ترك برس
توقع الكاتب والخبير التركي قدير أوستون، أن يتراجع الدعم الأمريكي لأوكرانيا خلال فترة قصيرة، كسنةٍ أو اثنتين، وأن ذلك سيؤكد صحة حسابات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وقال أوستون في مقال تحليلي بصحيفة يني شفق إن الخلافات السياسية الداخلية في الولايات المتحدة وصلت إلى مرحلة جديدة، وباتت تهدد مسار المساعدات الأمريكية لأوكرانيا، فقد اتخذ الصراعُ حول دعم أوكرانيا منحىً جديدًا.
وبحسب الكاتب، أعلن الجمهوريون أنهم لن يؤيدوا مساعدات أوكرانيا ما لم يتم تأمين حدود الولايات المتحدة. ورفضوا التنازلات التي قدمها الرئيس بايدن بشأن تأمين الحدود، معتبرين أنها غير كافية. وبمعنى أدق قاموا بتصعيد القضية تلبيةً لرغبة ترامب، لاستغلال أزمة المهاجرين في الانتخابات الرئاسية.
وأضاف أوستون: "حظيت هذه الاستراتيجية بموافقة مجلس النواب، لكنها قوبلت بالرفض من قبل أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين. فقد وافق مجلس الشيوخ على حزمة مساعدات بقيمة 95 مليار دولار، تاركًا القرار النهائي بشأن مساعدة أوكرانيا وإسرائيل وتايوان بيد الجمهوريين المؤيدين لترامب.
وإذا رفض مجلس النواب هذه الحزمة بحجة أزمة الحدود، فسيكون ذلك بمثابة بداية مرحلة جديدة في حرب روسيا وأوكرانيا. وليس من المستبعد أن تتبع الولايات المتحدة سياسة "الإدارة" فقط، مُتجنبة الاختيار بين "استمرار الحرب" و"الحل الدبلوماسي" حتى الانتخابات النصفية في تشرين الثاني/نوفمبر".
وقال: إن طرح رئيس مجلسِ النوابِ الأمريكي، مايك جونسون، لمسألةِ حزمةِ مساعدةِ أوكرانيا، التي تشملُ 14 مليار دولارٍ لإسرائيل على جدول الأعمال، يُعد استجابةً لمطالب بايدن دون تقديم تنازلات منه فيما يتعلق بقضية أمن الحدود. ويواجه جونسون انتقادات لاذعة من قِبل الكثيرين لتفضيله أمن أوكرانيا على أمن الحدود الأميركية.
كما أن التوصل إلى تسوية مع بايدن سينظر إليه على أنه تجاهل لرغبات ترامب واستراتيجيته الانتخابية. ومن ناحية أخرى، قد يؤيد بعض الجمهوريين المساعدات المقدمة لإسرائيل معتبرين أن رفضها سيُعرض إسرائيل لخطرٍ كبيرٍ، وإذا تم تمرير حزمةِ المساعدات بطريقة ما، من خلالِ مفاوضاتٍ سياسيةٍ فسيضعف نفوذ ترامب جزئياً.
لكن العقبة الرئيسية أمام ذلك هي رفض جونسون وضع مشروع القانون على جدول الأعمال، وفي هذه الحالة يواجه الجمهوريون خيارين: إما رفض حزمة المساعدات بناءً على حملة ترامب الانتخابية، أو الاستمرار في تقديم المساعدات لأوكرانيا تحتَ ذريعةِ مساعدةِ إسرائيلَ.
وتابع الكاتب: في كلا الحالتين، لن يتم إنجاز أي شيء بشأنِ أمن الحدودِ، وسيضطر النواب إلى تقديم تبريرات لناخبيهم بشأن هذه المسألة. بالإضافة إلى ذلك سيواجهون غضب ترامب، كما حدث في الانتخابات السابقة.
وفي عملية إقالة وزير الأمن الداخلي مايوركاس شهدنا كيف واجه ترامب، الذي فرض سيطرته على الحزب الجمهوري، صعوبة في السيطرة على الأشخاص القريبين من المركز، وعلى الرغم من فشل التصويت الأول في إقناع الجمهوريين المعتدلين بعزل مايوركاس، إلا أنه أصبح أول وزيرٍ في تاريخِ الولاياتِ المتحدة يواجه إجراءات الإقالة أثناء توليه المنصب، وذلك بسبب الضغوط من مؤيدي ترامب. ويؤكد ذلك على نفوذ ترامب الكبيرِ داخل الحزب الجمهوري، مما يُمثل خطرًا حقيقيًا على مساعدات أوكرانيا.
سيُشكل وقفُ المساعداتِ الأمريكية لأوكرانيا ضربة قوية للرئيس بايدن، الذي يدعي أنه يعيد إحياء التحالف الغربي. ففي الوقتِ الحالي، تستطيعُ أوكرانيا الاعتماد على المساعداتِ التي تم تقديمها العام الماضي لمواصلة القتال لفترة تتراوح بين ستة أشهر وسنةٍ. لكنّنا نلاحظ بالفعل انخفاضا في القوة النارية لأوكرانيا، حيث يحاول الجنود على الجبهة استخدام الذخيرة باقتصاد، ويعانون من نقص في قطعِ غيارِ المركبات المدرعة.
وفي ظل عجز أوكرانيا عن تحقيق تقدم ملموس ضد روسيا، قد يؤدي قطع المساعدات الأمريكية عن أوكرانيا إلى تراجعها بشكل ملحوظ في الأشهر المقبلة. وفي الواقع يُعد هجوم القوات الأوكرانية على البحرية الروسية محاولةً لتحقيقِ انتصار استراتيجي ورفع الروح المعنوية، لتعويض عدمِ القدرة على التقدم في الجبهة.
ولا يقتصر دور الدعمِ الأمريكي لأوكرانيا على الجانب المالي فقط، بل يُمثل رسالة قوية تؤكد التزام الغرب بالدفاع عنِها مهما كلّف الأمر. ولكن استطلاعات الرأي تشير إلى أن هذا الدعم لا يحظى بشعبية كبيرةٍ بين الرأي العام، بل إن هناك شعورا سائدا بأن المساعدات الأمريكية المقدمة لأوكرانيا قد زادت عن حدها.
والمُعارضة لهذا الدعم لا تأتي من أنصارِ ترامب فقط، بل إن هناك شريحة واسعة منْ الشعبِ الأمريكي تعاني منْ شكوك عميقة تجاه القيادة العالمية، ولا تؤمن بجدوى الاستثمارِ في أوكرانيا. وإذا تم وقف الدعم الأمريكي، فسوف يعطي ذلكَ انطباعًا بأنّ أوكرانيا قد تركت لمصيرها، ممّا قد يعزز من مطالب إبرامِ اتفاقية سلام. وحتى لو واصلت أوروبا تقديم الدعمِ المالي، فإنّ غياب الدعم الاستراتيجي والاستخباراتي والعسكري من واشنطنَ سيشكل عائقًا كبيرًا أمام أوكرانيا.
وسيؤكد تراجع الدعم الأمريكي لأوكرانيا خلال فترة قصيرة، كسنةٍ أو اثنتين، صحة حسابات الرئيس الروسي بوتين. ومن أهمّ العواملِ التي ستضمن تمريرِ حزمة المساعدات في الكونغرس الأمريكي هو رفض منح بوتين هذا الانتصار. فإلحاق هزيمة استراتيجية بِروسيا في أوكرانيا يُعد أمرًا بالغ الأهمية في الحرب ضد الصين.
ونُدرك أنّ أعضاء مجلسِ الشيوخ في الكونغرسِ قد مرروا حزمة المساعداتِ بدافع هذهِ المخاوفِ. وإذا فشلت حزمة المساعدات في الحصول على موافقة مجلسِ النواب، فسيكون ذلكَ بمثابة انتصارٍ للسياسةِ الداخلية على السياسة الخارجية الأمريكية. وسيكون لهذه النتيجة تداعيات خطيرة على الحربِ في أوكرانيا والصراع على النفوذ العالمي.
ومنْ بينِ هذهِ التداعياتِ، قد تمارس ضغوط على أوكرانيا لقبول "حل دبلوماسي" في المرحلة الأولى، مما قد يعيد تركيا إلى دورِ الوسيطِ مرة أخرى. لكن إصرار بوتين على الاحتفاظ بمكاسبه الحالية، كما حدث سابقًا، قد يؤدي إلى بدءِ عملية دبلوماسية طويلة دون حل، حيث سيتطلب من أوكرانيا أن تتنازل عنْ هدفِها في تحقيقِ السيادةِ الكاملةِ.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!