ياسر سعد الدين - خاص ترك برس
الأحداث الجسام خصوصا الحروب الطاحنة تساهم وبشكل كبير في إماطة اللثام عن حقائق لم تكن واضحة أمام كثيرين، وتصوغ خلال أيام مفاهيم وأفكار ما قد يحتاج لسنوات طوال وجهود حثيثة لبلورته وترسيخه في أيام السلم والأحوال العادية. نظرات عابرة ووقفات سريعة على الحدث الأهم والأخطر في المنطقة ومن عقود، من حيث التداعيات والتبعات:
• على الرغم من أن الصور المؤلمة لجرائم الصهاينة والأشلاء الممزقة للإطفال والأبرياء والتي فجرت مشاعر غاضبة في قلوب العرب والمسلمين وأصحاب الضمائر، فإنه لم يتم رصد عمل "إرهابي" واحد في الساحة الدولية، بل إن المظاهرات الضخمة والتي انطلقت في عواصم ومدن عالمية كانت في غاية السلمية والانضباط ولم تسجل فيها تجاوزات قانونية ولو يسيرة. الأمر الذي يدعم مزاعم تقول أن كثيرا من الأعمال الأرهابية في الغرب كانت مبرمجة من أجهزة استخباراتية عالمية لتمرير أجندة سياسية.
• الحديث الغربي والأمريكي على ما بعد حماس، وإن كان جزء من الحملة النفسية فهو مجرد هراء. فواشنطن والغرب يستطيعون التفاهم السياسي مع حماس وعقد الصفقات والتفاهمات، وبديل حماس مجهول وغياب طرف يستطيع تنفيذ الالتزامات أكثر ملائمة من التعامل مع المجهول، نعم سيحاولون إضعاف حماس ولكنهم سيحتاجونها في المراحل القادمة.
• المواقف الغربية الرسمية الداعمة لجرائم إسرائيل وانتهاكاتها وما تقوم به من إبادة، إضافة إلى التضييق على الجاليات المسلمة في الغرب في السنوات الأخيرة من حيث فرض أجندة الشذوذ ومحاربة الحجاب، أسقط النموذج الغربي بشكل كامل من عقول وضمائر الشعوب العربية والمسلمة.
• حماس وبعد سيطرتها على القطاع في 2006 أستطاعت تكوين جيل صلب من المقاومين بل وحتى برامجها الإسلامية ومدارس القرآن والمخيمات الصيفية التي كانت تنظمها كونت حاضنة شعبية ضربت في هذا العدوان أمثلة عجيبة في الصبر والعزيمة، وهو ما يفتقد بشكل ملاحظ في الضفة الغربية. كما إن شجاعة المقاومين وبسالتهم وشعور الشعوب العربية والتي تمرغت في الذل الرسمي من عقود في مواجهة العلو الصهيوني سيعزز من البديل الإسلامي في الضمير الشعبي العربي على حساب الرؤية الغربية والمفاهيم اليسارية والقومية.
• الاحتلال والاستبداد صنوان، وهما وجهان لعملة واحدة، يستقوي أحدهم بالآخر. الدول العربية التي أجهضت الربيع العربي تقف بإعلامها وذبابها الإلكتروني ودعمها المادي – كالإمارات- مع الاحتلال وجرائمه. مع التذكير بأن حماس تم انتخابها ديمقراطيا في انتخابات شعبية فلسطينية وحيدة. الاحتلال في غزة يحاكي بجرائمه النظام السوري من قصف المستشفيات والمخابز وسياسة الأرض المحروقة واستخدام الأسلحة المحرمة والتهجير. النظام السوري "المقاوم" لم يسمع له همس في ما يجري في غزة بل إن الأسد في مقابلته التلفزيونية الأخيرة وصف حماس بالغدر والخيانة أي أنه يشاطر الصهاينة معاداتها.
• من الأمور اللافتة والتي نجحت فيها المقاومة بشكل كبير، المصداقية الأعلامية. ففي حروب العرب مع الصهاينة في القرن الماضي كان الجمهور العربي يلجأ للإعلام الإسرائيلي ليأخذ منه الأخبار والمعلومات. في هذا العدوان يلجأ بعض الإسرائيليين لبيانات المقاومة ولمتابعة أبوعبيدة لمعرفة التطورات والمستجدات. المصداقية تضاف إلى عامل المقاومة الشرسة والشجاعة الفلسطينية في مواجهة إسطورة إسرائيلية تمزقت وانهارت وعساكر إسرائيليين يصابون بالهلع والجزء، أمور تساهم في صياغة النفسية العربية وتخرجها من حالة الوهن والهوان والانكسار إلى حالة من الثقة والاعتزاز والإقدام.
مما لا شك فيها أن ما يحدث في غزة يعيد تشكيلة النفسية العربية بشكل كبير، وله تداعياته الكبيرة على المنطقة والعالم، وبطبيعة الأحوال فإن طبيعة خاتمة هذه الملحمة ومآلاتها على الأرض سيكون له التأثير الأعظم على شكل تلك التداعيات وطبيعتها حاضرا ومستقبلا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس