إسماعيل ياشا - عربي21
أُلغيت مباراة نهائي الكأس السوبر التركي التي كان من المفترض أن يلعبها فريق نادي فنربخشة وفريق نادي غلاطة سراي، مساء الجمعة الماضية، على أرض ملعب "الأول بارك" في العاصمة السعودية الرياض. وجاء الإلغاء في اللحظة الأخيرة بسبب محاولة الناديين فرض مطالب إضافية غير موجودة في الاتفاق المبرم بين الجانبين التركي والسعودي، ولا علاقة لها بالرياضة.
المؤشرات برمتها تشير إلى تعمد الناديين التركيين افتعال الأزمة لأغراض سياسية، لأنهما لم يلتزما بما تم الاتفاق عليه، كما ذكر موسم الرياض في بيانه. وكان بإمكان الناديين أن يقدما مطالبهما برفع لافتات سياسية ولبس قمصان تحمل صور أتاتورك حين كان الجانبان يناقشان تفاصيل الاتفاق قبل توقيعه، ولا يذهبان إلى الرياض إن كان الجانب السعودي يرفض تلك المطالب. ومن المؤكد أن محاولة فرض شروط إضافية في اللحظة الأخيرة بعد قبول كافة تفاصيل الاتفاق المبرم، يشير إلى نوايا سيئة مبيّتة.
الاتحاد التركي أصدر، أمس الثلاثاء، بيانا ذكر فيه أن موسم الرياض اقترح إقامة المباراة في العاصمة السعودية، وأن الناديين التركيين وافقا على هذا الاقتراح، إلا أن أحد الإعلاميين الأتراك المعارضين كتب قبل فترة أن رئيس نادي فنربخشة، رجل الأعمال علي كوتش، هو من اقترح إقامة المباراة في الرياض بهدف حصول الناديين على ملايين الدولارات، ووافق الاتحاد التركي على الاقتراح. ويعني ذلك أن رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، لا دخل له في الموضوع، لا من قريب ولا من بعيد. كما أن لاعب فريق فنربخشة السابق، رضوان دلمان، ذكر في برنامج تلفزيوني، أن أردوغان اتصل برئيس الاتحاد التركي حين سمع أن المباراة ستقام في الرياض، وسأله "من أين جاءت هذه الفكرة؟"، وأن رئيس الاتحاد التركي أخبره بأن هناك أربعة ملايين دولار سيحصل عليها الناديان، وحين سأله أردوغان عن رأي الناديين، قال إنهما وافقا على الفكرة.
وسائل التواصل الاجتماعي كانت تعج تلك الليلة بردود غاضبة في ظل إشاعات تم ترويجها حول عدم سماح السعوديين برفع العلم التركي وعزف النشيد الوطني، وهو نفاه موسم الرياض لاحقا في بيانه. كما حاولت المعارضة تحميل رئيس الجمهورية التركي مسؤولية الأزمة المفتعلة وكأنه هو من أجبر الناديين على إقامة المباراة في الرياض. إلا أن كافة تلك الأنباء الكاذبة سرعان ما تركت مكانها للحقائق التي ظهرت جلية بالبيانات الرسمية وأقوال الشهود وآراء الخبراء في إقامة مثل هذه المباريات.
الأطراف التي افتعلت أزمة مباراة نهائي الكأس السوبر التركي في الرياض أرادت أن تضرب عدة عصافير بحجر واحد، أولها العلاقات التركية السعودية التي تحسنت في الآونة الأخيرة. إلا أنه من غير المتوقع أن يكون هناك أي تأثير سلبي للأزمة على العلاقات بين البلدين، لأن الحكومة التركية والأوساط المؤيدة لها تدرك أهداف المؤامرة، كما أن الجانب السعودي يرى من يقف وراء الأزمة وما يرمي إليه. وهو ما لفت إليه أردوغان حين صرح بأن استهداف الدول الشقيقة ليس صدفة على الإطلاق، وأن هناك محاولة تخريب تستهدف مصالح بلاده.
وفي خطوة تؤكد عدم اهتزاز العلاقات التركية السعودية بسبب موقف الناديين التركيين المخزي، والحملة التي شنها العنصريون ضد العرب عموما والسعودية على وجه الخصوص، وافق مجلس الوزراء السعودي على مذكرة تفاهم بين حكومة المملكة وحكومة تركيا للتعاون في مجال تشجيع الاستثمار المباشر.
الهدف الثاني للأزمة المفتعلة هو إشغال الرأي العام التركي عما يرتكبه الجيش الإسرائيلي من مجازر دموية وجرائم حرب بشعة في قطاع غزة. ولا يخفى على المتابعين للشأن التركي أن هناك تعاطفا شعبيا واسعا في جميع أنحاء تركيا مع المقاومة الفلسطينية، وأن صور الناطق باسم كتائب عز الدين القسام، أبي عبيدة، تنتشر بمدنها، وهو ما يزعج العنصريين والصهاينة الأتراك. ويسعى هؤلاء من خلال تضخيم الأزمة المفتعلة إلى إشغال الشارع التركي بـ"قضية وطنية مفبركة" وتحريضه ضد العرب، ليبتعد عن التعاطف مع القضية الفلسطينية التي يروجون فكرة أنها قضية العرب فقط. ولذلك، ليس من المفاجأة تولي كبر هذه الحملة القذرة شخصيات معروفة بعنصريتها، على غرار رئيس حزب الظفر، أميد أوزداغ، ورئيس بلدية بولو، تانجو أوزجان.
وأما الهدف الثالث فهو الحفاظ على الأصوات المؤيدة لحزب الشعب الجمهوري وحصول مرشحيه على أصوات القوميين الأتراك في الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها في نهاية آذار/ مارس القادم؛ لأن حزب الشعب الجمهوري يواجه خطر خسارة بلدية أنقرة وبلدية إسطنبول وحتى بلدية إزمير، في ظل قرار الحزب الجيد برئاسة ميرال أكشينار بشأن خوض الانتخابات المحلية دون التحالف مع أي حزب آخر. كما أن حزب الشعب الجمهوري بحاجة ماسة إلى لفت انتباه الناخبين عن تحالفه مع الأكراد الانفصاليين.
ولذلك، يرى محللون أن هذه الأزمة المفتعلة هدية إلى رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، من أرستقراطية إسطنبول المؤيدة له، في محاولة لضمان فوزه بفترة أخرى لرئاسة بلدية المدينة العريقة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس