ترك برس
رأى الخبير والكاتب الصحفي التركي سلجوك تورك يلماز، أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أسستا "دولة مستعمرة" جديدة في شرق البحر المتوسط، لكنها شرَّعت وجود هذه المستعمرة بسياسة أدولف هتلر تجاه اليهود، في إشارة إلى إسرائيل.
وقال تورك يلماز إن تحليل الأحداث في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة يشير إلى وجود استقطاب حاد حول مجازر إسرائيل، خاصة مع ازدياد وضوحها ووصولها إلى مستوى لا يمكن إخفاؤه. فقد دعمت كلتا الدولتين إسرائيل بشكل علني بعد السابع من أكتوبر، استمرارا لسياساتهما الحكومية التقليدية.
وبحسب مقال للكاتب التركي في صحيفة يني شفق، فإن هذا الدعم لم يشكل موضوع نقاش سابقا، ولم يكن هناك أي استقطاب حوله. ولذلك لم يروا أي مانع في دعم إسرائيل بعد السابع من أكتوبر. لكن لأول مرة، واجهت إسرائيل شعورا بالعجز أمام الفلسطينيين. ففي لحظة غير متوقعة، ظهرت حماس أمامهم وقلبت موازين إسرائيل. ولم تكن إسرائيل هي الوحيدة التي فقدت توازنها بعد السابع من أكتوبر.
وأضاف: شعرت دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا بالذهول أمام صمود حماس، وتخلت عن نهجها التقليدي البارد. وقررت استخدام العنف كأداة سياسية منهجية مرة أخرى. ظنا منها أن ذلك سيجبر الفلسطينيين على الاستسلام. لكن ذلك لم يحدث، ورفض الفلسطينيون الاستسلام. لقد أدى العنف الإسرائيلي الممنهج إلى إراقة الدماء الفلسطينية في شوارع الغرب، مما أدى إلى استقطاب بين النخب والرأي العام.
وقال: كما حاولنا التوضيح في مقالاتنا السابقة، ترددت أنباء كثيرة عن مشاركة جنود من جيشي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في صفوف إسرائيل بعد 7 أكتوبر، وارتكابهم جرائم إبادة جماعية. لقد تم استخدام القواعد العسكرية البريطانية في الجانب القبرصي اليوناني في هجمات إسرائيل على غزة، ولم يشعروا بضرورة لإخفاء هذه الحقيقة. فقد كان الهدف منذ البداية، إثارة مشاعر الرعب في جميع أنحاء المنطقة، وعدم إعطاء انطباع بمشاركتهم في الحرب الفعلية بشكل مباشر.
وربما لم يكن هذا الأمر ليؤدي إلى أي استقطاب في المملكة المتحدة والولايات المتحدة. فقد قامت إسرائيل في الماضي بتحويل غزة إلى مكان غير صالح للسكن مرات عديدة، وتم التستر على الأحداث بسرعة. لأن الفلسطينيين لم يتمكنوا من نشر مقاومتهم على فترات زمنية طويلة. ولكن هذه المرة، حقق الفلسطينيون إنجازا غير مسبوق من خلال إنزالهم في إسرائيل. لذلك، قرروا معاقبة الفلسطينيين أمام أعين العالم. لقد دعموا هجمات إسرائيل الوحشية بثقة تامة، وكانوا يعتقدون أن إسرائيل ستنتصر كما في السابق. ولذلك، شاركوا إسرائيل في جميع جرائمها، لأن إسرائيل هي من صنعهم.
وتابع المقال:
أسست الولايات المتحدة والمملكة المتحدة دولة مستعمرة جديدة في شرق البحر المتوسط، لكنها شرَّعت وجود هذه المستعمرة بسياسة هتلر تجاه اليهود. كانت هناك قصة عظيمة وقوية. لكن تأثير هذه القصة كان يعتمد على نجاح إسرائيل على الأراضي الفلسطينية. ولم يكن للفلسطينيين مكان في هذه المستعمرة الجديدة. بل كان يجب تطهيرهم باعتبارهم عنصرا ضارا. وبذلك سيكون بإمكان الأنجلو ساكسونيين بناء جسر جديد على أسس متينة للغاية. نعم كانت هذه دولة مستعمرة جديدة، لكن القصة المتعلقة باليهودية جعلت البنية الجيوسياسية غير مرئية. أما مقاومة أهالي غزة هذه المرة فقد قضت أولا على تصور اليهودي المظلوم والضحية لدى الرأي العام الغربي. ولم يبقَ سوى حقيقة بناء إسرائيل كدولة مستعمرة. يجب البحث عن رموز الاستقطاب في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة اليوم في هذه الحالة الثنائية: من جهة القصة القوية والمؤثرة، ومن جهة أخرى، رغبات الأنجلو ساكسونيين الاستعمارية.
بعد أحداث غزة، بدأت رغبات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة الاستعمارية في الظهور على الساحة الغربية. مما يدل على أن الأحداث قابلة لتفسيرات مختلفة. ومن المثير للاهتمام هو أن حتى السياسيين المؤيدين لإسرائيل متهمون بتحويل إسرائيل إلى "مستعمرة أمريكية". ويُعد اتهام الكاتب والسياسي الجمهوري المؤيد لإسرائيل إليوت أبرامز زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي تشاك شومر بهذه التهمة مؤشرا مهما على حجم الاستقطاب. وينطبق نفس الجدل على بريطانيا أيضا، حيث يوجد استقطاب بين النخبة التي تشكل سياسة الدولة وبين الشوارع.
في بداية التسعينيات ظهرت لغة جديدة في الأدب الاستشراقي، تغذت من احتلال الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لمنطقة الخليج. استهدفت هذه اللغة الإسلام والمسلمين بشكل مباشر، حيث ربطت بين الإسلام والإرهاب، بهدف تبرير الغزو والاحتلال وإزالة العقبات أمامهما. وكانت الأبعاد التي لم تلاحظ في بناء هذه اللغة الجديدة هو أن العملية كانت تحت سيطرة المستشرقين الصهاينة. لقد تسببوا في دمار كبير في العالم الإسلامي. ولكن المستشرقين الصهاينة سمموا أيضا العالم الفكري الغربي. فانحاز المثقفون إلى جانب إسرائيل مع النخبة. مما أدى إلى تفاقم التوتر الناجم عن الاستقطاب.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!