ترك برس
سلط تقرير لموقع قناة الحرة الضوء على أبعاد زيارة الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان إلى مقر حزب "الشعب الجمهوري"، أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، والتي تعد الأولى من نوعها منذ 18 عاما.
وأجرى أردوغان خلال الزيارة مباحثات مع رئيس حزب "الشعب الجمهوري" أوزجور أوزيل، حول قضايا عدة، استكمالا لعملية "التليين" أو التطبيع" التي بدأت أولى خطواتها، مطلع مايو/أيار الماضي، وفق التقرير.
وبينما يضعها خبراء ومراقبون، تحدثوا لموقع "الحرة"، في إطار "المناورة"، يوضحون من جانب آخر أن العملية القائمة بين القطبين الرئيسيين في البلاد يتطلب الاستمرار بها تقديم "تنازلات"، وأن ما يجري لا يمكن فصله عن نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة.
وكان أوزيل التقى إردوغان في بداية شهر مايو. وجاء ذلك بعدما حصد حزبه (الشعب الجمهوري) فوزا كبيرا في الانتخابات المحلية التي جرت في 31 من مارس الماضي، موجها حينها ضربة كبيرة للحزب الحاكم "العدالة والتنمية"، اعتبرت الأقسى من تأسيسه في البلاد.
الضربة دفعت إردوغان للتحدث أكثر من مرة عن ضرورة تغيير المسار الذي يمضي به حزبه، ومن جانب آخر مهّدت لمرحلة لم تكن سائدة في السابق، ذهبت جميع خطوطها ومساراتها باتجاه "الحوار" مع أحزاب المعارضة، من أجل تخفيف حدة الاستقطاب.
وخلال السنوات الماضية نادرا ما كان إردوغان وأعضاء حزبه يؤكدون على ضرورة التحدث مع المعارضة مثلما هي الحال اليوم، وكذلك الأمر بالنسبة للأخيرة، إذ لم يسبق أن أبدى زعيم منها بادرة للجلوس على طاولة واحدة مع الرئيس التركي، من أجل مناقشة القضايا التي تهم الشارع والبلاد.
لكن، ووفقا لمراقبين، غيّرت الانتخابات الأخيرة ونتائجها كل شيء، ليس فقط على صعيد الحزب الحاكم ورئيسه، بل حتى على المعارضة، ولاسيما أن الكثير من شخصياتها تغيّرت، وعلى رأسها أوزيل الذي خلف كمال كليتشدار أوغلو، واختلف معه بكل شيء أيضا.
ماذا تغيّر بين إردوغان والمعارضة؟
كانت آخر زيارة لإردوغان لرئيس حزب "الشعب الجمهوري" آنذاك، دنيز بايكال، في عام 2006. وحينها كان رئيسا للوزراء.
ومما يجعل زيارته الآن "مهمة"، بحسب صحف مقربة من الحكومة وأخرى معارضة، أنه يُنظر إليها على أنها مؤشر على ما إذا كانت عملية "التطبيع والتلطيف السياسي" التي بدأت بزيارة أوزيل الأولى ستستمر.
ومن جانب إردوغان ستكون قضية "الدستور الجديد" على رأس الملفات التي سيتم بحثها مع رئيس "الشعب الجمهوري".
في المقابل سيثير أوزيل المشكلات التي تواجهها البلاد، خاصة وضع الأشخاص ذوي الدخل المنخفض، والسجناء السياسيين في قضية "غيزي"، وقضايا أخرى من قبيل قضية "الوصي" التي أشعلت سلسلة توترات في الأيام الماضية بمناطق الغالبية الكردية.
ومع ذلك، وكما يقول مراقبون لموقع "الحرة"، فإن اللقاءات وتفاصيلها وصورتها العامة تذهب باتجاه مشهد أوسع مما يدور الحديث عنه عبر وسال الإعلام التركية.
ويوضح الباحث في الشأن التركي، محمود علوش، أن "الديناميكيات الجديدة" بين الحزب الحاكم والمعارضة هي نتيجة لكل من الانتخابات العامة والمحلية.
ويرى في حديثه لموقع "الحرة" أن "خطاب التطبيع يظهر كمناورة تكتيكية لكل من إردوغان وأوزيل لتحقيق أهداف مختلفة".
ويعتقد كاتب العمود في موقع "هالك تي في"، مصطفى كمال أرديمول، أن نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة هي ما دفعت إردوغان إلى تخفيف موقفه حيال أحزاب المعارضة.
ويضاف إليها "المشكلات الكبرى مثل الركود في الأسواق وارتفاع معدلات التضخم".
ويسمي البعض في البلاد ما يجري بـ"الانفراجة والتليين" بينما يطلق عليها أوزيل مصطلح "التطبيع".
وفي كلا الحالتين يقول أرديمول لموقع "الحرة" إن العملية القائمة بين المعارضة والحكومة لن تؤدي على المدى الطويل "إلى تغيير نظام الرجل الواحد".
ويعتبر أن "إردوغان رجل يستطيع المناورة لاستعادة دعمه المفقود.. وهذه هي مناورته الجديدة".
"الدستور كلمة السر"
ولا تزال ارتدادات النتائج الأخيرة للانتخابات المحلية قائمة حتى الآن، لاسيما على صعيد مواقف وتصريحات السياسيين.
وقبل أن يجري إردوغان زيارته إلى مقر "الشعب الجمهوري" خرج أوزيل بتصريحات لافتة، ألمح فيها إلى إمكانية تنظيم انتخابات مبكرة في البلاد، وأشاد فيها من جانب آخر بالقرار الذي اتخذته المحكمة الدستورية العليا.
وكانت المحكمة المذكورة، وهي أعلى سلطة قضائية في البلاد، سحبت سلطة الرئيس التركي في تغيير محافظ البنك المركزي قبل انتهاء ولايته، وسلطته أيضا في تعيين عمداء الجامعات.
كما انتقد أوزيل لأكثر من مرة خلال الشهريين الماضيين القرارات التي استهدفت حزب "ديم" الكردي في البلديات التي فاز بها مؤخرا، داعيا إلى العودة لسلطة القانون.
ويعتقد الباحث علوش أن انخراط الطرفين في عملية "التطبيع" الآن يستمد قوته بدرجة أساسية من حاجة كليهما لها بقدر أكبر من قناعتهما بأن السياسة المُستقطبة لم تعد تصلح لإدارة الصراع بين السلطة والمعارضة.
ولم تعد "السياسة المُستقطبة" تعمل كعنصر قوي في تعزيز هيمنة إردوغان، وفق الباحث.
ويقول إن الانتخابات المحلية الأخيرة أظهرت أنها بدأت تجلب تكاليف باهظة تفوق الفوائد التي كان الرئيس التركي يجنيها في السابق.
وأدرك إردوغان الحاجة إلى تخفيف حدة الاستقطاب لأن الأتراك سئموا السياسة المُستقطبة، ويضيف علوش أن "إحدى أولوياته الآن هي الدستور الجديد".
ولأن موازين القوى في البرلمان لا تساعده على إتمام تلك العملية، "سيتعين عليه التعاون مع المعارضة"، حسب الباحث.
ويعتقد الباحث التركي، علي أسمر، أن كلمة السر لكل الزيارات بين الحزب الحاكم والمعارضة هي "الدستور الجديد".
ورغم أن كل الأحزاب تتفق على تغييره، لا يبدو الأمر كذلك عند الغوص بالمصطلحات والبنود، مما يستدعي إجراءات وزيارات للوصول إلى صيغة توافقية.
ومن ناحية أخرى، يضيف الباحث، أن "كل الأحزاب تحاول استغلال مرحلة التفاوض والهدوء السياسي للوصول إلى أهدافها".
وينسحب ذلك على كل من إردوغان وأوزيل الذي يضع في أولوياته ملفات سياسية واقتصادية وقضائية وأخرى تتعلق بالسياسة الخارجية.
وعلى أساس ذلك يوضح أن "الحزب الحاكم سيحاول إيجاد النقاط المشتركة مع الأحزاب الأخرى، وتجميد النقاط الخلافية مؤقتا. كون المرحلة الحالية تعتمد على سياسة "أنا أربح وأنت تربح.. لتربح تركيا".
"المواصلة تفرض تنازلات"
وحتى الآن لا يعرف الشكل الذي ستكون عليه العملية القائمة بين إردوغان وأكبر أحزاب المعارضة في الأيام المقبلة، وما إذا كان الجانبان سيتوصلان إلى قواسم مشتركة.
ويعتقد أوزيل أن الانفتاح على إردوغان يُعزز شخصيته باعتباره زعيما قويا لـ"الشعب الجمهوري" استطاع فرض بصمته الخاصة في تشكيل العلاقة مع الحكومة والتخلص من نهج أسلافه في المعارضة، كما يرى الباحث علوش.
ويوضح أن العلاقة مع إردوغان تظهر كوسيلة له لتحجيم منافسيه داخل الحزب (الشعب الجمهوري)، مثل أكرم إمام أوغلو.
كما تتطلب أحد الشروط الرئيسية لنجاح حزب "الشعب الجمهوري" في تجربة الحكم المحلي مثل هذا الانفتاح على الحكومة المركزية، القادرة على إفشال هذه التجربة، حسب المتحدث.
ويعتقد الصحفي المعارض أرديمول، في المقابل، أن "التعديل الدستوري هو الذي يمكن أن ينقذ إردوغان".
ووفقا للدستور الحالي، فهذه آخر فترات ولايته بالفعل.
وبالتالي يمكنه الاجتماع مع أي شخص، وفي أي مكان "لإنقاذ نفسه"، على حد تعبير أرديمول.
ويشير الصحفي من جانب آخر إلى أن الرئيس التركي يحاول الدخول الآن في شراكة مع شخصيات معارضة بدلا من أحزاب المعارضة، وأن أفضل مثال على ذلك هو لقائه بالزعيمة السابقة لحزب الخير المعارض، ميرال أكشينار، قبل أيام.
لكنه يضيف أن "تلك الجهود قد تذهب سدى، بسبب الغضب الشعبي".
وقد لا يصمد الانفتاح طويلا بين الحزب الحاكم و"الشعب الجمهوري"، كما يعتقد الباحث علوش.
ويوضح أن "استمراره يتوقف أولا على قدرته على التغلب على تعقيدات السياسة الداخلية، وثانيا على قدرة إردوغان وأوزيل على مواصلة إدارة علاقتهما الجديدة من منظور المنافع المتبادلة".
ويتابع الباحث أن ما سبق "يتطلب تنازلات قد تكون مؤلمة لكلا الطرفين".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!