د. علي حسين باكير - عربي21
بعد مرور حوالي ثلاثة أشهر على العدوان الإسرائيلي على غزّة، قرّر الحرس الثوري الإيراني الرد، لكنّه قام خلال الأسبوع المنصرم بقصف ثلاثة بلدان إسلامية هي العراق وسوريا وباكستان، مستخدماً صواريخ بالستية ومسيّرات انتحارية. وفي سياق تبريره لهذه الهجمات، قال الحرس الثوري إنّ الهجمات تأتي في إطار "محاسبة من تعرضوا لأمنها القومي"، مشيراً إلى الهجمات استهدفت ما وصفها بـ"مواقع تجسّسيّة وإرهابية معادية في المنطقة".
وزعمت إيران أنّها استهدفت مقّراً للإستخبارات الإسرائيلية (الموساد) في شمال العراق، وضربت أهدافا لجماعات إرهابية في سوريا وباكستان من بينها جماعة جيش العدل في إقليم سيستان بلوشستان داخل الأراضي الباكستانية. ودخلت الهند على معادلة التوتر الإيرانية ـ الباكستانية فيما بدا أنّه تأييد لضربات الحرس الثوري لأهداف داخل الأراضي الباكستانية.
أرادت إيران من خلال هذه الهجمات أن تستعرض عضلاتها وأوراقها، وأن ترسل رسائل في عدّة إتجاهات من بينها أنّ لديها صواريخ بالستية دقيقة وبعيدة المدى قادرة على ضرب أي مكان في المنطقة، وأن لديها الإرادة والعزيمة على إتخاذ قرار بمهاجمة أي مواقع في أي مكان في الإقليم حتى لو كانت داخل أراضي قوّة نووية، وأنّ لديها القدرة على التنفيذ دون تردّد. أنصار إيران إحتفوا بهذه الضربات وبقدرة إيران العسكرية فيما بدا انّه مهرجان دعائي إستجابة لضرورة الرد على الضغط الداخلية التي تتعرض لها إيران.
لكن التباهي الإيراني بهذه الهجمات وبقدرات إيران العسكرية سرعان ما تحوّل الى نقمة على طهران. إذ أثارت الهجمات التي نفّذها الحرس الثوري ردود فعل رسمية وشعبية ساخطة. ففي العراق، فنّد مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي المزاعم الإيرانية مشيراً الى أنّه "لا أساس لها من الصحة". أمّا وزير الخارجية العراقية فقد ذهب أبعد من ذلك ليشير الى أنّ إيران لا تريد او لا تستطيع أن تضرب إسرائيل، لذا فهي تبحث عن كبش فداء أو ضحايا حولها، ولذلك قاموا بقصف إربيل. على المستوى الشعبي، برزت دعوات لمقاطعة إيران والبضائع الإيرانية.
في باكستان، أثارت الهجمات زوبعة من ردود الأفعال وسط ضغوط شعبية على الجيش للقيام بالرد على هذا الإستفزاز غير المبرر. تعدّي إيران على السيادة الباكستانية ودخول الهند على خط الأزمة أيضاً إستنفر المشاعر القومية. سكوت إسلام أباد كقوّة نووية على مثل هذا التعدّي سيُفهم من قبل الأصدقاء والخصوم على حد سواء على أنّه ضعف، وقد يفتح الباب أمام جميع الأطراف للتصعيد ضد باكستان.
وبالفعل، قام الجيش الباكستاني في وقت مبكر من صباح اليوم التالي باستهداف مواقع داخل الأراضي الإيرانية من خلال صواريخ أرض-جو تمّ إطلاقها من مقاتلات باكستانية بعد رصد الأهداف المطلوب في العمق الإيراني باستخدام المسيّرات. وتعتبر هذه الواقعة الأولى من نوعها منذ الحرب العراقية- الإيرانية. اذ لم يسبق لأي دولة أن قصفت العمق الإيراني بعد العراق، مما ولدّ صدمة لدى الإيرانيين الذي توهّموا أنّ لطهران اليد العليا.
المغامرة الإيرانية مع باكستان وقصف كل من العراق وسوريا أدّى الى ردود فعل عكسية لم تكن في الحسبان. فالتصعيد الإيراني مع هذه الدول في هذا التوقيت العصيب الذي يشهد حملة إسرائيلية غير مسبوقة على الفلسطينيين، ادىّ إلى تشتيت الإنتباه عن جرائم إسرائيل وإشغال الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي باحتمالات اندلاع حرب إقليمية أخرى.
علاوةً على ذلك، فقد أظهر الرد الباكستاني داخل الأراضي الإيرانية أنّ منظومة الدفاع الإيرانية ركيكة وغير فاعلة، كما استدعى المناورة الإيرانية التي تهدف من خلالها الى التهرّب من مواجهة الخصوم الحقيقيين المفترضين في الوقت الذي تضرب فيه جيرانها. قد نسف الرد الباكستاني صورة "إيران العظمى" التي حاول الحرس الثوري الإيراني رسمها في الأذهان، وبالتالي أفرغ الرد الإيراني من مضمونه فضلا عن تقويض سردية الردع الإيرانية.
أمّا صورة إيران التي حاولت طهران تحسينها بعد العدوان الإسرائيلي على غزّة من خلال الإلتصاق بورقة المقاومة، فقد تدهورت هي الأخرى بعد العدوان على الدول الإسلامية الثلاث، وتخطّت الإطار المذهبي الى الإطار الأوسع، إذ أنّ شرائح واسعة من الشيعة في العراق وباكستان شعرت بالاهانة والإستفزاز من الموقف الإيراني ممّا أشعل الشعور القومي من جديد فضلاً عن الصورة الذهنيّة السيّئة أصلا عن صورة ودور إيران لدى غالبية المسلمين بعد دورها السيء السمعة في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
الرد الباكستاني وضع إيران في موقف لا تُحسد عليه، وبدأ البعض يتساءل عن جدوى الهجمات التي شنتّها طهران على هذه الدول وعمّا إذا كان المقصود منها التهرّب من الإشتباك المباشر مع الدول التي من المفترض أنّ إيران في علاقة خصومة معها، أي إسرائيل والولايات المتّحدة.
من الواضح أنّ إيران وقعت في خطأ قاتل في الحسابات، وهذه ليست المرّة الأولى التي تفعل فيها ذلك، إذ أدّت أخطاء سابقة إلى خسائر موجعة لإيران وحلفائها كان من بينها العدوان الإسرائيلي على لبنان في العام 2006، وأيضا التصعيد الإيراني في الخليج عام 2019 والذي إنتهى بمقتل قاسم سليماني لاحقاً، فهل ستواصل إيران حساباتها الخاطئة؟
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس