حقي أوجال - ديلي صباح
كيف يمكن وصف الشراسة والخبث والنذالة؟ إن ما يجعل رد فعل إسرائيل على هذا الهجوم على المستوطنين المحتلين الإسرائيليين شرساً للغاية، هو على الأرجح التداعيات السياسية للانهيار الأمني الذي وقع ليلة السبت التي لا تُنسى.
ففي تلك الليلة، نام حرس الحدود الإسرائيليون وانهارت القبة الحديدية وأثبتت القوات المسلحة للمستوطنين أنها لم تكن فعالة إلا ضد الأطفال الفلسطينيين الذين كانوا يرشقونها بالحجارة، لذلك تمكنت حماس من مهاجمتهم واحتجاز أعداد كبيرة من الرهائن. لكن في تلك الليلة أيضاً، انهارت الصورة الجبارة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قائد القوات الخاصة في الموساد.
إن السيل المستمر من التغطية الإعلامية لوضع الرهائن الذي لم يتم حله في غزة، والروايات الجديدة عن الفظائع التي حدثت في تلك الليلة الرهيبة في مجتمعات المستوطنات على طول حدود غزة، توضح شيئاُ واحداً لسياسيٍ محنك مثل نتنياهو ألا وهو أن الانتخابات الأحدث قد تكون الانتخابات الأخيرة التي شارك فيها هو وحزبه الليكود. لذا، عليه أن يفعل شيئاً لم يُسمع به من قبل، مثل تقليص عدد الفلسطينيين في غزة وضم نصفها إلى إسرائيل.
ولا أرى ذرة من الحقيقة في حديث وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الفارغ، عن المراحل الثلاث المخطط لها للحرب ضد حماس، وتخلي إسرائيل عن مسؤوليتها عن غزة! وقد يقول بعد عام من الآن إن الواقع الأمني الجديد يجب أن يستمر إلى ما لا نهاية.
ازدواجية المعايير في الإعلام الغربي
لقد مر أكثر من أسبوعين، لكن هيئة الإذاعة البريطانية ووسائل الإعلام الأمريكية تواصل بث ونشر قصص فرق الإنقاذ التي تنتشل جثثاً "أقدامها عارية ومقيدة بأسلاك معدنية" من تحت الأنقاض. القصص المزينة بعناية بتحذيرات مثل "قد يجد بعض المشاهدين/القراء تفاصيل في هذا الفيديو/المقالة مؤلمة" تجعلك ترتعش حتى قبل أن تبدأ في القراءة أو المشاهدة.
ووفقاً لهيئة الإذاعة البريطانية، قال أحد عمال الإنقاذ إنه تم العثور على جثث أكثر من 20 طفلاً في المستوطنة اليهودية، لكن هيئة الإذاعة البريطانية لم تعلن عن مقتل 200 طفل في قصف مستشفى واحد.
لا، لن أسأل عما كانت تفعله مجتمعات المستوطنات الحدودية تلك على أراضي الفلسطينيين المسروقة. ولماذا كانوا محميين من قبل الجيش الإسرائيلي ليلاً ونهاراً؟ وضد من؟ لا، لقد فات زمن مناقشة القضايا الناجمة عن التوسع التدريجي للسرقة التي نسميها اليوم إسرائيل. الآن هو الوقت المناسب لكي ندرك مهمة الرئيس الأمريكي جو بايدن: إرسال 100 مليار دولار أخرى لمساعدة توسع آخر لإسرائيل في سرقة نصف قطاع غزة. وكلما صور الوضع الذي خلقته "هجمات حماس الإرهابية التي قتلت أكثر من 1400 مدني... وعشرات الأبرياء من الرضع إلى المسنين والأجداد والإسرائيليين... والأميركيين الذين أخذوا كرهائن"، بشكل أكثر دراماتيكية، تمكن بشكل أفضل من "ملاحقة كل شخص" لا يدعم إسرائيل فيما يسميه "نقطة انعطاف" في تاريخ البلاد.
لقد أبقى بايدن المحافظين الجدد في عهد بوش في فريقه للسياسة الخارجية والأمن دون سبب. وكانت إسرائيل وأوكرانيا بالنسبة لهم، "تخوضان صراعات وجودية" ليس من أجل نفسيهما، بل من أجل تغيير الواقع الوجودي لروسيا والصين.
وتقول صحيفة نيويورك تايمز إن الرئيس الأمريكي يربط بين الصراعين الإسرائيلي والأوكراني بحجة الدور العالمي لأمريكا. نعم، هذا صحيح: تلك المعارك الوجودية ستمهد الطريق إلى بكين عبر موسكو. ويشير كاتب رأي في شبكة سي إن إن أيضاً إلى أن "حروب أوكرانيا وإسرائيل ليست حاسمةً لوجودهما فحسب، بل لأمن كل أمريكي".
ليس لأن صواريخ حماس سوف تصل إلى أوهايو، بل لأنها قد تؤخر بناء "إسرائيل الكبرى"، أو على الأقل دولة صديقة تمتد من البحر الأبيض المتوسط إلى آسيا الوسطى. وقال رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، الذي هرع أيضاً إلى إسرائيل، إن بلاده تدعم تماماً حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وملاحقة حماس.
إعادة صياغة الدفاع عن النفس
بالنسبة لبايدن وسوناك وقادة الإمبريالية الرأسمالية، لم يتم تطبيق مفهوم "الدفاع عن النفس" أبداً على الكفاح الوجودي للفلسطينيين. ولم يسأل البريطانيون أصحاب الأرض عندما نشروا وعد بلفور بإنشاء "وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين". لقد وضع البريطانيون الإمبراطورية العثمانية، التي تنتمي إليها هذه الأراضي قانونياً، في موقف لم يكن بوسعها الاعتراض على إنشائها بل التصفيق لها. ولا داعي لتكرار التاريخ المؤسف للمنطقة والحافل بالخيانات والغدر. فهل ينبغي لخطة تقسيم عام 1947 التي أصدرتها عصبة الأمم آنذاك، والتي تصورت تقسيم فلسطين إلى 3 أجزاء دولة يهودية ودولة عربية ومدينة القدس، وقرارات مماثلة للأمم المتحدة عام 1967، أن تفعل ذلك؟
وبعد التمسك بقرار عام 1991، هل كان من الممكن أن يسود السلام في المنطقة؟ لكن الفكرة لم تكن السماح للسلام بأن يسود في المنطقة، لأن هناك صهاينة متعصبون تدعمهم الدول التي وقعت على اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، ما جعل الأمر ينتهي إلى رواية إبراهيمية حول الأراضي الموعودة. وكانت سايكس بيكو معاهدة سرية بين المملكة المتحدة وفرنسا أدت إلى تقسيم سوريا والعراق ولبنان وفلسطين التي كانت تحت سيطرة تركيا، إلى مناطق مختلفة تديرها فرنسا وبريطانيا. وفي الواقع، يشرح المؤرخ فواز طرابلسي العلاقة الأساسية بين اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور، في كتابه "سايكس-بيكو-بلفور: ما وراء الخرائط".
ولا تزال المفاوضات التي سبقت خطة عام 1947 وبعدها، والتطورات التي تلت قرار الأمم المتحدة عام 1991 حتى 11 سبتمبر/أيلول 2001، محاطة بالسرية. ففي 11 سبتمبر/أيلول عندما اختطف 19 إرهابياً من تنظيم القاعدة 4 طائرات تجارية وأسقطوا عمداً طائرتين منها في مجمع مركز التجارة العالمي، وطائرة ثالثة في البنتاغون في أرلينغتون بولاية فيرجينيا، شاهد الأمريكيون رعب الهجمات الإرهابية، والتي خلفت ما يقرب من 3000 قتيل في مدينة نيويورك وواشنطن العاصمة وشانكسفيل بولاية بنسلفانيا. لقد غيرت أحداث 11 سبتمبر/أيلول مسار العديد من التطورات العالمية، وأدى ذلك إلى الغزو الأمريكي وتدمير أفغانستان والعراق وسوريا لاحقاً. وما زلنا لا نعرف كيف أصبحت أفريقيا مركزاً للنشاط المتطرف، الذي ألقت الولايات المتحدة باللوم فيه على أحداث 11 سبتمبر/أيلول.
لكنها فتحت بالتأكيد غطاء صندوق باندورا الخاص بالمحافظين الجدد، وبدأت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في دعم سياسة التوسع التي ينتهجها الزعيم الإسرائيلي إسحق شامير علناً.
وكان شامير وهو رئيس وزراء إسرائيل السابع، وزعيم جماعة صهيونية مسلحة قبل قيام دولة إسرائيل، قد تولى قيادة سياسة المستوطنات اليهودية في بلاده - يشرح ذلك كتاب احتلال الأراضي المخصصة للمسلمين- وفي ذلك الوقت، قاد وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر حملة إدارة بوش لمحاربة الدول العربية التي كانت تنتقد المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي العربية المحتلة باعتبارها انتهاكاً للقانون الدولي.
وما زلنا بحاجة إلى روايات واضحة وغير متحيزة عن التغير الذي طرأ على قلب إدارة جورج بوش التي كانت قبل بضعة أشهر فقط، قد انضمت إلى بلدان أخرى وانتقدت بشدة التوسع الإسرائيلي في المستوطنات القائمة في الضفة الغربية، وحذرت من أنها لن تدعم قرضاً مطلوباً بقيمة 400 مليون دولار لإسكان المهاجرين السوفييت الجدد دون ضمانات إسرائيلية بأنهم لن يفعلوا ذلك في الأراضي المحتلة. وقد أثارت هذه الجهود التي بذلتها إدارة بوش احتجاجات حادة من إسرائيل، التي اتهمت الولايات المتحدة بدعم الجهود العربية لوقف تدفق المهاجرين السوفييت إلى إسرائيل.
وربما كانت حقبة ريغان الشبيهة بالأفلام قد انتهت، فالنشوة التي خلقها تراجع الشيوعية والثورات في أوروبا الشرقية وإعادة توحيد ألمانيا عام 1990 وأخيراً تفكك الاتحاد السوفييتي، تم استبدالها بإدراك أن احتضان روسيا والصين للرأسمالية من شأنه أن يجعلهما أكثر فتكاً.
لقد جعل الانتصار في الحرب الباردة الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة في العالم، وقد جلبت تحديات وفرصاً جديدة ليس فقط على الأنظمة الشيوعية السابقة في روسيا وأوروبا الشرقية، ولكن على المناطق الجغرافية التي كانت تحكمها ذات يوم أيضاً.
وقال علي حرب في تعليقه على قناة الجزيرة إن رحلة بايدن إلى إسرائيل تظهر نهجاً "أدائياً" في حرب غزة، يتمثل بإظهار الدعم الأمريكي "الثابت" لإسرائيل. وهذا صحيح جزئياً لأن بايدن هو أول ديمقراطي يتم انتخابه بأغلبية الأصوات اليهودية منذ عقود عديدة. لكن اندفاع بايدن وسوناك على عجل إلى "منطقة حرب" بالرغم من ترتيباتهم الأمنية المتعارضة، ليس موجهاً للجمهور المحلي فقط، بل يحاكي المشاعر الداعمة لحماس التي التهبت ليلة السابع من أكتوبر/تشرين الأول وسط شعوب المنطقة، بسبب "الشر غير المتناسب والمفرط" الذي حل بشعب فلسطين.
لقد ملأ الملايين من الناس في الدول الإسلامية مراكز المدن والمساجد وقاعات المدارس ومكاتب الأحزاب السياسية والبرلمانات، وطلبوا من حكوماتهم عدم إصدار بيان إدانة. لكن أسطولاً من القوات البحرية الأمريكية والبريطانية والفرنسية حاصر المياه الإقليمية لغزة الغنية بالغاز الطبيعي، ولم تتمكن أي دولة من إرسال سفن لمساعدة الفلسطينيين. وكان على بايدن وسوناك الذهاب إلى هناك والتأكيد على الرسالة التي مفادها أنه لن يتم التسامح مع أي تدخل من الدول الإسلامية الأخرى.
وبالرغم من أن كل ما يجري يبدو وكأنه خطة تقتضي بعدم إمكانية أية دولة أن تذهب لمساعدة الفلسطينيين، ولكن ما من مؤمن إلا ويعتقد تماماً بأن "البشر يخططون والقدر يضحك. ومن يضحك أخيراً يضحك كثيراً".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس