د. سمير صالحة - تلفزيون سوريا
تقضي المادة 91 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار سنة 1982، بإلزامية توافر رابطة حقيقية بين الدولة والسفينة، لتتمكن هذه الأخيرة من الحصول على جنسية الدولة ولإلزام دولة العلم بممارسة ولايتها ورقابتها بصفة فعلية إزاء السفن التي ترفع علمها .
وترفع كثير من السفن التجارية التي تمخر عباب البحار والمحيطات الدولية أعلام (بيارق) دول ذات سيادة خلافاً لدولة مالكها وذلك بهدف توفير الأموال وتقليل تكاليف التشغيل. كما تخضع السفينة التجارية التي تدخل ميناء أجنبياً للقانون المحلي للمكان الذي تدخله، ولكنها تبقى في الوقت نفسه خاضعة لقانون الدولة التي ترفع علمها عند التعامل مع العديد من القضايا الفنية والتقنية ووقوع حوادث في عرض البحر .
أما الماد 92 من الاتفاقية فتنص على أن تبحر السفينة تحت علم دولة تكون خاضعة لولايتها الخالصة في أعالي البحار، وأنه لا يجوز للسفينة أن تغير علمها في أثناء الرحلة أو في أثناء وجودها في ميناء ما إلا في حالة نقل حقيقي في الملكية أو في التسجيل .
هاجمت إسرائيل أسطول الحرية عام 2010 في عرض البحر واقتادته إلى سواحلها، لذلك توحد المجتمع الدولي ضد ما ارتكبته من جرائم فوق سفن الأسطول.
قالت اللجنة العليا لتحالف أسطول الحرية إن سلطة تسجيل السفن الدولية في جمهورية غينيا بيساو سحبت علمها عن اثنتين من سفن الأسطول، من بينها سفينة شحن محملة بأكثر من 5 آلاف طن من المساعدات الإنسانية المقرر إرسالها إلى قطاع غزة في أعقاب ضغوط إسرائيلية مستمرة لمنع انطلاق الأسطول. وأكدت اللجنة تصميمها الثابت على مواصلة جهودها المكثفة لضمان إبحار الأسطول ووصوله إلى القطاع، محملا بالمساعدات الإنسانية الضرورية، رغم جميع التحديات والعقبات المفروضة.
أسطول الحرية 2 الذي تعرقل دولة غينيا بيساو انتقاله من إسطنبول باتجاه قطاع غزة في صميم كل هذه المواد والنقاشات السياسية المطاطة والمسؤولية القانونية حول رفع أعلام السفن والتي ما زالت تواجه كثيرا من التفسيرات والتطبيقات المزدوجة المعايير.
أقنع الرئيس الأميركي باراك أوباما قبل عقد الجانب الإسرائيلي بتفعيل وتسريع المصالحة مع تركيا وضرورة اتصال بنيامين نتنياهو برئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وقتها، للاعتذار رسميا عن مهاجمة أسطول الحرية في عرض المتوسط في العام 2010، وكان على إسرائيل أن تدفع ثمن عدوانها على القافلة وقتلها لمواطنين أتراك. كيف ستتصرف أنقرة اليوم في موضوع تجهيز إسطول الحرية – 2 الهادف مجددا لخرق الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة بعد قرار غينيا بيساو سحب أعلامها عن سفينتين تشاركان في نقل المساعدات والناشطين إلى هناك؟ وكيف سيتم الخروج من هذا المأزق بعد كل جهود التحضير لانطلاق الأسطول ونجاح تل أبيب في عرقلة تحركه قبل ساعات من الإنطلاق؟
قرار الدولة الإفريقية بتجميد الشرعية القانونية التي كانت توفرها لهذه السفن كي تبحر في المتوسط، جاء في أعقاب الطلب الإسرائيلي ورفض تل أبيب لاستقبال هذه السفن رغم إلزام المشرفين على الرحلة بإعطائها كل تفاصيل التنقل وخط سير الرحلة. ما فعلته غينيا بيساو ليس أمرا عاديا يتكرر كل يوم في التعامل مع حركة السفن وتنقلها عبر البحار والموانىء. الخطوة سياسية أكثر مما هي تقنية أو قانونية. إسرائيل ضغطت على حكومة بيساو وهي بالمقابل ضغطت على من يرفعون علمها فوق سفنهم لمنع الأسطول من التحرك.
يتمسك ناشطو أسطول الحرية 2 بتحريك سفنهم المحملة بالمساعدات نحو سواحل قطاع غزة المحاصرة منذ 7 أشهر، رغم كل العراقيل والحواجز التي تضعها إسرائيل والأطراف التي تتعرض لضغوطاتها. الطابع الإنساني العالمي للمبادرة الذي تسهم هيئة الإغاثة التركية في تنظيمها قد يكون أهم من خطوة نقل المساعدات التي تم جمعها. الهدف هو كسر الحصار على القطاع والوصول إلى سواحل المدينة في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية وسياسة القتل والتدمير التي يقودها نتنياهو ضد سكان غزة.
يحاول البعض رمي الكرة في ملعب تركيا كطرف مسؤول عن إيصال الأمور إلى ما هي عليه اليوم. من لا يريد تسهيل تحرك الأسطول من موانئه لا يفتح الطريق أمام استقبال السفن وانتقال الحمولات والناشطين والمتطوعين فوق أراضيه. ما يقلق أنقرة هو ليس ما ستقوله وتفعله العواصم الغربية أو دعوة أعضاء في الكونغرس حكومة بايدن للضغط على تركيا من أجل الحؤول دون مغادرة الأسطول لموانئها. بل تكرار تجربة ما قبل 14 عاما وأن تهاجم تل أبيب الأسطول والركاب في عرض البحر مرة أخرى، ولكن من دون غطاء قانوني يمثل علم السفن وهو ما لا ترضاه أنقرة والجهات القائمة على إعداد هذه المبادرة.
لن تسمح السلطات التركية لسفن الأسطول بالتحرك دون حسم الشق القانوني التقني في مسألة تأمين الأعلام التي سترفعها وهي تتنقل في المياه الدولية والإقليمية، كي لا يتحول الأمر من فعالية إنسانية عالمية إلى عملية خروج عن القانون تخدم أهداف تل أبيب وتعطيها مبررات مهاجمة الأسطول كما فعلت عام 2010.
في حادثة مرمرة نجحت أنقرة في تجريم تل أبيب وتحميلها الأعباء المادية والمعنوية لاستهداف الأسطول في المياه الدولية ونقل سفنه بالقوة إلى داخل الموانىء الإسرائيلية لأنها كانت تتنقل بشرعية وترفع الأعلام التي توفر لها حصانة التنقل.
لا تريد السلطات التركية أن تمنح تل أبيب فرصة الاستفادة من دروس ما جرى قبل 14 عاما وأن تتحمل هي المسؤولية القانونية والسياسية والإنسانية في تسهيل انطلاقة إسطول جديد من موانئها في إسطنبول باتجاه قطاع غزة لكسر الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع والمساهمة في تأمين احتياجات المدنيين هناك، دون توفير الضمانات اللازمة وفي مقدمتها وجود أعلام ترفعها سفن الأسطول لتحدد هويتها ولتجنب المساءلة القانونية، خصوصا وأن إسرائيل تعلن أنها تستعد لتكرار ما فعلته قبل سنوات وهي تجهز فرقها العسكرية لمهاجمة السفن من جديد غير عابئة بالنواحي القانونية والإنسانية والأخلاقية.
كما أن أحدا لا يريد أن يكون في وضعية حالات مشابهة وقعت في العديد من الموانىء، أي رفع علم دولة ما على سفينة تجارية تبحر في المياه الدولية لكنها تتجاهل ما يقوله قانون البحار والاتفاقيات والمعاهدات الدولية بهذا الخصوص.
البدائل المتاحة لمواجهة الخطوة الإسرائيلية واضحة أيضا: إما عدم الإصغاء إلى ما تقوله وتريده تل أبيب وترك الأسطول يتحرك مع الاستعداد لكامل ارتدادات وتبعات ما قد يحصل. وإما عبر الضغط على غينيا بيساو كما فعلت إسرائيل لدفعها باتجاه التراجع عن قرار سحب أعلامها من سفن الأسطول وإطلاق حرية تحركه باتجاه قطاع غزة حتى ولو تحول الأمر إلى مغامرة مجهولة النتائج. وإما نقل الحمولات إلى سفن بديلة أو شراء أو استئجار سفن الأسطول من قبل جهة أخرى تقدم الغطاء القانوني الذي يسهل رفع العلم الجديد فوق السفن. أو ترك الأسطول ينتظر في إسطنبول ونقل حمولاته بطرق ووسائل أخرى إلى قطاع غزة، وعندها مع الأسف، ستصل حكومة نتنياهو إلى ما تريد وتنتصر على العشرات من المنظمات الإنسانية المحلية والدولية التي توحدت وراء هذه الخطوة بهدف توجيه أكثر من رسالة بطابع إنساني ووجداني وأخلاقي.
تجربة عام 2010 كانت مريرة وموجعة. استمرار محاصرة غزة وتجويع أطفالها أشد مرارة وإيلاما رمزية تحرك أسطول الحرية – 2 مهمة طبعا، لكن الأهم يبقى التحرك الإقليمي والدولي السياسي والدبلوماسي والقانوني لوقف إسرائيل عند حدها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس