ترك برس
تناول تقرير تحليلي للسياسي والبرلماني التركي السابق ياسين أقطاش، التفاوتات الاقتصادية العالمية، مؤكدا الحاجة إلى إصلاح النظم الاقتصادية وتحقيق المساواة الاجتماعية والاقتصادية في العالم، مع التركيز على الدور المحتمل للفلسفات الاجتماعية المختلفة في هذا السياق.
يُشير التقرير الذي نشرته صحيفة يني شفق إلى أن 1% من سكان العالم يمتلكون نسبة كبيرة جدًا من الثروة العالمية، مقابل 99% الذين يتقاسمون النسبة المتبقية، وأن هذا التوزيع غير العادل يثير القلق ويستدعي التفكير في حلول لتحقيق المساواة الاقتصادية.
يتمحور التقرير حول نقد النظام الاقتصادي الحالي الذي يسمح بتكدس الثروة بين القليل من الأفراد والشركات الكبرى، مما يؤثر سلبًا على الأكثر فقرًا وعلى استقرار المجتمعات، ويطرح التساؤل عن إمكانية تحقيق تغييرات جذرية من خلال الحركات الاجتماعية والسياسية.
وفيما يلي نص التقرير:
انتشر مؤخرا خبر على شاشات التلفاز وربما في صفحات الجرائد، مفاده أن "1% من سكان العالم يمتلكون 45% من ثروة العالم، بينما يقتسم 99% من البشر النسبة المتبقية، أي 55%". إنها أخبار معروفة، لا تقدم معلومات جديدة، بل هي مجرد تكرار لحقيقة نعيشها. لذلك، لا أرى ضرورة لذكر مصدرها. تتكرر أخبار كهذه كثيرا، مع أرقام مختلفة وأمثلة صارخة أخرى، لتذكرنا دائما بظلم العالم الذي نعيش فيه.
إن هذا الوضع الصادم لعدم المساواة في الدخل في العالم الذي نعيش يستحق كل أشكال المعارضة، وحتى الثورات. ولكن بالطبع، أولئك الذين أسسوا النظام على هذا التوازن، والذين يسيطرون على الثروة، هم ماهرون أيضا في اتخاذ الخطوات اللازمة للحفاظ على استمرار النظام بهذه الطريقة.
ماذا لو اتحدت الأغلبية التي تحصل على حصص منخفضة من الدخل، وأثارت تمردا، واستعادت حقوقها... إن هذه الفكرة كانت دائما جاذبة ومحفزة للغاية. لكن المسألة برمتها تكمن بالطبع في توحيد هذه الجماهير، وزيادة وعيهم وتحفيزهم على التحرك ضد الأقلية الصغيرة التي تأخذ النصيب الأكبر. في القرن التاسع عشر ربما أصبح هذا الظلم أكثر وضوحا، مما أدى إلى ظهور أدبيات علم الاجتماع التي اتخذت من تصحيح هذا الوضع مهمة لها، فلم تكتف بمجرد تفسير العالم، بل حاولت أيضا التقدم وتوجيهه وتغييره.
كرس ماركس نفسه لمهمة تصحيح هذه التفاوتات، ودعا جميع عمال العالم إلى الاتحاد والتمرد ضد الرأسمالية التي تستغل الناس حتى النخاع، ومن ثم إنشاء نظام قائم على المساواة. ولكن كان له نصيب أن يروي السرد التاريخي التراجيدي لحركات الجماهير الأولى التي استجابت لدعوته، والتي انتهت بالوقوع في فخ البو نابارتية. لم تكن الظروف التاريخية ناضجة بما يكفي، لذلك كان من المحتم أن تسفر هذه الثورات المبكرة عن مثل هذه النتائج. متى كان الوقت مناسبا لذلك، متى سيتم القضاء تماما على الظلم واللامساواة، وماذا عن الظلم والقهر والاستغلال الذي سيحدث حتى ذلك الحين؟ كان من الطبيعي أن تدفع هذه الأسئلة ماركس إلى الإبحار في مياه ميتافيزيقية تتجاوز قدراته بكثير.
في إحدى مجموعات الواتساب حيث تم مشاركة هذا الخبر الروتيني الذي ذكرته مسبقا، أعاد أحد أصدقائنا المثقفين والأكاديميين المهمين طرح سؤال أو تحذير روتيني من هذا النوع: "في الواقع، يشير هذا المشهد إلى أنه يجب على المسلمين الذين يدعون إلى حضارة بديلة التركيز على الظلم في توزيع الدخل. ولكن للأسف فإن المناطق التي تعاني من أعلى معدلات الظلم في توزيع الدخل هي الدول الإسلامية، ولا يولي المفكرون المسلمون هذا الموضوع أي اهتمام على الإطلاق.".
لطالما كانت فكرة أن يكون المسلمون في موقع الادعاء بالحضارة مقاربة أتحفظ عليها. في الواقع الحضارة هي نتاج طبيعي لنضالات المسلمين التاريخية، ورؤيتهم، وممارساتهم، وإمكانياتهم. فعلى مر العصور أسس المسلمون حضارات بالفعل. لكن الأمر يختلف تماما عندما يتعلق الأمر بالسعي لبناء حضارة أو ادعاء امتلاكها، ولا أستطيع تخيل أن يكون هذا الموضوع محور خطاب لحركة إسلامية. فقد ناهض الأنبياء عبودية البشر وظلمهم، وكل أشكال الظلم والاضطهاد. إن مهمتهم كانت في الأساس هدمية، وكما هي الحال مع جميع المهام الهدامة، واجهوا مقاومة عنيفة وعقوبات قاسية، وانتهى الأمر بمعظمهم إلى إيصال رسالتهم والرحيل فقط. قد تكون الحضارة نتيجة محتملة، لكنها ليست هدفا في حد ذاتها.
بالطبع، يعد التركيز على عدم المساواة في الدخل أحد أهم واجبات المسلمين. ولا يقتصر المسلمون على ذلك نظريا فقط، بل يطبقون ذلك عمليا. فبإيمانهم بأن الفقراء لهم حق في أموالهم، وباعتقادهم أن الرزق من الله وحده، يخرجون زكاة أموالهم، بل ينفقون أكثر من ذلك، وفي الواقع تعد هذه الممارسة ظاهرة اجتماعية راسخة في حياة المسلم العادي، ولكن عندما نتحدث عن "كون أعلى معدلات الظلم في توزيع الدخل موجودة في دول العالم الإسلامي لكنها لا تجذب انتباه المثقفين المسلمين"، فهنا يجب أن نتوقف قليلا.
في البداية، كما شهدنا مؤخرا في نقاشات الشريعة، لا يوجد اليوم شريعة إسلامية يمكن تحميلها مسؤولية ما يحدث في العالم، خلال القرن الماضي على الأقل. فمن يسمون بالحكام المسلمين لا يحكمون وفقا للشريعة الإسلامية، بل وفقا لشريعة الحضارة الغربية الاستعمارية (أو كما يسميها الأستاذ وحيد الدين إينجه "البدوية الغربية"). يعيشون وفقا لها، ويفكرون ضمن حدودها. وفي العالم الإسلامي، يعرف هذا النظام باسم الكمالية (نموذج العلمنة السياسية والاجتماعية).
في صعود الحركات الإسلامية في فترة ما بعد الاستعمار، كان أول ما اعتُرض عليه هو الظلم الاجتماعي. فكان من أوائل الكتب التي عرفت العالم الإسلامي بسيد قطب كتاباه "العدالة الاجتماعية في الإسلام" و"معركة الإسلام والرأسمالية" كلاهما يمثلان نصوصا ذات قوة بيانية لإسلاموية ما بعد الاستعمار. لم يقتصر انتقاده على الغربيين، بل هاجم بشدة أيضا هؤلاء الحكام المستعمرين ذوي المظهر الإسلامي الذين جثموا على صدر العالم الإسلامي. ومن يرغب أن يرى نتيجة هذه المعارضة يكفي أن ينظر إلى سجون هذه الدول اليوم. فمعظم علماء الإسلام الموقرين في العالم الإسلامي إما قتلوا أو هم الآن في السجون. والجميع يعلم أن الحكام والملوك والديكتاتوريين في العالم الإسلامي، الذين قد يمتلكون ربما جزءا كبيرا من ثروات العالم، هم أعمدة النظام الاستعماري الدولي. والإسلام غير مسؤول عن أي من ممارساتهم.
لا شك أن المسلمين مروا بتجارب معارضة، بل وحتى تجارب حُكم متنوعة بدأت منذ فجر الحقبة الاستعمارية واستمرت حتى يومنا هذا. ونجد في هذه التجارب العديد من الأمثلة الدنيئة والمبتذلة والسيئة لفشل المسلمين في إدارة الثروة. لكننا نلاحظ أيضا أن رأس المال "المحافظ" (أي ذاك الذي يتأثر بالإسلام إلى حد ما في عمله) في بلد مثل تركيا يشكل نسبة ضئيلة للغاية من إجمالي رأس المال، حتى مقارنة بالدول الأخرى. وعلى الرغم من كل مظاهر السوء التي ظهرت في اختبار الثروة والمال، إلا أن رأس المال "المحافظ" لم ينجح أبدا في الانضمام إلى شريحة الـ 1% الأغنى في العالم. ولا يوجد أي مسلم في هيكل الرأسمالية المالية، حيث تتجمع الأموال الضخمة ويستغل العالم بأسره حتى النخاع.
يجب على المسلمين أن يكون لديهم تركيز ونظريات ونضال أقوى وأكثر فعالية فيما يتعلق بتوزيع الدخل المشوه وغير العادل اليوم. ولكن ينبغي عليهم ألا يسمحوا بتحميلهم مسؤولية جرائم الغرب والشريعة الغربية دون أي سند أو دليل.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!