محمد زاهد جول - خاص ترك برس
في اللحظة التي تواجه فيها تركيا ترتيب أوضاعها السياسية الداخلية بعد الانتخابات البرلمانية غير المعتادة على الساحة التركية منذ ثلاثة عشر عاماً، واضطرار حزب العدالة والتنمية إلى تشكيل حكومة ائتلافية مع الأحزاب السياسية التي طالما ركنها في المعارضة بقوة أصوات الشعب التركي في الانتخابات السابقة، يجد نفسه مضطراً إلى استرضاء بعض أحزاب المعارضة لتشكيل حكومته الجديدة، وإلا فانه سوف يضطر إلى انتخابات مبكرة، لا يحبذ هو الذهاب إليها أولاً، ولو أحب الذهاب إليها فلا بد أن يظهر أمام الشعب أنه ذهب إليها كرها لا طوعاً، وإلا فإن النتيجة قد لا تكون لصالحه مرة أخرى.
وفي خضم المعارضة السابقة لسياسات حزب العدالة والتنمية وهو في الحكم أظهرت المعارضة التركية وبالأخص حزب الشعب الجمهورية معارضة كبيرة للسياسة الخارجية التي ينتهجها حزب العدالة والتنمية ورئيسه أردوغان آنذاك، وفي مقدمة هذه القضايا الموقف من الثورة السورية وعلاقات تركيا بالدول العربية والإسلامية، وموقف الحكومة التركية لحزب العدالة والتنمية من القضية الفلسطينية، التي أضرت في نظره بالعلاقات التركية الإسرائيلية، فأحزاب المعارضة التركية وهي تؤيد القضية الفلسطينية، وتقف ضد الحصار الإسرائيلي على غزة، ولكنها لا تؤيد مستوى الدعم الذي قدمته حكومة حزب العدالة والتنمية لأسطول الحرية، وبالأخص بالتنديد الكبير الذي صدر من الحكومة التركية ورئيسها أردوغان على العدوان الإسرائيلي على الأسطول عام 2010، بحكم ما أدى إليه العدوان الإسرائيلي من تسعة قتلى أتراك تبعهم عاشر متأثراً بجراحه، فالمعارضة التركية لم تكن راضية عن مستوى العداء الذي تبديه حكومة العدالة والتنمية للحكومة الإسرائيلية، ولم تكن راضية عن تدني مستوى العلاقات السياسية والدبلوماسية بين تركيا واسرائيل، ومواقف المعارضة التركية هذه لم تكن خافية على حكومة العدالة والتنمية وحزبه، ولكنها كانت تجد تأييدا داخلياً، وصدى إيجابياً من شعوب العالم الإسلامي.
وبالرغم من هذه المعارضة الداخلية لسياسته نحو السياسة الإسرائيلية إلا أن حكومة حزب العدالة التنمية بقيت مصرة على عدم تحسين العلاقات بين تركيا وإسرائيل إلا بثلاثة شروط؛ أولها الاعتذار الإسرائيلي للحكومة التركية، وتعويض المتضررين، وأخيراً رفع الحصار عن قطاع غزة، وقد كسبت تركيا الشرط الأول كاملاً، وكسبت الشرط الثاني جزئياً، وبقي الشرط الثالث قيد البحث والدراسة، بالرغم مما لحقه من أضرار في الحروب الإسرائيلية التالية على قطاع غزة.
ومع بداية الحديث عن تشكيل الحكومة الائتلافية وضع حزب الشعب الجمهوري في أحد شروطه على حزب العدالة والتنمية للحكومة الائتلافية تغيير السياسة الخارجية، بينما يشترط حزب العدالة والتنمية الاحتفاظ بمنجزات المرحلة السابقة طوال الثلاثة عشر سنة الماضية، بما فيها إنجازات السياسة الخارجية، وبالأخص في وضع حدّ للغطرسة الإسرائيلية وتفردها باستعمال القوة العسكرية دون مسؤولية أمام المجتمع الدولي، وفي الراجح أن سياسة الحكومة التركية القادمة ستكون أكثر مرونة في التعامل مع الحكومة الإسرائيلية، وهذا ما يفسره التصريحات المتبادلة بين وزير الخارجية التركي تشاويش أوغلو وبين ما يصدر عن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بمطالبة الوفد الإسرائيلي الذي يتابع القضايا والعلاقات الثنائية مع تركيا أن يبقى قائما على عمله، بالرغم من التغييرات السياسية على الساحة التركية.
لقد أكد وزير الخارجية التركية مولود تشاويش أوغلو عقد لقاءات بين مسؤولين أتراك وإسرائيليين مؤخراً في محاولة لإعادة إطلاق المساعي من أجل تطبيع العلاقات بين الدولتين مؤكداً بذلك معلومات صحفية في هذا الصدد، وقال الوزير التركي في تصريح للصحفيين: "من الطبيعي تماماً أن يتحادث البلدان لتطبيع علاقاتهما، فكيف يمكن التوصّل إلى تسوية من دون نقاش؟"، موضحاً أن مسؤولين من الدولتين يلتقون "على مستوى الخبراء" منذ مدّة طويلة، وهذا الجواب من أغلو بمثابة تأكيد على ما أوردته صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية التي نقلت بأن المدير العام لوزارة الخارجية الاسرائيلية "دوري جولد" تحادث في روما مع نظيره التركي "فريدون سنيرلي أوغلو".
وقد نقل عن الوزير التركي تأكيد بأن الحكومة الإسرائيلية قد استجابت للشرط التركي الأول، بالاعتذار عن مهاجمة أسطول الحرية عام 2010، وأن الكرة لا تزال عند الطرف الآخر فيما يتعلق بالموضوعين الآخرين، وهما دفع تعويضات لأهالي الضحايا، ورفع الحصار عن قطاع غزة، وقال بأن الحكومة التركية تنتظر رداً على ذلك، ولا شك أن من الممكن أن تستغل حكومة نتنياهو الانتهازية التطورات السياسية في تركيا وتنتظر تشكيل الحكومة الائتلافية، والضغط عليها لتحسين العلاقات بين البلدين من داخل الحكومة التركية، أي من داخل الحزب المشارك في الحكومة الائتلافية مع حزب العدالة والتنمية، وبالأخص إذا كان التحالف مع حزب الشعب الجمهوري، الذي يرتبط بعلاقات وثيقة مع الإسرائيليين.
ولعل المشكلة التي لا تزال إسرائيل تواجهها مع الدولة التركية هو أن رائد الوقوف في وجه العدوان والصلف الإسرائيلي في تركيا والمنطقة هو الآن رئيس الجمهورية التركية وهو بطل دافوس السيد رجب طيب أردوغان، إضافة إلى أن قطع العلاقات التركية الاسرائيلية في المرحلة السابقة كانت مدعومة بتأييد شعبي كبير، لذا لا يسهل على أي حكومة ائتلافية قادمة تجاوزها أو كسرها، وبالأخص أن الحكومة الإسرائيلية اضطرت للاعتذار، وقد كان الشرط الأكبر للطرف التركي، وقد تم التوصل إلى نوع من الاتفاق بشأن التعويضات، وهي بانتظار ترتيبات معينة لتنفيذها.
وأخيراً فإن رفع الحصار عن غزة يدخل في مفاوضات دولية عديدة، بعضها جعل رفع الحصار في السنة الأخيرة أكثر صعوبة بسبب انقلاب السيسي في مصر، والذي أظهر خضوعاً مبالغًا فيه للمطالب الإسرائيلية، إما بسبب كراهيته الشديدة لمشاريع الاستقلال والحرية في مصر وغزة، أو بسبب وفاء السيسي للوبي الصهيوني والإسرائيلي في أمريكا وأوروبا الذي دعم الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب محمد مرسي، أو بسبب عداء السيسي لتركيا بسبب موقفها المؤيد للشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، أو لأسباب أخرى.
لم يكن الموقف التركي السابق اتجاه الغطرسة الإسرائيلية موقفاً خاصاً بالرئيس التركي أردوغان ولا حزب العدالة والتنمية ولا حكوماته المتوالية فقط، وإنما كان موقفاً شعبياً في الأساس، بدليل أن موقف حزب العدالة والتنمية من الغطرسة الإسرائيلية جلب له الدعم الشعبي في الانتخابات الماضية، ولم تكن حسابات العلاقة مع إسرائيل ذات أثر سلبي على نتائج الانتخابات الأخيرة حزيران 2015، وإن لعبت بعض المنظمات والأجهزة والصحف الإسرائيلية والأمريكية وفي عدد من الدول الأوروبية أدواراً مشبوهة في ترتيب تكتيكات المعارضة التركية وتركيز أصواتها في ولايات معينة، بحسب ما أظهرته الصحف الغربية وترحيبها بنتائج الانتخابات وفرحتها بها وكأنها هزيمة لحزب العدالة والتنمية وأردوغان.
فأردوغان وهو رئيس للجمهورية سيبقى على سياسته بالتنديد بالمواقف العدوانية لإسرائيل، حتى تطبيق الشروط التركية كاملة، وبالأخص رفح الحصار عن غزة، فأنقرة في كل الاتصالات غير العلنية مع الإسرائيليين في روما وغيرها تؤكد على المطالب التركية المتعلقة بالتعويض عن استشهاد عشرة أتراك نتيجة الاعتداء الغادر للقوات الاسرائيلية على سفينة مرمرة الزرقاء، إضافة إلى طلب رفع الحصار الجائر عن قطاع غزة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس