع الأوروبي بأكمله إلى الساحات، ضغط على الحكومات وشجّع القادة. ونعلم أن من يركب هذه الموجة هو الرابح، ومن يقاومها من القادة سيختفي.

إيقاف أردوغان من الداخل!

تركيا هي الدولة الأكثر حساسيةً تجاه قضية فلسطين. خطاب الرئيس أردوغان في الجمعية العامة للأمم المتحدة ودعوته قد حرّكت الأجواء كلها وحفّزت الضمير الإنساني.

ربما يريد أردوغان أن يفعل أكثر من ذلك بكثير، لكنه في الوقت نفسه يُجبر على مواجهة «جبهة الاحتلال الداخلي» الشريرة داخل بلده. هذا ما نعنيه عندما نقول «إيقاف تركيا من الداخل»!

لكنّ الأمر بلغ حدًّا لا يحتمل. تراكمت أمامنا أمورٌ «لا تُؤجَّل». بعد قرونٍ، أتتنا التاريخ والوراثة السياسية لتوقظنا ولتدفعنا إلى تسلّم «المنوبة» مرةً ثانية.

تذكّروا: هكذا تسلّمنا النوبة (المسؤولية) التي استمرت قرونًا!

تذكّروا الحقبة العباسية: كانت الدولة حينها منهكةً كقوةٍ عسكرية. لم يبقَ جيش إلا وحدات الخليفة الخاصّة. في تلك الفترة تدفّق الأتراك المسلمون إلى غرب آسيا. الخليفة العباسي بذكائه استدعى هؤلاء الأتراك لتشكيل وحداتٍ عسكرية تحافظ على الإمبراطورية. حتى مدينةُ سامراء في العراق أُنشئت كمخيمٍ عسكري. للأسف، عندما غزتْ جيوشٌ بقيادة الغرب العراقَ وأتت عليه، لم يتذكّر أحدٌ في تركيا سامراء.

بدأ الأتراك بتسلّم "النوبة". انتشروا إلى القوقاز، والشرق الأوسط، والأناضول. أسّسوا دولًا، بنوا جغرافيا، وغيروا التاريخ. قاموا بتأسيس الدولة السلجوقية الكبرى، والدولة السلجوقية الأناضولية، والدولة العثمانية. توجّهوا شرقًا وغربًا بعلامة النسر ذي الرأسين. لم يجنحوا إلى مطالبٍ عرقية، ولم يغرقوا في عقدٍ إثنية. اتحدوا مع الموجودين في مناطقهم، صاروا جبهةً واحدة، كيانًا متماسكًا.

توقّفنا في أواخر القرن التاسع عشر. أوقِفنا. كنا متعبين لقرونٍ طويلة

واستمرت تلك النوبة لقرون طويلة؛ فواجهوا الصليبيين والمغول والأوروبيين، وبلغوا أسوار فيينا وحاولوا الوصول إلى سواحل الأطلسي. لقد كانت جغرافيتنا مركز العالم، تجمع الشعوب في قوة عظمى شكلت مسار التاريخ.

في أواخر القرن التاسع عشر توقفنا. أُوقِفنا. وتعرضنا لانتقامٌ شديدٌ، حتى أنّنا غرزنا قبورَ شهداء في كل ركنٍ من جغرافيا الأرض: في المدينة المنوّرة، والقدس، وبغداد، واليمن، ودمشق، والقاهرة، وسراييفو، وباكو، والبصرة، وشرق إفريقيا… حتى الأناضول تعرّضت لمحاولة إبادة بهدف طمس وجودنا التاريخي.

انتقام الألفِ عام

في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن الحادي والعشرين بدأت هجماتُ إبادةٍ موجّهةٌ ضدّنا. كنا مرهقين قرونًا، وفي البلقان، والقوقاز، والعراق، واليمن، وشرق إفريقيا — في كلّ مكانٍ من هذه الجغرافيا — ذُبِحَ الملايين من شعبنا. كانت تُؤخذ منا ثأراتُ ألفِ سنة. اليوم في كل مدينةٍ من مدن هذه الجغرافيا قبورُ شهدائنا شاهدةٌ على ذلك. آلامُنا ومآسينا ونحيبُنا الصامت شاهد على ذلك.

حاولوا أن يطردونا من الأناضول، لكننا دافعنا وبقينا. احتضنا جغرافيا عظيمةً في الأناضول.

انتظرنا مئة سنة. ولم يأتِ أحدٌ ليتسلّم "الراية"

في القرن العشرين صبرنا وقلنا: «نحن مرهقون، خذوا الراية». لم يتسلّم أحدٌ. انتظرنا مئة سنة ولم يقُم أحد.

وبينما كنا ننتظر، انهارت دولٌ وشعوبٌ، ودخلت إلينا صدمات التاريخ المهينة. العنفُ بحق المسلمين ووحشيةُ الغرب غزت مدننا وشوارعنا وعقولنا. ومن هنا بُنيت إدراكاتٌ مملوءةٌ بالخوف.

كانت «راية الألفية الثانية» قاب قوسين أو أدنى! لم نهرب، ولم نعرف الهروب.

التاريخ نادانا مجددًا. كانت الراية الثانية للألف سنة على وشك أن تبدأ. لم تكن مسألة طموحٍ سياسي أو هدفٍ للسطو على الجغرافيا أو الثروات؛ بل كانت قدرًا ونشأةً سياسية. حين انهزمتْ أممنا في القرن التاسع عشر لم يقف إلى جانبنا أحدٌ، والآن حين نستعد لتسلّم النوبة ثانيةً، لا يوجد أحد لتسلمها.

لكن الهزيمة أمام النصر، والانهيار أمام الارتقاء، والتلاحمُ الجغرافي فرض علينا طريقًا لا مفرّ منه. التاريخ أعاد لنا هذا الطريق؛ بدأت الدورة الثانية للألف سنة. لم تهرُب أمتنا، ولم تعرف الهرب.

أمةٌ لا تبكي ولا تتوسّل

مرةً أخرى في الصدارة، علينا أن نقاتل الأقوياء. أمةٌ لا تعرف البكاء ولا التوسّل، وتكتم مآسي الإبادة التي تعرّضت لها، قد وُكّلت مجددًا أن تكون في مركز الأرض، أن تُشكّل الجغرافيا وأن تبني التاريخ. نعم، هذا كان قدرًا لم نعرف معه الهروب.

ها نحن عند نقطة التحول في التاريخ. في هذه الحالة الجغرافية بالذات يجب أن نتحرّك. وفي هذه اللحظة التي تُعاد فيها رسم خرائط القوى العالمية علينا أن نخرج إلى المسرح.

في الخارج دولٌ عابرة الوجود
في الداخل رجالٌ "لا قيمة لهم" لن يحق لهم أن يفرضوا علينا الأمر بعد الآن!

لم يعد مسموحًا لدولٍ عابرة الوجود أن تُعطينا دروسًا، ولا لرجالٍ حقيرين أن يحددوا مصائرنا. هذه «النوبة» ستبدأ مجددًا من آسيا إلى إفريقيا في أهم نقاط العالم — في الواقع بدأت فعلًا!

خطابُ الرئيس أردوغان في الجمعية العامة للأمم المتحدة للمطالبة بحماية غزة كان إعلانًا بتبني هذه النوبة. أعلن خريطة مسؤوليةٍ ونوبةٍ كبرى تمتد من كشمير إلى شرق إفريقيا، ومن الكاريبي إلى البحر الأبيض المتوسط.

المجزرة في غزة ليست مسألة فلسطينية فحسب، بل هي مسألة هويتنا وإدراكنا الجغرافي. لم نعد نتحمّل أن تدمر شبكةٌ إرهابيةٌ كاملةٌ كلّ هذه الجغرافيا. لقد حان وقت الهجوم لا الدفاع، وقتُ الاقتحام لا الانكفاء.

شرق المتوسط بيتنا، ولا يمكن أن تكون لإسرائيل فيه مساحة حركة. غرب آسيا بيتنا، ولا يمكن لمجتمعٍ فاسد في جيناته أن يغيّره. دمشق، والقاهرة، وبغداد، وإسطنبول — شرفنا — لا يحق لأحدٍ أن يقصفها كيفما شاء.

من مضيق ملقا إلى البحر الأحمر، ومن سور الصين العظيم إلى قلب إفريقيا — نحن شعبٌ يمتدّ عبر حزامٍ واسع، ويجب أن نغيّر قِسَمَين من القدر.

يجب أن تُغرق سفينةٌ إسرائيلية، أن تُسقط طائرةٌ حربية، أن تُحطّم مروحيةٌ في البحر!

مجموعةٌ من الأبطال ركبوا قوارب إلى غزة لتقديم المساعدات، وتبحروا في وسط المتوسط. معروفٌ أن إسرائيل ستهاجمهم. إسبانيا حمتهم وأرسلت سفينةً حربية. إيطاليا أرسلت. وتركيا أيضا. البحرية التركية والمصرية تجري تدريباتٍ في شرق المتوسط.

إذا أصاب هؤلاء المدنيين أي مكروه، ستنهار دولنا تحت وطأته. هذا غير مقبول. يجب الردُّ على هجمات إسرائيل بالمثل. وإذا اقتضى الأمر، يجب أن تُغرق سفينة إسرائيلية، وأن تُسقط طائرة، وأن تُحطّم مروحياتهم في البحر.

قد يكون شرق المتوسط اليوم المكان الذي يُشعل فتيلًا يغيّر التاريخ. إن كان هذا قدرًا، فليكن، ولابد أن يحدث. كما أن «النوبة» عادت إلينا بعد ألف سنة، فقد يكون إشعال هذا الفتيل أيضًا قدرنا.

يجب أن نخنق إسرائيل في عقر دارها

دعهم يرتعدون خوفًا ويتوجّسون من القادم. هم الذين ألحقوا الألم والخوف بهذه الجغرافيا لأكثر من مئة سنة حان وقتُ انتهاء هذا العار

الجغرافيا سلاح. ليس في المتوسط فقط، بل يجب إحاطة إسرائيل من كل حدودها البرية، وتكديس مئات الآلاف عند حدودها، وخنقها داخل منزلها.

وسنخنقها!

عن الكاتب

إبراهيم قاراغول

كاتب تركي - رئيس تحرير صحيفة يني شفق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس