ياسر سعد الدين - خاص ترك برس
بغض النظر عن العبارات الإنشائية والتي بدت أنها تدعم الفلسطينيين وتساندهم في البيان الختامي، فإن القمة العربية والتي عقدت 16/05/2024م كانت وبطريقة واقعية وعملية داعمة للاحتلال من خلال تقديم التغطية السياسية والأخلاقية لجرائمه ومجازره وحرب الإبادة التي يشنها على غزة ومحرقته المستمرة ليل نهار.
فدعوة بشار الأسد -وبعد انقطاع جاوز العقد من تجميد عضوية النظام في الجامعة العربية- بعد اقترافه مجازر أودت بحياة مئات الاف من السوريين وتنفيذه سياسة التطهير العرقي وتدميره مدن وحواضر سورية بالبراميل والقصف العنيف كما يفعل الصهاينة الآن في غزة، هي رسالة ضمنية للاحتلال بأنّ سياسة المجازر والإبادة الجماعية والتهجير قسري، سياسة يمكن للنظام العربي الرسمي أو جزء معتبر منه من التعايش معها والقبول بها.
في نفس سياق التعايش والقبول بالمجازر يأتي الحديث عن السلام مع الصهاينة بعد كل جرائم الحرب التي ارتكبوها وأعمال الإبادة التي اقترفوها، تأتي الدعوة إلى مؤتمر دولي للسلام!! سلام مع القتلة ومجرمي الحرب والذين حركت مجازرهم الضمير العالمي وهزته وأشعلت الجامعات الغربية والأمريكية غضبا وألما وأخرجت الملايين للشوارع في مدن وواصم عالمية. مجازر وجرائم وانتهاكات دفعت بدول من أمريكا اللاتينية لقطع علاقاتها مع الاحتلال. وفيما كانت جنوب أفريقيا تواصل مقاضاتها الاحتلال أمام محكمة العدل الدوليّة لارتكابه أعمال إبادة جماعيّة في قطاع غزة، تحدث النظام العربي الرسمي عن السلام وعن المؤتمرات الدولية حوله. أليس في الأمر -وبغض النظر عن عبارات التنديد اللفظية- دعوة عملية للصهاينة للمضي قدما في مجازرهم وفي إفناء أهل غزة وإبادتهم لعل ذلك السبيل لتحقيق السلام مع القتلة؟؟!!
الطامة الكبرى والمأساة العظمى في مؤتمر القمة العربية كانت في كلمة محمود عباس -والتي بتقديري تمت بالتنسيق مع دول محور التطبيع العربي- والتي كانت وبطريقة غير مباشرة تبرر للصهاينة ما فعلوه، وتمنح هدية بالغة القيمة لحكومة نتنياهو من خلال التنديد بالمقاومة والتي تُسطر تاريخا وتصنع حقائقا هزت العالم من أقصاه إلى أقصاه وغيرت مشهده السياسي. وهكذا أدى عباس في المنامة سياسيا ما تؤديه أجهزته الأمنية في الضفة الغربية المحتلة من دعم للاحتلال وتنسيق أمني معه ورصد المقاومين وتصفيتهم إن لزم الأمر، ومنع المظاهرات المتعاطفة مع محنة غزة وقمعها بفظاظة وقساوة.
وعلى الرغم من الجرائم الصهيونية والتي حركت العالم وأشعلت الجامعات الأمريكية والتي يهتف طلابها من كافة الأعراق ومنهم الشباب الأمريكي الأبيض بحرية فلسطين من النهر إلى البحر، وعلى الرغم من رفض نتنياهو وحلفاؤه المتطرفون حل الدولتين، ومع كل التغييرات العالمية فإن مؤتمر القمة العربي بدا وكأنه في كوكب آخر أو في غيبوبة سياسية. فكان أن دعا بيانه الختامي المجتمع الدولي إلى القيام بمسؤولياته لمتابعة جهود دفع عملية السلام وصولًا إلى تحقيق السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين، وفق قرارات الشرعية الدولية والمرجعيات المعتمدة بما فيها مبادرة السلام العربية. الغريب في مؤتمرات القمة العربية أنها تنادي المجتمع الدولي وكأن دولها ليست جزء منه أو أنها عديمة القدرة ومغيبة الإرادة. الأمر المثيرة للسخرية المرة ما جاء في البيان من ضرورة دعم الأونروا وتوفير الدعم المالي لها للقيام بمسؤولياتها بحرية وبأمان، دون أن تتجرأ القمة العربية ودولها على التعهد بتقديم التمويل اللازم أو جزء منه! فكيف تطالب الآخرين بما لا تفعله؟؟ ولماذا يبقى الموقف السياسي العربي الرسمي في حدود الدعوات والمناشدات دون فعل أو قوة تنفذه إذا كان هذه الإعلانات جادة ولم تكن غطاء لصفقات وتفاهمات مع الاحتلال كما يصرح ويكرر نتنياهو دون أن تفنّد أو ترفض تصريحاته دول عربية واحدة من دول محور التطبيع.
العبارات والتي وردت في البيان الختامي كان فيها من الدعم الضمني السياسي للاحتلال وحكومته النازية ما لا يخفى على المتابع والمحلل السياسي. فأعرب البيان على سبيل المثال عن "القلق الشديد من التصعيد العسكري الأخير في المنطقة" داعيا "كافة الأطراف إلى ضبط النفس" و"إطلاق سراح الرهائن والمحتجزين".
ولمزيد من الدعم للاحتلال ولانتشاله من المستنقع الذي سقطت فيه قواته ورغم رفض المقاومة لهذا الطرح، فلقد دعا البيان الختامي إلى نشر قوات حماية وحفظ سلام دولية تابعة للأمم المتحدة في الأرض الفلسطينية المحتلة إلى حين تنفيذ حلّ الدولتين. هذا الإعلان أكد تسريبات انتشرت عشية انطلاق القمة وما قبلها، بشأن نشر القوات الدولية وتقارير إعلامية متداولة عن تحركات أمريكية لاستقطاب دول عربية تشارك في العملية التي يطلق عليها اليوم التالي للحرب على غزة. كما سبق أن كشفت مصادر أمريكية عن اتصالات أجراها البيت الأبيض مع دول مطبعة لدعم مخطط نشر القوات الدولية في غزة وإدارة القطاع بعيداً عن حكم حماس.
الطريف في بيان القمة تأكيده على أهمية استمرار اللجنة الوزارية العربية الإسلامية المشتركة والتي كانت نتيجة مؤتمر القمة العربي الإسلامي الطارئ (والعاجز) في 11/11/2023م، في جهودها المستهدفة وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وإنهاء الكارثة الإنسانية، وشكره اللجنة على جهودها على الساحتين الإقليمية والدولية، على الرغم من أنه وبعد كل هذه الشهور الطويلة لم تحرك اللجنة حجرا راكدا ولم تنجح في إدخال علبة حليب أو حقيبة حفاضات لأطفال غزة.
لو كانت القمة العربية جادة في دعم غزة، لفعلت ما فعلته الدوحة في 2009 حين تعرضت غزة لاعتداء لا يقارن بحرب الإبادة الوحشية الحالية، فدعت لمؤتمر قمة عربي لمناصرة غزة واستضافت في تلك القمة قادة المقاومة الفلسطينية وأعلنت عن دعم مادي سخي لغزة. لم تعلن قمة المنامة عن دعمها لجنوب أفريقيا في القضية التي رفعتها على الاحتلال أمام محكمة العدل الدولية، ولم توجه تحية للشعوب الغربية ولطلبة الجامعات الأمريكية على مناصرتهم للقضية الفلسطينية، ولم تجرؤ على التنديد بحملات القمع الأمنية الأمريكية ضد الطلاب الأمريكيين، وكانت تلك فرصة ذهبية لترد تلك الدول العربية على تقارير الخارجية الأمريكية السنوية والتي تندد بكبت الحريات السياسية فيها. ولم تطالب الدول العربية من إسرائيل دفع تعويضات عن الدمار والذي سببته في غزة وعشرات الاف الضحايا من المدنيين والأطفال والنساء، ولم تتخذ موقفا عمليا يتيما من دولة الاحتلال كسحب السفراء أو استدعائهم أو وقف قطار التطبيع أو تجميد الاتفاقيات مع الاحتلال أو تعليق الرحلات الجوية.
أكثر من ذلك وفي سياق تقديم الدعم لنتنياهو في حربه على غزة، دعت القمة العربية كافة الفصائل الفلسطينية للانضواء تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. هذا الممثل الشرعي والوحيد والذي ينسق مع الاحتلال ويقدم له خدمات أمنية لا تقدر بثمن. بلغة واضحة وصريحة يطالب المؤتمر من المقاومة والتي غيرت العالم الانتحار السياسي والعسكري وإلقاء السلاح والاستسلام للصهاينة.
لقد أثبتت أحداث الأشهر الأخيرة أن جزء من النظام العربي الرسمي على ارتباط عضوي مع المشروع الصهيوني، بل هو جزء متأصل فيه ومنه. إن الأنظمة العربية والتي حاربت الربيع العربي وساهمت في اغتياله هي الأكثر اندفاعا نحو التطبيع مع الاحتلال ودعمه ومساندته غير المباشرة في حرب الإبادة التي يشنها على غزة بطريقة تتسابق فيها مع بن غفير وبتسلئيل سموتريش بل وتسابقهم في تطرفهم ومواقفهم، الأمر الذي يمكن وبسهولة رصده في إعلام تموله تلك الدول وذباب الالكتروني تحركه.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس