ترك برس
في مقابلة مع صحيفة "العربي الجديد"، تحدث وزير العدل والشؤون الدستورية الصومالي حسن معلم محمود شيخ علي عن الاتفاقية العسكرية التي وقّعتها بلاده مع تركيا، والردود الأفريقية والدولية عليها، إضافة إلى تطورات العلاقة بين الصومال وإثيوبيا بعد مذكرة التفاهم التي عقدتْها أديس أبابا مع إقليم صوماليلاند (إقليم جمهورية أرض الصومال غير المعترف بها دولياً).
وتطرق الحوار إلى الدستور الذي يناقشه البرلمان الصومالي، الذي بدأت صياغته قبل 12 عاماً، مشيراً إلى حرص الحكومة الحالية على إجراء حوار شامل مع حكومات الأقاليم وضمان توافقها مع الحكومة الفدرالية قبل طرح التعديلات الدستورية على البرلمان الذي يمثل جميع أطياف الشعب الصومالي:
**كيف ترون ردود الفعل الأفريقية والدولية على الاتفاقية العسكرية التي وقّعها الصومال مع تركيا لحماية سواحله البحرية؟ وكيف تردون على من يرى أن هذه الاتفاقية هي رد على مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وإقليم صوماليلاند؟
ردود الفعل الأفريقية والدولية على اتفاقية الشراكة الاقتصادية والعسكرية التي وقّعناها مع تركيا لحماية سواحلنا وبناء قدراتنا الأمنية ليست سلبية، على الرغم من أن الأمر يعتمد على تفسيرات ومصالح كل دولة على حدة، لكنني أتوقع أن الدول الأخرى تقدّر أهمية بناء الصومال لقدراته ولتحمّل مسؤوليته الدولية لتأمين مياهه الإقليمية من القرصنة وتجارة السلاح وتهريب البشر والبضائع.
هذه الاتفاقية هي جزء من استراتيجية الصومال لتعزيز قدرته على حماية سواحله ومكافحة التهديدات البحرية، أما بالنسبة لمن يرى أن هذه الاتفاقية رد على مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وإقليم صوماليلاند فرأيه لا يلزمنا، ومن الضروري التأكيد أن القرارات السيادية للصومال تتخذ لمصلحة الدولة الصومالية وشعبها وتأمين سيادتها الوطنية، وليست بالضرورة ردا على أحد.
**الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود أعلن أن بلاده "ستدافع عن نفسها" إذا مضت إثيوبيا قدماً في اتفاق إنشاء قاعدة بحرية في إقليم صوماليلاند، هل ترون أن الاتفاقية العسكرية مع تركيا ستمنع تفاقم التوتر بين الصومال وإثيوبيا وتحوّل الأزمة إلى مواجهة عسكرية؟
أود التأكيد أن اتفاقية الشراكة الاقتصادية والعسكرية مع تركيا هي جزء من استراتيجية بلادنا لتعزيز قدراتها الدفاعية وحماية سيادتها ومصالحها الوطنية، هذه الاتفاقية يجب أن تُفهم كخطوة نحو تعزيز الأمن الإقليمي والحفاظ على السلام، وليس كعامل تصعيد للتوترات. أما فيما يتعلق بالعلاقات مع إثيوبيا والتوترات المحتملة نتيجة إعلان إثيوبيا عن نيّتها إنشاء قاعدة بحرية في منطقة صوماليلاند الانفصالية، فنحن نؤمن بأهمية الحوار والدبلوماسية كأدوات أساسية لحل الخلافات والحفاظ على السلام والاستقرار الإقليمي.
الاتفاقية العسكرية مع تركيا يمكن أن تسهم في تعزيز قدراتنا الدفاعية وتمكّننا من التصدي بشكل أفضل لأي تهديدات، لكن الهدف الأساسي يجب أن يظل هو تجنّب التصعيد والتوصل إلى حلول سلمية للخلافات، فالحوار المفتوح والاحترام المتبادل لسيادة الدول هما السبيل الأمثل لتجنّب أي مواجهة عسكرية. أما إذا قرر الجانب الإثيوبي المضي قدماً في التهديدات باجتياح الصومال واقتطاع جزء من أراضيه، فإن ذلك لن يتم بدون رد ملائم، والصومال سيقاوم هذه الأطماع المتهورة.
**وزارة الخارجية الصومالية أعلنت أنه "لا مجال لوساطة ما لم تنسحب إثيوبيا من مذكرة التفاهم غير القانونية وتُعد التأكيد على سيادة الصومال ووحدة أراضيه"، لكننا لم نسمع رداً أو تراجعاً من إثيوبيا بهذا الشأن؟
أؤكد أن موقف الحكومة الصومالية يعكس التزامها بسيادة البلاد ووحدة أراضيها، وعدم تلقي رد أو تراجع من إثيوبيا يضع تحديات أمام العلاقات الثنائية ويتطلب من بقية الدول المجاورة لنا والدول المسؤولة والمنظمات الإقليمية والدولية بذل جهد أكثر من السابق لتفادي تدهور أمني آخر في المنطقة، لأن السياسة الإثيوبية الحالية تجاه الصومال ستشعل المنطقة وتقوي التطرف والإرهاب.
وبالمناسبة فإن موجة الإرهاب الدامي التي نعاني منها اليوم في الصومال ليست إلا نتيجة مباشرة للغزو الإثيوبي للصومال في العقد الأول من هذا القرن، واليوم تعود إثيوبيا للسياسة نفسها في وقت نشن فيه حملة عسكرية واقتصادية واجتماعية ناجحة ضد الإرهاب الذي ولد من رحم التدخّل الإثيوبي، ونتصور أن إنعاش الإرهاب وتمكينه من العودة جزء من دوافع مثل هذه الخطوات.
**هل تعتقدون أن هناك دعماً دولياً لخطوة إثيوبيا الأخيرة؟ وهل أنتم مستعدون للتفاوض مع أديس أبابا في هذا الشأن؟
العالم عبّر عن دعمه لسيادة الصومال ووحدة أراضيه، كان هذا واضحاً جداً من خلال بيانات الدول، بدءاً من جيراننا إلى الدول العظمى ومثلها كانت المنظمات الإقليمية والدولية، ومن بينها مجلس الأمن، لذلك لا نرى دعماً واضحاً للخطوات الإثيوبية.
**ما هي خيارات الصومال للتعامل مع هذا الوضع؟
ليس للصومال خيار غير الدفاع عن سيادة وحرية ووحدة البلاد بكل السبل الدبلوماسية أو غيرها، أقول للجميع إن الشعب الصومالي شعب عنيد لا يقبل الضيم ولن يدخر جهداً في سبيل الحفاظ على استقلاله ووحدته، وأولهم المواطنون في المناطق الشمالية حيث تقع صوماليلاند.
**كما هو معروف بدأت قوات الاتحاد الأفريقي (قوة السلام) في الصومال الانسحاب التدريجي وتسليم المهام والقواعد للقوات الصومالية، في عملية مخطط لها أن تكتمل نهاية عام 2024، هل تعتقدون أن الحكومة الصومالية باتت قادرة على حفظ الأمن والسلام في البلاد؟
بكل تأكيد الصومال ومنذ انتخاب الرئيس حسن شيخ محمود وتشكيل حكومتنا، عمل على مواجهة الملفات الأساسية بكل جدية، وأولها ملف القضاء على الإرهاب، وحققنا تقدماً كبيراً جداً من حيث المواجهة الفكرية مع التطرف وتجفيف منابع تمويل الإرهاب. كما حررنا مناطق كثيرة تُقدر بعشرات آلاف الكيلومترات المربعة من سيطرة حركة "الشباب".
ثاني الملفات كان العمل على رفع حظر السلاح عن الصومال حتى نتمكن من تسليح قواتنا العسكرية بشكل كافٍ، وهو ما تم بالفعل. وثالث الملفات كان إتمام العمل على إعفاء الصومال من الديون المتراكمة عليه، وتمكّنا من إقناع العالم بشطب مليارات الدولارات من الديون الصومالية. ورابعها كان الانضمام لمجموعة شرق أفريقيا الاقتصادية وهو ملف كان من أولوياتي السياسية على المستوى الشخصي منذ دخولي الوزارة لأول مرة قبل عقد ونصف من الزمن. أما بالنسبة للوضع الداخلي، فقد عملنا على بناء مؤسسات الدولة وتمكين سيادة القانون بشكل عام، لكن أهم خطوة اتخذناها كانت إتمام دستور البلاد بشكل توافقي لضمان استقرار البلاد في المستقبل، وانسحاب القوات الأفريقية هو جزء من هذه العملية المتسارعة والتي تستهدف أن يتمكن الصومال من تحمّل مسؤولياته أمام شعبه أولاً وأمام المجتمع الدولي ثانياً، وهذا هو تحدي هذه المرحلة بالنسبة لنا.
**إلى أين وصلت جهود الحكومة الصومالية في مواجهة حركة "الشباب"، وهل تعتقدون أن بمقدور الحكومة الصومالية تحقيق النصر النهائي على هذه الحركة؟
واجبنا ضمان أمن بلادنا، أمن المواطنين والمقيمين، وبسط سلطة الدولة وسيادة القانون، لذلك فإن مواجهة الإرهاب أولى أولوياتنا، والحملة على حركة "الشباب" مستمرة بخط ثابت مهما كانت العقبات. تقييمنا للمرحلة الأولى للحملة على الإرهاب الدولي في الصومال مرضٍ حتى الآن، فقد تحقق الأمن في العاصمة مقديشو ولله الحمد، ونعمل على ترسيخ سلطة الدولة وسيادتها في المناطق المحررة في المرحلة الأولى من الحملة وإيصال خدمات الدولة إليها. ويبقى هدفنا النهائي القضاء على الإرهاب بكافة أشكاله، ولا شك لدي في قدرة الصومال على تحقيق هذه الطموح.
**يناقش البرلمان الصومالي ما يعرف بالدستور الصومالي الجديد. ما أبرز ملامحه؟ وهل تعتقدون أن هذه الوثيقة تعبّر عن الصومال الجديد وتمثله بكل مكوناته، وقادرة على جمع وتوحيد الصوماليين لبناء الوطن الجديد؟
ليس دستوراً جديداً، بل إكمال عملية إعادة صياغة الدستور التي بدأت منذ عقد من الزمن، قبل 12 سنة، ونعتبر وصول هذه العملية إلى مرحلة النقاش في برلمان البلاد إنجازا حقيقيا لأن هذه أول مرة يناقش فيها برلمان صومالي شرعي صياغة دستور للبلاد منذ أن ألغى الانقلاب العسكري دستور البلاد عام 1969، مما يعني أن البلاد لم تمتلك دستوراً مكتملاً منذ نصف قرن.
خلال عملنا على صياغة هذا الدستور قبل طرحه على البرلمان، حرصنا على النهج التوافقي والوصول إلى حلول تضمن ثقة الأطراف المختلفة، لذلك أصرت حكومتنا، وأنا المسؤول عن ملف الدستور سياسياً، على إجراء حوار شامل مع حكومات الأقاليم وضمان توافقها مع الحكومة الفدرالية قبل طرح التعديلات الدستورية على البرلمان الذي يمثل جميع أطياف الشعب الصومالي، وبناء على هذا أثق أن الوثيقة النهائية ستساعدنا على استعادة الوحدة في الصومال بإذن الله.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!