ترك برس
تضج كواليس السياسة والإعلام في تركيا هذه الأيام، بحديث عن توقعات بتغييرات يجريها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في التشكيلة الحكومية وفي كوادر حزبه العدالة والتنمية، بناء على نتائج الانتخابات المحلية التي حل فيها حزبه في المركز الثاني بعد المعارضة، لأول مرة منذ تأسيسه بداية الألفية الثانية.
وبحسب تسريبات إعلامية، فإن حزب العدالة والتنمية سيعقد، الأربعاء، أول اجتماع بعد الانتخابات المحلية لكتلته البرلمانية، يليه اجتماع رفيع لإدارة الحزب، لبحث التغييرات المتوقعة والتي ستطال شخصيات معينة أبرزها رئيس فرع الحزب في كلّ من إسطنبول وأنقرة اللتان فازت بهما المعارضة في المحليات.
الكواليس الإعلامية والسياسية تشير أيضاً إلى تغييرات مرتقبة في تشكيلة الحكومة أيضاً دون ذكر تفاصيل حول الحقائب الوزارية التي ستشملها التغييرات.
وفي أعقاب الانتخابات المحلية أواخر مارس/ آذار الماضي، خرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مخاطبا أنصاره من على الشرفة ذاتها التي اعتاد استخدامها للاحتفال بانتصاراته وانتصارات حزبه العدالة والتنمية الحاكم.
ورغم الهزيمة الثقيلة التي مُني بها حزبه أمام منافسه الشعب الجمهوري، فإنه خالف التوقعات معتمدا نبرة تقبّل واحترام لإرادة الناخبين، وواصفا النتائج بنقطة التحوّل والدرس الذي يجب الاستفادة منه.
وبعد أن أكدت قيادات الحزب الحاكم تلقيها رسالة الناخبين واستيعابهم المغزى من العزوف الانتخابي والتصويت العقابي، طلب أردوغان خلال اجتماع المجلس المركزي التنفيذي للحزب، الثلاثاء الماضي، إعداد تقرير عن أسباب الخسارة وتقديمه إليه بأسرع وقت، متحملا مسؤولية خسارة الانتخابات، في خطوة وُصفت بـ"النقد الذاتي الشجاع".
فرصة ذهبية
وخلال الاجتماع، لم يفوت أردوغان فرصة مغازلة الناخبين، فوجّه اللوم للعدالة والتنمية، مؤكدا ضرورة خلق تحسينات تواكب تطلعات المواطنين.
وقال "نواجه مشكلة خطيرة مع مرض الغطرسة الذي ينتشر في منظماتنا على مستوى المحافظات والمناطق والبلديات ورؤساء البلديات والنواب وحتى البيروقراطية. إن أكبر عدو لحزب سياسي يولد من رحم الأمة، هو بناء الجدران بينه وبين المواطنين".
ويرى المحلل السياسي أحمد إبراهيم أوغلو أن هذه الانتخابات كشفت عن فرصة ذهبية أمام حزب العدالة والتنمية لاستخلاص العبر والدروس الضرورية، ومعالجة المشاكل التي رصدها وسيرصدها بعد تجهيز التقارير والاستطلاعات اللازمة التي طلبتها قيادته.
ولفت إبراهيم أوغلو، إلى أن إستراتيجية تنفيذ هذه التغييرات لا تزال غير واضحة في هذه المرحلة، إضافة إلى أن الموقف السياسي للرئيس أردوغان أبعد ما يكون عن التسرع في مثل هذه القضايا، وهو ما سيضطره لانتظار الوقت المناسب لبدء التغييرات اللازمة، بحسب ما نقله تقرير لـ "الجزيرة نت".
وبحسب المحلل السياسي، فإن مدرستين فكريتين رئيسيتين يتوقع أن تؤثران على اتجاه الحزب خلال المرحلة القادمة، حيث يدعو التيار الأول إلى اتباع نهج تقدمي وإصلاحي يهدف إلى تنشيط المبادئ التأسيسية للعدالة والتنمية والنموذج السياسي، معتقدين ذلك حلا مثاليا لاستعادة دعم أولئك الذين ابتعدوا عن الحزب وامتنعوا عن التصويت له.
أما التيار الثاني فيميل إلى الحفاظ على المسار الحالي من خلال الدعوة إلى الاستمرارية بدلا من التغيير والتماشي مع الرؤى المتاحة واعتبار المبتعدين عن الحزب متخلفين عن قيمه ومبادئه ولا داعي لإقناعهم بالعودة إليه.
تغيير شامل
ويعتقد إبراهيم أوغلو أن الرئيس أردوغان يتجه نحو التغيير الشامل، بما في ذلك إمكانية تجديد القيادات داخل الحزب، لضمان التوافق مع قيم العدالة والتنمية الأساسية، إذ يجب أن يعزز حضوره السياسي بشكل ملموس.
وأشار إلى وجود نقد يلمّح إلى أن الحزب قد تراجع عن موقعه القيادي في صنع السياسات عقب الانتقال إلى النظام الرئاسي، وهو انطباع قد انعكس كذلك في وجهة نظر الناخبين.
ولعبت الأوضاع الاقتصادية الصعبة في تركيا، والتي تصدرت المشهد بارتفاع معدلات الفائدة إلى 50% ووصول التضخم إلى ذروته بنسبة 68.5% في مارس/آذار الماضي، دورا حاسما في تشكيل نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة، لاسيما بعد أن أثرت بشكل مباشر على تكاليف المعيشة اليومية، مما أثار استياء الشارع التركي ودفعه لتوجيه أصابع الاتهام للحكومة.
واعتبر الشارع أن الحكومة هي المسؤولة بشكل مباشر عن هذا التردي الاقتصادي، خاصة بعد التحول في سياساتها الاقتصادية التي شهدت تقلبا بين خفض أسعار الفائدة ومن ثم رفعها مجددا. كما أثارت الزيادات الطفيفة في المعاشات التقاعدية موجة من الاستياء بين المتقاعدين في تركيا، مما كان له دور بارز في تناقص الدعم للحكومة الحالية.
وبحسب خبراء، لا يُتوقع خلال الفترة الحالية أن تشهد تركيا أي تغيرات اقتصادية، إذ تعهد أردوغان بمواصلة تنفيذ أجندته الاقتصادية، ومنح فريقه الاقتصادي مزيدا من الوقت لتنفيذ إجراءات تهدف إلى عكس مسار الانكماش الاقتصادي.
وينفي إبراهيم أوغلو أن يكون سبب تراجع العدالة والتنمية هو الأوضاع الاقتصادية فحسب، ويرى أن الحزب واجه تحديات كثيرة خاصة في عملية اختيار مرشحيه في البلديات الكبرى والصغرى، حيث تسبب التباين بين تفضيلات القيادة وديناميكيات المدينة، والتحولات الاجتماعية وإستراتيجيات المعارضة في إسطنبول، في تعقيد الوضع.
خطوة موفقة
وتصدر حزب الشعب الجمهوري نتائج الانتخابات المحلية بنسبة 37.7%، مسجلا بذلك إنجازا لم يحققه منذ انتخابات عام 1997، وساعده في ذلك غضب الناخبين المتزايد من حزب العدالة والتنمية الحاكم.
ويقول الرئيس السابق لقسم الشباب في حزب الشعب الجمهوري جوكشان عولو كوش، للجزيرة نت، إنه من غير العادل التركيز على أسباب خسارة العدالة والتنمية دون الالتفات إلى الفوز الذي حققه الشعب الجمهوري.
وأوضح أن إستراتيجية "التحالف الشعبي" التي اتبعها الحزب كانت خطوة موفقة، ونجح من خلالها في جذب أصوات ناخبي باقي أحزاب المعارضة، وخاصة من حزبي الخير والديمقراطية.
ويشير عولو كوش إلى التغييرات في السياسة الداخلية لحزب الشعب الجمهوري، حيث بدأ يتبنى بعض الإستراتيجيات التي كانت في السابق حكرا على حزب العدالة والتنمية، مثل التواصل المباشر مع الناخبين واختيار المرشحين بعناية.
وأكد أهمية هذه الخطوات في تحسين صورة الحزب وزيادة تأثيره، خاصة في مناطق مثل البحر الأسود ووسط الأناضول، التي لم يكن يسيطر عليها سابقا.
ويقول عولو كوش إنه من الممكن التعرف على الرغبة في العمل والالتزام الكامل بمواصلة تحقيق الإنجازات من تصريحات قادة الحزب الذين أكدوا جميعا ذلك، متوقعا أن يتم رسم خطط أولية للحملات الانتخابية والتحركات اللازمة استعدادا للانتخابات الرئاسية القادمة.
ويؤكد أن الإستراتيجيات التي يتبعها حزب الشعب الجمهوري من الاختلاط بالجمهور ومحاولات التصالح مع الأحزاب الأخرى والعمل المستمر الذي يحقق إنجازات، يعني عودة الحزب كقوة سياسية فاعلة مرة أخرى في الساحة السياسية، مشيرا إلى أن حجمه وتأثيره سيزداد بشكل أكبر في حال انتهاء النزاعات المستمرة داخله.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!