قدير أوستون - يني شفق
يواجه ترامب الذي يسعى مرة أخرى للرئاسة، صعوبات مالية جراء غرامات قضائية باهظة في الآونة الأخيرة. ولكن يبدو أن منصات التواصل الاجتماعي قد هبت لنجدته. ففي نيويورك، حكم على ترامب بغرامة قياسية بلغت 454 مليون دولار في دعوى أقامتها المدعية العامة ليتيسيا جيمس. ولم يتمكن ترامب من دفع الكفالة اللازمة لمنع الحجز على أمواله خلال استئنافه للحكم. ولكن، بعد أن قبلت المحكمة كفالة بقيمة 175 مليون دولار ومنحته مهلة إضافية، شعر ترامب براحة نسبية. وفي الوقت نفسه، دخلت منصة "تروث سوشيال" (Truth Social) التي يملك ترامب 60% من أسهمها، إلى بورصة ناسداك يوم الثلاثاء. وارتفعت قيمة أسهم الشركة التي تحمل اسم "DJT" اختصارا لاسم دونالد جون ترامب بنحو 70% خلال أسبوع واحد، لتصل قيمة الشركة السوقية إلى 8 مليارات دولار. وعلى ضوء ذلك، ارتفعت القيمة الصافية لثروة ترامب بمبلغ 4.5 مليارات دولار على الورق. وبحسب قواعد البورصة، لا يمكن لترامب بيع أسهمه خلال ستة أشهر، لكن يمكنه استخدام هذه الأسهم كضمان للحصول على الكفالة التي تطلبها المحكمة من شركات التأمين.
أسهم مضحكة
بعد أن تم حظره وحذف حساباته من تويتر وفيسبوك، قام ترامب الذي يعد من أبرز الشخصيات الفاعلة على مواقع التواصل الاجتماعي، بإنشاء منصة "تروث سوشيال" ولم تتمكن المنصة من الوصول إلى جمهور واسع خارج نطاق متابعيه، لكن ترامب لم يعد إلى منصات التواصل الاجتماعي الأخرى على الرغم من رفع الحظر عنه. ورغم تحقيق "تروث سوشيال" إيرادات بقيمة 3.4 مليون دولار العام الماضي، إلا أنها تكبدت خسائر بقيمة 49 مليون دولار، ولا تبدو واعدة بمستقبل مربح كشركة تواصل اجتماعي. ومع ذلك يبدو أن أسهم الشركة التي أسسها ترامب، الذي لديه فرصة للعودة إلى الرئاسة مرة أخرى، تجذب العديد من المستثمرين. وليس من المستبعد أن يستمر أنصار ترامب في شراء هذه الأسهم ودعمها بغض النظر عن الأداء الاقتصادي للشركة، مما يساهم في رفع قيمتها. ومن الواضح أن بعض المستثمرين يرغبون في دخول السوق في وقت مبكر قبل أن ترتفع قيمة الأسهم بشكل كبير في حال تقدم حملة ترامب الانتخابية.
لا يخلو الاقتصاد الأمريكي من أمثلة عديدة ي على هوس اقتصادي لا يقابله قيمة اقتصادية حقيقية بل يصل إلى حد الهستيريا والجنون. ففي خضم جائحة كورونا، ظهرت موجة الأسهم المضحكة "أسهم الميم" التي أدت إلى ارتفاع قيمة بعض الشركات إلى مستويات فلكية. وأبرز مثال على هذا التقييم "غير المنطقي" هو قصة شركة "غيم ستوب" (Gamestop)، حيث منع معجبو الشركة إفلاسها لأسباب عاطفية. ففي الوقت الذي كانت فيه "غيم ستوب" ضحية عصر التنزيلات الرقمية والتسوق عبر الإنترنت، ظهرت مجموعة من المستثمرين الأفراد الذين تذكروا بحنين زمن الذهاب إلى متاجر الألعاب لشراء ألعاب الفيديو وأجهزة التحكم. وبفضل تنظيم هؤلاء المستثمرين على وسائل التواصل الاجتماعي نجحوا في إنقاذ "غيم ستوب" من الإفلاس، بينما حقق المستثمرون المؤسسيون أرباحا طائلة من خلال استغلال "مراكز البيع المكشوف". ومع بقاء العديد من الشباب في منازلهم خلال الجائحة، ازداد عدد المستثمرين الجدد في البورصة، مما أدى إلى ظهور تحد كبير أمام المستثمرين التقليديين.
هل هي ثورة على النظام المالي؟
رغم أن المستثمرين الأفراد نجحوا في إلحاق الخسائر بالمستثمرين المؤسسيين من حين لآخر، كما حدث في حالة "غيم ستوب، إلا أن هذه الأمثلة لم تكن مستدامة على المدى الطويل.
وشهدت أسواق العملات الرقمية عملية مشابهة من خلال "العملات المشفرة الميمية" مثل "دوجكوين" (Dogecoin). ففي حين تعتمد العملات الرقمية مثل "بيتكوين" و"إيثريوم" على مشاريع حقيقية، فإن "دوجكوين" لا تمثل أي مشروع جاد، ومع ذلك فقد تمكنت من جذب العديد من المستثمرين، حتى أن قيمتها السوقية وصلت إلى مليارات الدولارات. ولا يزال بعض مستثمري "دوجكوين" يُعوِّلون على دعم إيلون ماسك وتصريحاته المستقبلية الجديدة، حيث يشبه ماسك ترامب في قدرته على التأثير على الجماهير واسمه الذي أصبح علامة تجارية قوية.
تمثل "العملات الرقمية المضحكة" تحديا كبيرا للنماذج الاستثمارية التقليدية، وتشكل سخرية من قواعد الاقتصاد الكلاسيكي. وعلى الرغم من افتقارها إلى أي أساس اقتصادي حقيقي، إلا أن هذه العملات تمكنت من خلق "قيمة" معينة. ومن ناحية أخرى تمثل هذه العملات رمزا لثورة مالية يقودها الأفراد والمستثمرون الأفراد ضد النظام المؤسسي السائد. وبفضل هذه الثورة أصبحت العملات الرقمية أحد أهم عناصر التحول الرقمي. وفي هذا السياق لا يمكن تجاهل قيمة "العملات الرقمية المضحكة" التي يتم تداولها بمبالغ ضخمة. ولكن من الصعب الجزم بأن هذه العملات ستؤدي إلى تغيير جذري في النظام المالي.
يمكن اعتبار دخول ترامب إلى البورصة من خلال "تروث سوشيال"، وهي شركة تعاني من خسائر فادحة ولا تملك خطة أو ادعاء لتحقيق الربح، نوعا من السخرية من النظام المالي الأمريكي، على غرار "الأسهم الميمية" و "العملات الرقمية الميمية". ومن الواضح أن هذه الخطوة ستكون ذات تأثير كبير في مساعدة ترامب على تحسين وضعه المالي، لكن قد تؤدي أيضا إلى خيبة أمل كبيرة للعديد من المستثمرين إذا ما خسر الانتخابات. ومع ذلك فمن المعروف أيضا أن العديد من المستثمرين لا يهتمون بإنتاج القيمة الاقتصادية على المدى الطويل ويهدفون فقط إلى جني الأرباح بسرعة من خلال هذه الموجة. في النهاية سيحدد ترامب كيفية شعور المؤيدين له الذين استثمروا في منصته تجاه الخسائر المالية.
في عام 1995، طرح ترامب شركة "فنادق ومنتجعات كازينو ترامب" للاكتتاب العام تحت نفس الرمز "DJT". ولكن في عام 2004، أعلنت الشركة إفلاسها بعد تكبدها خسائر بقيمة 600 مليون دولار. ورغم ذلك يرى ترامب أن هذا المشروع كان ناجحا للغاية. ويبقى السؤال مطروحا: هل ستواجه "تروث سوشيال" نفس المصير؟ لا يمكن الجزم بذلك، لكن يمكننا القول أن هذه المنصة توفر لترامب مخرجا ماليا مهما في الوقت الحالي. ففي الواقع، هناك العديد من الشركات التي تكبدت خسائر فادحة على مدار سنوات طويلة في البورصة الأمريكية، لكنها تمكنت من جذب المستثمرين بفضل قدرتها على خلق قيمة اقتصادية (مثل أوبر وأمازون). ولكن من الصعب ادعاء أن شركة ترامب تنتج قيمة مشابهة. لذلك، فإن "حماس" رمز "DJT" الذي يحمل الأحرف الأولى من اسم ترامب قد يكون كافيا لترامب حتى الانتخابات الرئاسية في نوفمبر القادم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس