سعيد الحاج - الجزيرة نت
أعلنت اللجنة العليا للانتخابات في تركيا فوز الرئيس رجب طيب أردوغان بولاية رئاسية ثالثة بعد تقدمه في انتخابات الإعادة على منافسه كمال كليجدارأوغلو بفارق واضح وفق النتائج الأولية، في أصعب منافسة انتخابية يخوضها الرجل منذ تأسيس العدالة والتنمية في 2001.
النتيجة
وفق النتائج الأولية، حصل الرئيس التركي على نسبة 51.16% من الأصوات بواقع 27.7 مليون صوت، ومنافسه مرشح تحالف الشعب المعارض كليجدار أوغلو على نسبة 47.84% من الأصوات بواقع 25.4 مليون صوت، أي بفارق ما يقرب من 2.3 مليون صوت.
وقد شارك في الاستحقاق الانتخابي زهاء 53.8 مليون ناخب بنسبة مشاركة قريبة من 84% في تركيا، مع إلغاء زهاء 700 ألف صوت في هذه الجولة، بعد أن كان أتراك الخارج قد سجلوا نسبة مشاركة قريبة من 54%. كما حصل أردوغان على نسبة 59.4% من أصوات الأتراك في الخارج، مقابل 40.6% لصالح منافسه كليجدار أوغلو.
ولم تتغير خريطة النتائج كثيرا، إذ تقدم كليجدار أوغلو مجددا في محافظات الساحل الغربي للبلاد التي تعدُّ مناطق نفوذ واضحة لحزبه، إضافة لعموم مناطق الجنوب والجنوب الشرقي ذات الأغلبية الكردية بفضل دعم حزب الشعوب الديمقراطي له. في المقابل، حافظ أردوغان على تقدمه في المناطق الأخرى وفي مقدمتها البحر الأسود ووسط الأناضول. ولعل محافظة هاتاي، إحدى المحافظات المتضررة من الزلزال، كانت الاستثناء الوحيد في جولة الإعادة إذ تحولت لأغلبية بسيطة لصالح الرئيس التركي بينما كان الوضع معكوسا في الجولة الأولى.
كما تقدم كليجدار أوغلو على أردوغان مجددا في عدد من المدن الكبرى، وفي مقدمتها إسطنبول وأنقرة، مع تغير طفيف في النتائج وتراجع أوضح في نسب المشاركة عن الجولة الأولى.
في مناطق الأغلبية الكردية التي حافظ فيها كليجدار أوغلو على أفضلية واضحة عن الرئيس أردوغان، بفضل دعم حزب الشعوب الديمقراطي له، تراجعت وبشكل لافت نسب المشاركة وكذلك النسب التي حصل عليها مرشح المعارضة فيها. ففي ديار بكر، أكبر محافظات المنطقة، على سبيل المثال، تراجعت نسبة المشاركة في الانتخابات من 81.7% إلى 75.9%، وتراجع التصويت لكليجدار أوغلو ما يقرب من 40 ألف صوت، مقابل زيادة بسيطة لأردوغان قريبة من 3 آلاف صوت. وتشابهت نتائج باقي محافظات المنطقة مع هذا المنحى بشكل بارز.
وفي فارق مهم عن الجولة الأولى، كانت عملية الفرز أسرع بكثير وخرجت النتائج الأولى في وقت أبكر جدا من الجولة الأولى، بسبب غياب التعقيدات المتعلقة بالانتخابات التشريعية التي شارك بها 24 حزبا و5 تحالفات كبيرة، مما جعل عمليتي التصويت والفرز أكثر تعقيدا واستغراقا في الوقت في الجولة الأولى.
دلالات
في قراءة النتائج، لا ينبغي تفويت الإشارة إلى سير العملية الانتخابية بسلاسة وسهولة وإتمامها دون أي أحداث أو خروقات تذكر، وهو ما ذكرته اللجنة العليا للانتخابات وأشاد به كلا الطرفين. ولئن كان المرشح الخاسر كليجدار أوغلو تجنب أن يهنئ أردوغان بشكل مباشر، فإن كلمته المقتضبة بعد ظهور النتيجة حملت معنى التسليم بالنتائج والرضا بقرار الشعب.
للنتيجة زاويتان متناقضتان ومتكاملتان في الوقت ذاته. فقد كانت هذه الانتخابات الأصعب في تاريخ أردوغان وحزب العدالة والتنمية، فتراجع الأخير في الانتخابات البرلمانية بشكل ملحوظ ولم يستطع الرئيس الفوز من الجولة الأولى واحتاج لجولة إعادة. لكن من زاوية أخرى، فهو الفوز الانتخابي الـ16 على التوالي لأردوغان وحزبه منذ تأسيس الأخير في 2001 وتسلم الحكم في البلاد في 2002، وفي ظل ظروف اقتصادية صعبة وكارثة زلزال وبعد توحد المعارضة بشكل غير مسبوق، وهي ظاهرة نادرة وقد تكون استثنائية إذ من عادة الأحزاب والشخصيات التي تحكم طويلا أن تتعرض للترهل والتراجع والأفول بعد مدة، وهي قاعدة شذ عنها حتى اللحظة الرجل وحزبه.
كان التراجع في نسبة المشاركة متوقعا، بسبب التقارب الزمني بين الجولتين وما يتضمنه ذلك من تحديات لوجستية لبعض الناخبين إضافة لنتائج الجولة الأولى التي دفعت بعض أنصار أردوغان للاطمئنان وبعض أنصار كليجدار أوغلو للإحباط، لكن يبدو أن التراجع في التصويت كان متقاربا بين المعسكرين. وهنا، بدت نسبة تصويت الخارج استثناء ومدفوعة بالأساس برغبة الخارج في التأثير في النتيجة بالنظر إلى نتيجة الجولة الأولى، كما أن نسبة المشاركة المتدنية مقارنة بالداخل سمحت بإمكانية رفعها نسبيا.
ومن الملحوظات المهمة لنتيجة جولة الإعادة أن الفارق بين المتنافسَيْن لم يتغير كثيرا، فزادت أصوات أردوغان زهاء 600 ألف صوت وكليجدار أوغلو أقل من مليون صوت، مما يعني أن أيا منهما لم يستطع كسب غالبية الأصوات التي كانت ذهبت للمرشح الثالث سنان أوغان، أو لنقل إن كتلة أوغان لم تتحرك بشكل موحد ولا كبير لأي منهما وبالتالي كان تأثيرها محدودا جدا في النتيجة.
الملاحظة الرئيسة في جولة الإعادة أن نسبة المشاركة في مناطق الأغلبية الكردية وكذلك نسبة التصويت لكليجدار أوغلو فيها تراجعتا بشكل ملحوظ، وأمر مماثل يمكن قوله عن بعض المدن الكبرى التي فيها صوت "كردي" مؤثر مثل إسطنبول، بل إن الرئيس التركي رفع عدد أصواته في المحافظات ذات الأغلبية الكردية بشكل طفيف، مما يعني أن مرشح المعارضة قد دفع ثمن تحالفه مع حزب النصر اليميني المتطرف وتوقيعه تفاهما معه أزعج أنصار حزب الشعوب الديمقراطي.
كما أن استمرار تقدم كليجدار أوغلو في عدد من المدن الكبرى المهمة، وفي مقدمتها إسطنبول وأنقرة، يشي بأن الانتخابات البلدية في مارس/آذار المقبل ستكون تحديا كبيرا أمام حزب العدالة والتنمية، ولا سيما إذا ما استمر تحالف الطاولة السداسية.
ارتدادات
كانت الانتخابات الأخيرة استثنائية في تركيا ومختلفة كثيرا عن كل سابقاتها، ولذلك كانت الرهانات عليها كبيرة بما يدفع للتوقع بارتدادات لنتائجها على مختلف الأطراف، ولذلك طالما وصفت بأنها مصيرية.
في المقام الأول، ورغم الفوز ونشوة النصر، لن يفوت الرئيس التركي أن يعيد النظر في نتيجة حزب العدالة والتنمية الذي تراجع في الانتخابات التشريعية بنسبة 7% عن آخر انتخابات، والتي كان تراجع فيها أصلا 7% كذلك عن الانتخابات التي سبقتها في 2011. هذا النزيف المستمر في شعبية الحزب الحاكم والتصويت له ظاهرة مقلقة وستحتاج للوقوف أمامها ومحاولة علاجها، وإلا كان التحدي في الانتخابات المقبلة مختلفا جدا، لا سيما مع اختلاف شكل المعارضة وتحالفاتها وخلفيات أحزابها مؤخرا.
في المقابل، أضاف كليجدار أوغلو لسجله هزيمة إضافية أمام أردوغان، ولكن هذه المرة في ظل آمال وتوقعات بإمكانية كبيرة للفوز وكذلك بعد أن فَرَضَ ترشحه رغم الاعتراضات على حزبه ثم على الطاولة السداسية. ولذلك فمن المتوقع أن يكون للنتيجة ارتدادات داخل حزب الشعب الجمهوري، ويمكن بسهولة تفسير بعض عبارات الرجل بعد الجولة الأولى وبعد نتيجة الإعادة على أنها موجهة لخصومه داخل الحزب قبل أردوغان وتحالف الجهمور.
وأخيرا، ثمة علامات استفهام وجيهة حول مصير الطاولة السداسية المعارضة، فهي من جهة خسرت الفكرة الرئيسة التي جمعت أحزابها وهي العودة بالبلاد للنظام البرلماني التي كانت تحتاج أغلبية البرلمان، كما أن مرشحها خسر الانتخابات الرئاسية. من جهة أخرى، فقد تبدت بعض ملامح التململ في التحالف المعارض وحالة من التلاوم والخلافات التي أخفيت عن الأنظار قدر الإمكان حتى جولة الإعادة لعدم التأثير على نتائجها.
بيد أن خروج كليجدار أوغلو وحيدا في كلمته بعد النتيجة، وخروج حلفائه بتصريحات منفصلة، يشير بوضوح إلى أن الخلافات الكامنة مرشحة للخروج للعلن قريبا، مما يعني أن وحدة الطاولة السداسية ستكون على المحك في المرحلة المقبلة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس