د. باسل الحاج جاسم - الجزيرة نت
شكل فوز حزب " الحرية"- الذي يتزعمه اليميني المتطرف خيرت فيلدرز بـ 37 مقعدًا في الانتخابات البرلمانيّة الهولندية- زلزالا سياسيا تتجاوز تداعياته حدودَ هولندا، وحصل حزب فيلدرز هذه المرة على أكثر من ضعف حصّته في الانتخابات السابقة، متفوقا على معارضيه.
أما كتلة اليسار، فحلت خلفه بفارق كبير بحصولها على 25 مقعدا، في مقابل حصول حزب "اليمين الوسط " على 24 مقعدًا، وهي نتيجة كارثية لحزب رئيس الوزراء المنتهية ولايتُه مارك روته.
يرى خبراء أن الهولنديين يبحثون عن تغيير في طريقة الحكم، بعد انسحاب رئيس الوزراء الأطول عهدا في تاريخ البلاد، مارك روته، حيث فاجأ روته، الجميع بإعلانه في يوليو/ تموز الماضي أنّه سينسحب من العمل السياسي، بعدما تولى رئاسة الحكومة على مدى 13 عامًا، وجاء ذلك بعد انهيار الائتلاف الرباعي بقيادته على خلفية سجال حادّ حول سياسة طالبي اللجوء.
ويتضمن برنامج فيلدرز الانتخابي دعوات لإجراء استفتاء على خروج هولندا من الاتحاد الأوروبي، والوقف التام لقبول طالبي اللجوء، وإعادة المهاجرين على الحدود الهولندية.
كما أنه يدعو إلى "نزع الإسلام" في هولندا، لكنه سعى خلال الحملة الانتخابية إلى تحسين صورته من خلال تعديل بعض مواقفه، وأكد أن هناك مشاكل أكثر إلحاحًا من خفض عدد طالبي اللجوء، وخفّف من حدة بعض مواقفه المعادية للإسلام.
في عام 2009، رفضت الحكومة البريطانية السماح له بزيارة البلاد، قائلة: إنه يشكل تهديدا "للوئام المجتمعي وبالتالي الأمن العام". وأُدين بإهانة المغاربة في تجمع ليلة الانتخابات عام 2014.
ومن أجل جذب الناخبين من التيار الرئيسي هذه المرة، سعى فيلدرز إلى التركيز بشكل أقل على ما يسميه "نزع الإسلام" في هولندا، والتركيز أكثر على معالجة القضايا الساخنة، مثل: نقص المساكن، وأزمة تكاليف المعيشة، والرعاية الصحيّة.
كما أنه أيضا داعم قوي لإسرائيل، ويؤيد نقل سفارة هولندا هناك إلى القدس، وإغلاق البعثة الدبلوماسيّة الهولندية في رام الله مقرّ السلطة الفلسطينية.
هاجم خصوم فيلدرز مواقفَه المعادية للإسلام خلال آخر مناظرة أجراها قبل الانتخابات عبر إحدى القنوات المحلية، لكنه رد- مؤكدا- بأنه سيكون رئيس وزراء لـ "جميع الهولنديين".
كان فيلدرز عنصرًا أساسيًا في السياسة الهولندية لفترة طويلة، ودخل البرلمان منذ ربع قرن من الزمان، وأسَّس حزب "الحرية" في 2006، ورغم أنه خفّف بعض الشيء لهجته المناهضة للمسلمين هذه المرة، لكنه أبقى على برنامجه المألوف المتمثل في عدائه للهجرة، ومقاومة ما يعتبره "تمييع" الهُوية الوطنية الهولندية، والخروج من الاتحاد الأوروبي.
هناك عوامل يجب عدم إغفالها مع الحديث عن أسباب صعود اليمين المتطرف، ومنها: الهجرة المتدفقة إلى القارة، مع توالي الحروب واستمرارها في جنوب العالم، والحرب الروسية- الأوكرانية التي تترك آثارها المتواصلة على اقتصاد أوروبا.
لقد احتل في هولندا، بند ارتفاع إيجارات المنازل، والنقص فيها، المرتبة الأولى على لائحة مشاغل المواطنين، وهو الأمر الذي استغلّه حزب "الحرية" اليميني المتطرف، حيث شكلت الهجرة، وكلفة المعيشة، وأزمة السكن- التي تؤثر خصوصًا على الشباب في البلاد- أبرز العناوين التي كانت مثارًا لانقسام وأولويات الحملات الانتخابية.
لذا تبقى أمام فيلدرز، حاليا، مهمة شاقة، تتمثل في محاولة تشكيل ائتلاف ناجح، واستمالة خصوم رفضوا بشكل قاطع الانضمامَ لحكومة بزعامة حزب "الحرية"، قبل الانتخابات. فيما لم يتضح بعد كيف سيجمع 76 مقعدًا ضرورية لتشكيل أغلبية في البرلمان المؤلف من 150 مقعدًا.
وحث فيلدرز خصومه السياسيين، على إيجاد أرضية مشتركة لحكم البلاد، وذلك بعد فوزه في الانتخابات التشريعية، الذي تردّدت أصداؤُه في الداخل وفي أنحاء أوروبا. وقوبل الفوز الساحق بتهنئة من قادة اليمين المتطرف في فرنسا والمجر.
لكن سيثير ذلك- على الأرجح- مخاوفَ في بروكسل، ففيلدرز مناهض لمؤسسات الاتحاد الأوروبي، حيث يمكن اعتبار فوز حزب "الحرية" اليميني المتطرف في هولندا بمثابة مؤشر ضمني على التوجه العام قبل الانتخابات الأوروبية في يونيو/ حزيران المقبل لانتخاب أعضاء البرلمان الأوروبي.
سيتعين على فيلدرز- الذي وُصف بأنّه النسخة الهولندية من دونالد ترامب الرئيس الأميركي السابق- تشكيل حكومة ائتلافية قبل أن يتمكن من تولي مقاليد السلطة. لكن إيجاد شركاء ليس عملية سهلة بالنسبة للحزب اليميني المتطرف.
وجاء في مقال لقناة فوكس نيوز الأميركية أن "دونالد ترامب الهولندي"، اليميني خيرت فيلدرز فاز بالانتخابات، ولطالما تمت مقارنة فيلدرز بدونالد ترامب بسبب سياساته الشعبوية، ولكن على عكس الرئيس الأميركي السابق، بدا أنه مقدر له أن يعيش حياته في المعارضة، فهما وَفقًا لمجلة "بوليتيكو" الأميركية، يمتلكان الموهبة نفسها في استغلال حالة الجدل المُثارة حولهما للهيمنة على وسائل الإعلام وجذب الأنظار بما يصُب في صالح الأجندة الخاصة بكليهما.
كلاهما يقولان: نحن نضع أميركا وهولندا في المقام الأول، وكلاهما ينتقد الهجرة ومساعدات التنمية وخطط المناخ، وكلاهما لا يرى فائدة بالاستمرار في دعم أوكرانيا ماليًا وعسكريًا.
ومن حيث المضمون، فإن معظم المقارنات لا تذهب إلى أبعد من "الأفكار المتطرفة نفسها في مجال الهجرة"، وإحدى خطط ترامب الأكثر إثارة للجدل، -وهي بناء جدار على الحدود مع المكسيك لوقف الهجرة- يمكن مقارنتها بنيّة فيلدرز وقفَ الهجرة.
بعد فوز فيلدرز، أصبحت العديد من وسائل الإعلام الأميركية تهتمّ به، حتى إن صحيفة نيويورك تايمز أرسلت إلى قرائها إشعارًا فوريًا بعد ظهور النتائج، عنوانه الرئيسي: "الحزب اليميني المتطرف يفوز في الانتخابات الهولندية بأغلبية ساحقة".
ومن الواضح، أنَّ وسائل الإعلام الأميركية تضع بشكل رئيسي التطورات الهولندية في منظور أوروبي، وعندما يتعلق الأمر بفوز فيلدرز في الانتخابات، فإنهم يذكرون- بشكل أساسي- بأنه ينتقد الدعم لأوكرانيا، ويشار أيضًا إلى أنهم في بروكسل غير راضين عن ترامب الهولندي.
ولم يقل ترامب شيئًا بعد عن فوز "ترامب الهولندي" في الانتخابات، وهو الذي لديه فرصة جيدة لأن يصبح مرشحَ الحزب الجمهوري للرئاسة في أميركا مرة أخرى العام المقبل، وليس مستبعدًا أن يصرح بشيء في الأيام المقبلة.
ويبقى القول؛ إنه سينظر إلى فوز فيلدرز على أنه فأل خير من قبل الجمهوريين في الولايات المتحدة، ويأملون أن يحقق الشعبويون نتائج جيدة في الانتخابات، وأن يتمكن ترامب من الفوز مرة أخرى.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس