علي حسين باكير - صحيفة العرب القطرية
قبل ثلاث سنوات بالضبط، كان تقييمنا لسيناريو مواصلة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي يترأسه صالح مسلّم دفع مشروعه الانفصالي قدما إلى الأمام، يستند إلى معطيات تجعلنا نقول إنه صعب المنال، أهمّها أن عدد أكراد سوريا وبخلاف الأكراد الموجودين في الدول المحيطة ليس كبيرا ولا يخوّلهم فرض رأيهم أو طموحاتهم بالقوّة على الشعب السوري، كما أن المناطق التي ينتشرون فيها لا تشكّل مجالا متواصلا وإنما يتركّزون في ثلاث مناطق متباعدة في الشمال السوري يفصل بينها تجمعات من القوميات الأخرى لاسيَّما العربية وأيضا التركمانية بالإضافة إلى أقليات دينية، أمّا المُعطى الثالث والأخير فهو أن لا مؤشرات (في حينه) على وجود دعم غربي للمطالب الحثيثة للحزب الكردي تمهد لإقامة كيان مصطنع في شمال سوريا.
كانت هذه خلاصة مقال نشرته قبل ثلاث سنوات متبوعة بفقرة تقول: «لا ينبغي لكل هذه المعطيات المذكورة أن تقلل من المخاوف المرتبطة بمثل هذا السيناريو، وهو ما يوجب علينا أن نتابع المؤشرات الداخلية والإقليمية والدولية بكل دقة، فما يبدو اليوم مستحيلا أو صعبا قد لا يكون كذلك مستقبلا».
اليوم يبدو أن كل المعطيات الداخلية والخارجية المذكورة أعلاه قد تغيّرت تماما، وأنّها تسير في الاتجاه الذي نخشاه بشكل متسارع. في بداية الثورة السورية، تسلّم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني المناطق التي سيطر عليها في الشمال السوري من نظام الأسد مباشرة، ثم حصل في مرحلة ثانية على دعم إيراني مكّنه من أن يفرض نفسه بالقوة على سائر المكونات الكردية السورية الأخرى، ثم تواصل في مرحلة ثالثة مع الجانب الأميركي بشكل سري وذلك بموازاة صعود «داعش» في سوريا.
أما المرحلة الرابعة (الحاليّة) فهي حصيلة لكل التغييرات التي استحدثها الحزب المذكور على الأرض، فالولايات المتّحدة ومنذ نهاية العام الماضي قدّمت وتقدم دعما غير محدود ولا مفهوم لهذا الحزب رغم أن علاقاته مع النظام السوري والإيراني معروفة للجميع، وكذلك جرائمه بحق العرب والأكراد منذ بداية الثورة السورية وحتى اليوم، لكنّ ذريعة محاربة «داعش» سهّلت للحزب الحصول على الدعم والتسليح لدرجة أنّ واشنطن تحدّت بشكل جريء وعلني اعتراضات أنقرة وتجاهلت مخاوفها وشرعت بإمداد الحزب المدرج على لوائح حليفتها كحزب إرهابي بالدعم العسكري والمساندة الجوية.
وسرعان ما استغل الحزب المذكور الدعم المقدم إليه ليقوم بعمليات قمع لكل من يعارض توجهاته من الأكراد وكذلك بعمليات تجنيد إجبارية وانتهاكات بحق المدنيين، كما شرع بعمليات تغيير ديمغرافية تستند إلى تطهير قومي للمناطق التي أشرنا إليها والتي تحول دون قدرته على إقامة منطقة كردية متواصلة في الشمال من أقصى الشرق وحتى أقصى الغرب، وقد تسارعت هذه العملية بعد الانتخابات التركية الأخيرة ولاسيَّما في مناطق تل الأبيض وعين العرب.
أمام هذه الوقائع، يتصاعد التخوّف داخل تركيا من أن يكون الحزب قد أعطي الضوء الأخضر لإقامة منطقة في شمال سوريا قد تمهد لما هو أبعد من ذلك، وخلال الأسبوع الماضي، نشرت وسائل الإعلام والصحف المحلية التركية المعارضة والموالية على حد سواء سلسلة من التقارير التي تتحدث عن استعداد أنقرة للتدخل بقوة عسكرية قوامها حوالي 18 ألف جندي لإنشاء منطقة عازلة على مسافة تقدّر بـ110 كيلومترات وبعمق يتراوح بين 28 إلى 33 كيلومترا، كما أعلن وزير الخارجية التركية صراحة أن هذه التطورات ستتم مناقشتها في اجتماع مجلس الأمن القومي، وذلك بموازاة تصريحات شديدة اللهجة لرئيس الجمهورية أردوغان يتعهد فيها بعدم السماح بإنشاء دولة في شمال سوريا مهما كلف الثمن.
ما يمكن قوله في هذا الصدد، أن الخطّة التركيّة موجودة منذ عدّة أشهر، وقد كانت بعض الدول الإقليمية قد اقترحت حينها على الجانب التركي القيام بخطوة كبيرة في سوريا، لكن الأخير فضّل التريّث بسبب الانتخابات أولا وبسبب عدم معرفته برد الفعل الأميركي على مثل هذا التحرّك، أما وأن الجانب التركي قد بدأ يشعر بأن هناك من يريد أن يستغل حالة الفراغ الداخلية التي نجمت عن نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة من أجل تفعيل الورقة الكردّية، فإن هذا العامل قد يغيّر حسابات أنقرة كليّا، ويعجّل في وضع سيناريو التدخل موضع التنفيذ.
صحيح أن وضع البرلمان الحالي والنتائج التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة لا تسهّل إجراءات القيام بعملية عسكرية من هذا النوع وانعكاساتها على الصعيد الداخلي، لكن في المقابل، أردوغان يمثل بموجب الدستور القيادة العليا للقوات المسلحة، ويحق له بموجب الدستور أن يقرر أيضاً استخدام القوات المسلحة، كما أن إجازة التدخل في سوريا والتي حصلت عليها القوات المسلحة التركية من البرلمان السابق لا تزال سارية المفعول. ولا بد من التأكيد هنا على أن الأتراك مهما اختلفوا سياسيا، إلا أنّهم سرعان ما يتوحدون أمام مثل هذه المخاطر ويرفضون الابتزاز القائم على عمليات دولية ينفذها حزب العمال الكردستاني أو نسخه الإقليمية (النسخة السورية تحديدا) في المنطقة بالوكالة، وهذا ما يبقي حقيقة احتمال التدخل قائما. سيكون من المثير للاهتمام مراقبة ردود أفعال الدول الإقليمية والدولية التي تدعي حماية وحدة سوريا، في وقت يتّجه فيه الحزب الكردي إلى إنشاء كيانه الخاص الذي قد يتم تسهيل إجراءاته كمقدمة لشرعنة احتمال قيام أي كيان علوي في سوريا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس