ترك برس
استعرض تقرير لصحيفة العربي الجديد اللقاءات المكثفة التي تشهدها الساحة السياسية في تركيا ضمن ما سمي بمرحلة التطبيع بين الأحزاب السياسية، لا سيما حزب العدالة والتنمية الحاكم بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، وحزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة في البلاد.
وقالت الصحيفة إنه على عكس التوقعات المتمحورة حول انتظار تركيا انتخابات مبكرة وصراعاً سياسياً مشتعلاً عقب الانتخابات المحلية التي أجريت في 31 مارس/آذار الماضي وفازت بها المعارضة، باشرت الأحزاب السياسية مرحلة من التطبيع فيما بينها، من دون الحديث عن هذه الانتخابات المبكرة.
ووفقا للتقرير، بدأت مرحلة التطبيع تترجم بلقاءات لم تسجل منذ سنوات طويلة، فضلاً عن بروز تصريحات أكثر ليونة واعتدالاً. ولعل أبرز اللقاءات والاتصالات في سياق التطبيع بين الأحزاب التركية تلك الجارية بين حزبي العدالة والتنمية الحاكم والشعب الجمهوري المعارض، إذ عُقد لقاءان بين الرئيس رجب طيب أردوغان وزعيم حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزال.
وعُقد اللقاء الأول في 2 مايو/أيار الماضي، حين زار أوزال مقر حزب العدالة والتنمية، في أول زيارة لرئيس حزب الشعب الجمهوري إلى مقرّ الحزب الحاكم منذ ثماني سنوات، فيما عُقد اللقاء الثاني في 11 يونيو/حزيران الحالي، حين زار أردوغان مقر "الشعب الجمهوري"، في أول زيارة من نوعها منذ 18 عاماً.
كما برز لقاء بين أردوغان وزعيمة الحزب الجيد السابقة ميرال أكشنر، بالإضافة إلى حصول لقاءات بين رئيس البرلمان نعمان كورتولموش، المنتمي لحزب العدالة والتنمية، مع مختلف الأحزاب السياسية. كما استقبل أردوغان، الأسبوع الماضي، أيشي أتيش، أرملة الزعيم السابق لمنظمة النسل القومي "أولكو أوجفلاري" سنان أتيش، الذي اغتيل في أنقرة في 30 ديسمبر/كانون الأول 2022.
وسبق أن اتهمت المعارضة حزب الحركة القومية، حليف "العدالة والتنمية" في التحالف الجمهوري الحاكم، بالوقوف وراء عملية التصفية. كما برز حصول اجتماعات عدة بين أحزاب المعارضة، وأهمها لقاء حزب الشعب الجمهوري مع حزب ديم الكردي.
وقالت العربي الجديد إن هذه اللقاءات تلتها تصريحات أكدت جميعها أهمية هذه المرحلة من التطبيع بين الأحزاب التركية والحوار بينها، إذ قال أردوغان في تصريحات صحافية عدة، من بينها خلال كلمة حزبية في الأول من يونيو الحالي: "نأمل ألا تكون مرحلة التطبيع السياسي في البلاد بعمر الفراشة"، في إشارة إلى أمله ألا تكون مرحلة قصيرة.
وقال أيضاً عقب اللقاء الأول مع أوزال: "في الواقع هذا اللقاء تطور إيجابي، وللأسف في المرحلة السابقة، لم تكن هناك خطوات في هذا الصدد، ومع هذا اللقاء، فإن البلاد دخلت مرحلة من الليونة في السياسة، والسياسة التركية بحاجة لهذه المرحلة، ونرغب بأن تبدأ مرحلة من الليونة السياسية وسنقدم على هذه الخطوات".
من ناحيته، قال أوزال عقب اللقاء الأول مع أردوغان: "تطرقنا في اللقاء إلى جميع المواضيع الموجودة في الأجندة، واستمع إلينا في جميع المواضيع وسجل ملاحظاته، واستمعنا لتقييمات أردوغان. وأود القول إن هذه الخطوة هي مسافة مهمة في الديمقراطية التركية، والفترات التي لا تشهد تصافحاً سياسياً دائماً ما أدت إلى الكوارث". وكرر مثل هذه التصريحات في مناسبات عديدة، مشدداً على أنه نقل ملفات مطلوبة لدى المعارضة إلى أردوغان.
وأثمرت هذه اللقاءات عن انفراجات محدودة رغم المطالب الكبيرة للمعارضة، منها رفع الأجور، وإطلاق سراح معتقلين سياسيين وإعلاميين، وإعادة التحقيق في بعض القضايا، إذ وقع أردوغان على قرار عفو بحق متهمين بالتخطيط للانقلاب عام 1997، من دون حصول خرق في باقي الملفات.
وعلى الرغم من أن أكبر حزبين في تركيا، "العدالة والتنمية" و"الشعب الجمهوري"، دخلا في مرحلة التطبيع والحوار، مع رصد قبول لهذه الخطوات من قبل قواعد الحزبين ورضا شعبي مقبول، وربط تصريحات القادة الحزبيين في التطبيع بين الأحزاب التركية بالاستجابة لمطالب شعبية، ظهرت أصوات معارضة لهذه المرحلة. وأبرز المعارضين كان زعيم حزب الشعب الجمهوري السابق مرشح المعارضة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة (أُجريت في مايو 2023) كمال كلجدار أوغلو.
وكتب كلجدار أوغلو على منصة إكس (تويتر سابقاً)، قبل عقد أول لقاء بين أردوغان وأوزال، أن "القصر (رئاسة الجمهورية) يجرى الصراع معه وليس الحوار". كذلك، صدرت تصريحات من حليف أردوغان، زعيم الحركة القومية دولت باهتشلي، قال فيها: "يمكن للعدالة والتنمية أن يعقد تحالفاً واسعاً مع الشعب الجمهوري". وترك هذا التصريح انطباعاً كبيراً لدى الرأي العام التركي بأن التحالف الجمهوري في خطر وفي حالة تصدع. وتلقفت وسائل الإعلام كلام باهتشلي محللة ما قاله بأنها رسائل غضب صادرة منه، غير أن المتحدث باسم "العدالة والتنمية" عمر تشليك سارع، الثلاثاء الماضي أيضاً، إلى القول إن "التحالف الجمهوري مستمر".
وللأطراف السياسية أهداف مختلف من مرحلة التطبيع بين الأحزاب التركية في ظل حصول تغييرات داخل الحزب الجيد، الذي انتخب مساوات درويش أوغلو، في 27 إبريل/نيسان الماضي، خلفاً لميرال أكشنر المستقيلة. ولدى الحزب الجيد كتلة برلمانية، وثمة تسريبات إعلامية كشفت أن أكشنر على مشارف الانضمام إلى التحالف الجمهوري مع نواب مستقيلين من الحزب الجيد.
وذهبت تقديرات إلى أن حزب العدالة والتنمية الحاكم راغب في معالجة تبعات نتائج الانتخابات المحلية، التي حل فيها بالمرتبة الثانية وخسر معها بلديات كبرى، من خلال التقارب مع أطياف معارضة في مسألة سنّ دستور جديد في البلاد، وإعادة اكتساب القاعدة الشعبية، فضلاً عن الرغبة في توحيد المواقف في الملفات الدولية الخارجية.
في المقابل، فإن هدف حزب الشعب الجمهوري هو كسب الحكومة في مسألة تعزيز الحكم المحلي والخدمة في البلديات الكبرى، والموافقة على المشاريع والتمويل وتخفيف عبء ديون البلديات والأزمة الاقتصادية وتوفير الميزانيات، وبنفس الوقت تبنّي سياسة انفتاح على كافة شرائح المجتمع. وبالإضافة إلى ذلك، فإنه ثمة أهدافاً قريبة ومتوسطة المدى للحزبين، وصولاً إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة في عام 2028.
وتعليقاً على مرحلة التطبيع بين الأحزاب التركية، قال الباحث في مركز سيتا للدراسات التركية باقي لالي أوغلو، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن "حقيقة أن الشعب الجمهوري أصبح أول حزب في الانتخابات المحلية التي أجريت في 31 مارس الماضي كانت صدمةً للأحزاب مثل العدالة والتنمية، الذي فرض هيمنته على السياسة التركية منذ عام 2002.
وهذا الوضع تغير للمرة الأولى في الانتخابات المحلية الأخيرة، وبالتالي عُدّ أكبر تحذير للحزب وزعيمه أردوغان، لأن الناخبين الذين اختاروا أردوغان رئيساً مرة أخرى في انتخابات 2023 ووضعوا العدالة والتنمية في المرتبة الأولى، كان لديهم الدافع لمعاقبة الحزب الحاكم على مشاكل مختلفة، خصوصاً الاقتصاد، لكنهم أجلوا ذلك بسبب الأهمية الحاسمة للانتخابات. وكانت الانتخابات المحلية هي الانتخابات الرئيسية التي تفاعل معها الناخبون لأنها غطت البلديات فقط وكان لها تأثير عملي محدود".
وأضاف لالي أوغلو: "حدث موقف مماثل في انتخابات 2018 و2019 (حيث كانت النتائج في إسطنبول وأنقرة لصالح المعارضة بالانتخابات الرئاسية والمحلية توالياً)، ولذلك فقد حذرت نتائج الانتخابات حزب العدالة والتنمية وأعطت فرصة لحزب الشعب الجمهوري. ومن الممكن لكلا الطرفين تقييم ذلك بنجاح من خلال السياسات والخدمات الصحيحة، ولتحقيق ذلك، يتعين عليهم العمل معاً محلياً وبشكل عام في بعض المناطق". وأوضح أنه "على سبيل المثال، إذا أراد الشعب الجمهوري أن يخدم بشكل أفضل على المستوى المحلي، فعليه أن يحصل على دعم الحكومة المركزية، وبالتالي حزب العدالة والتنمية، وإذا كان العدالة والتنمية يريد حل المشاكل التي تسببت في عدم الرضا بين الناخبين، فعليه أن يحصل على دعم قطاعات واسعة من المجتمع، ولذلك يمكن اعتبار هذا الموقف سبباً أساسياً في التطبيع بين الأحزاب التركية وتحديداً بين الحزبين". وأضاف لالي أوغلو: "أما السبب الثاني فيمكن القول إن الاستقطاب السياسي والاجتماعي ازداد في العامين الأخيرين، وحتى في السنوات العشر الأخيرة، مسبّباً الإرهاق للمجتمع، والسياسيون أدركوا ذلك. ولهذا من الممكن تقييم الليونة والتطبيع في هذا السياق أيضاً، وفي هذه المرحلة، حقق العدالة والتنمية والشعب الجمهوري مكاسبهما الخاصة من هذه العملية، ومن خلال الانفراجة، وجّه العدالة والتنمية رسالة إلى الناخبين المتفاعلين ضده، مفادها إدراكه هذا الوضع وأنه باشر تغيير سياساته ببطء. أما الشعب الجمهوري وزعيمه الجديد أوزال، فيعمل على تعزيز القيادة داخل الحزب وبين الجمهور، من خلال التواصل مع أردوغان وإدارة عملية التطبيع السياسي، وبهذه الطريقة، فإنه يضعف التصور بأنه ليس زعيماً حقيقياً".
وعن نتائج هذه المرحلة، قال لالي أوغلو إنه "من غير المرجح أن تحقق هذه العملية نتائج قوية بشكل ملموس، على الأقل في الوقت الحالي، لأن حزبي العدالة والتنمية والشعب الجمهوري يتبعان سياسة متعارضة منذ أكثر من 20 عاماً. وقد شُكِّل الخطاب والقاعدة والناخبين وفقاً لذلك. كما أن المؤيدين المتطرفين نسبياً لكلا الجانبين لا يدعمون نهج التطبيع أو الانفراجة، وعلى الرغم من أن المخرجات ممكنة في مجالات أصغر، إلا أنه سيكون من الأكثر عقلانية عدم وجود توقعات كبيرة. ويمكن أن تنتهي العملية بعد تحقيق كل الجهات الفاعلة والأطراف أقصى فائدة يعتقدون أنهم يستطيعون تحقيقها، لكن الاختلافات المحتملة قد تدفع إلى التفاؤل بحذر بشأن العملية".
أما الكاتب والصحافي إلياس كلج أصلان، فرأى في حديث مع "العربي الجديد" أن "تقارب أردوغان مع الرئيس الجديد للشعب الجمهوري أوزال هو خطة لتعزيز شخصية الأخير ضد الشخصية الأكثر لمعاناً لدى المعارضة، وهي رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، لأنه في عملية اختيار المرشحين لبلديات إسطنبول لم يشرك إمام أوغلو زعيم الحزب أوزال، وعندما هزم إمام أوغلو حزب أردوغان للمرة الثالثة في إسطنبول (مرتين انتخابات محلية وأخرى رئاسية)، تعززت قدرته على إطاحة أردوغان في الانتخابات المقبلة باعتباره المرشح الرئاسي الأوفر حظاً".
وأردف أصلان: "أعتقد أن أردوغان يحاول جعل أوزغور أوزال يتألق من أجل منع إمام أوغلو وتأجيج حرب القيادة الحقيقية داخل الشعب الجمهوري والمعارضة. وأعتقد أن هذا جرى بعلم حليفه باهتشلي، ولكن في هذه المرحلة هناك دلائل تشير إلى أن هذا قد لا يكون هو الحال، لذا فإن حزب الحركة القومية غير مرتاح لمغازلة العدالة والتنمية الشعب الجمهوري، إضافة لانزعاجه من مسألة اللقاء بين أردوغان وأكشنر وزوجة سنان أتيش".
ولفت إلى أن "أردوغان ربما ينفذ سياسات الوفاق هذه لكسب الوقت فقط، وفي هذه الأيام إذ تضرب الضائقة الاقتصادية الشعب بشدة، فقد يرغب كل طرف بتجنب ردود الفعل من الناخبين الذين يعانون بالفعل مشاكل، من خلال إعطاء مظهر التطبيع بدلاً من الصراع السياسي والاستقطاب. وبعبارة أخرى، يعملون على خلق ربيع سياسي بين الأطراف ومنح الأشخاص المنكوبين (بفعل الزلازل والأزمات الاقتصادية من المتقاعدين والعاملين بالحد الأدنى للأجور) بعض الأمل، وأعتقد أنه مع تعافي الاقتصاد واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية بدءاً من عام 2025، فإن التراجع سيفسح المجال للمنافسة السياسية".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!