د.مصطفى حامدأوغلو - خاص ترك برس
أثارت التصريحات التركية الأخيرة تجاه تظام دمشق والحرص على استعجال لقاء الأسد، أثارت أستغراباً لدي كثير من المتابعين ، وقلقاُ لدي شريحة كبيرة من السوريين على مستوى الأفراد والمعارضة السورية بالداخل وبلاد اللجوء.
تزامن هذه التصريحات المتسارعة على ألسنة رأس الهرم الحاكم بتركيا ، مع أحداث العنف والتخريب ضد السوريين بمدينة قيصري وما تبعها من هجمات عنصرية في باقي المدن التركية رفع وتيرة القلق والخوف والترقب والغصب عند السوريين تجلت بردات فعل ارتجالية طالت رموز مقدسة عند كل الدول وخاصة الأتراك مما جعل الكثيرون يتساءلون عن مستقبل هذه المنطقة ومآل ملايين السوريين من مقيمين بتركيا ومن هم بالشمال السوري.
تفاجُئ المعارضة السورية وبعض من المراقبين ومراكز الدراسات أمر مستغرب ومفاجئ بحد ذاته ودليل على بعدهم عن قراءة الأحداث والتصريحات التركية بالسنيين الأخيرة وسطحية استشرافاتهم واختصار عملهم على تشخيص المعلوم وعدم التعمق بما قد يحدث من مآلات . وربما عدم استهجان هذه التصريحات من قبل الحكومة المؤقتة وبعض قيادات الائنلاف مؤشرا لقربهم من القرار التركي وبعض المعلومات التي يملكونها،_وهذا يحسب لهم وعليهم _، لذلك رأينا تبايناّ كبيراً بشدة وحدة ردود الافعال ما بين هرم المعارضة السورية السياسية والشارع الثوري.
بعد تصريحات الرئيس أردغان الواضحة والمباشرة عن دعوة قريبة، قد تقدم لرأس النظام بدمشق لزيارة أنقرة أو للقاء في مكان آخر ، انقسم المتابعين والمراقبين السياسيين والاعلاميين الأتراك والسوريين الى نقيضين ، الطرف السوري الذي يريد التخفيف والتقليل من أهمية هذه التصريحات ، وأنها لن تؤدي لأي نتيجة بسبب ضعف الأسد الذي لايملك من أمره شيئاً، وبسبب الدور الايراني السلبي التي لا تريد أي تقاربا سوريا تركيا خشية أن تفقد هيمنتها بسورية ،وكذلك بسبب التواجد الأمريكي المعارض لأي تطبيع أو تقارب مع نظام دمشق بالوقت الحالي على الأقل.
على النقيض من ذلك فإن الطرف التركي يرى هذه التصريحات وهذه الخطوة ضرورية ولابد منها وقد تأخرت كثيرا.. هناك فريق معارض للحكومة كان ينتقد المقاربة التركية منذ البداية وكان يرى الحل باللقاء مع الأسد واليوم وجد فرصته لينتقد الحكومة لتأخرها من جهة ويثبت صحة مقولته من جهة أخرى ، المقربين من الحزب الحاكم ايضا هم يشيدون بهذه الخطوة التي لم يكونوا معارضين لها بالأصل ، وكانت مبرراتهم أن تركيا تتواصل مع روسيا الحاكم الفعلي لسوريا ولا داعي للقاء الاسد في تلك الفترة .
إذاً هناك قراءة مختلفة بين السوريين والاتراك ...
وهذه نقطة جديرة بالتفكير والوقوف عندها ...
تخطئ المعارضة السورية عندما تكتفي بنقد المواقف التركية، بدون التعمق بالأسباب والمبررات والمسوغات، التي دفعت ، أو أجبرت، أو شجعت القيادة التركية لهذه الانعطافة السريعة(!؟) ..
قد تتفق المعارضة السورية مع هذه المسوغات وقد لا تتفق لكن المهم أن تعيها وتفهمها لكي تستطيع أن تشكل موقفاً وخارطة طريق لها..
المعارضة السورية تقول أن الاسد قد سقط ، وهو لا يملك شيئا يعطيه لتركيا أو لغير تركيا ، بينما هو المنتصر والأقوى ورمز وحدة الدولة السورية ومن يجب التعويل عليه بنظر الدول الأخرى والمتابعين والمراقبين بتركيا وغيرها..
مقولة "الأسد سقط ولا قوة له" مقولة قد صحيحة بنظر المعارضة السورية، لكن ربما مبالغاً بها ، فقوة النظام بدمشق تكمن باستعداده أن يعمل كل شيء وأي شيء، فكل شيء عنده ممكن ومباح ، وهو منفتح على كل السناريوهات منذ بداية الثورة السورية وما الحديث عن سوريا المفيدة إلا مجرد تذكير بما يستطيع القيام به ، فلا المواطن له قيمة أو وزن عنده ولا وحدة الأراضي السورية، ولا التعاون مع اسرائيل أو أمريكا من تحت الطاولة أو فوقها.
اذا ماهي مبررات تركيا وراء سعيها الحثيث للقاء الاسد رغم ضعفه وهوانه
يبدو أن هناك عدة عوامل تدفع تركيا لهذه التقارب منها القديم ومنها الجديد المستجد..
1-بعبع الدولة الكردية الانفصالية والانتخابات المزمعة في شمال شرق سورية، المشروع الذي يقض مضجع تركيا ، وهو مادفعها للقيام بالعمليات العسكرية والتدخل بسوريا لوأد المشروع الانفصالي الذي يهدد الأمن القومي التركي بشكل مباشر ويعزل تركيا عن محيطها العربي .
2- اللاجئين السوريين بتركيا و القناعة لدي السياسيين على السواء أن 80 بالمئة من الأتراك يريدون عودة السوريين لبلادهم ، طبعا هذه القناعة نتيجة لأخطاء وسلبيات وتراكمات شارك بها السوريين والدولة المضيفة والمعارضة التركية على السواء.
3- السياسة الداخلية والسعي للتخطيم على رئيس حزب المعارضة الذي يريد أن يقطف ثمار التأييد الشعبي بمقابلة الأسد .
4- التطبيع العربي مع دمشق فلم تعد هناك حجة للحزب الحاكم أن يستمر هو الوحيد الذي يحمل السلم بالعرض كما تتهمه المعارضة ، بل كثير من الساسيين مع هذه الفكرة.
5- الحالة الاقتصادية التي يريد العدالة والتنمية حلها بالقريب العاجل توجسا لأي انتخابات مبكرة.. وما يتم الحديث عنه من مشاريع تجارية اقتصادية عابرة للحدود بين تركيا والعراق وقطر ودول الخليج هي من المحفزات التجارية الهامة.
6- تصريحات بوتين القديمة عن اتفاقية أضنه وإلحاحه على تركيا لكي تستفيد من هذه الاتفاقية والبناء عليها، وما صدر من تصريحات عن مطالبة تركيا بحزام أمني بعمق أربعين كيلومتر إلا نتاجاً عما يطبخ ويدار من مفاوضات وراء الكواليس
7- يرى الكثيرون من الأتراك أن اللقاء مع الأسد لا يختلف كثيرا عن فلسفة لقاءات استانا وسوتشي التي لم تفرز عن اي منتج - كما كان متوقعاً – وربما تكون نتائج محلية هذه المرة من خلال اللقاءات المباشرة والضغوطات الروسية.
8- التوقعات أو بعض المعلومات الاستخبارية الدبلوماسية التي تقول بأن ترامب في حال فوزه، قد يعود لقراره القديم بالانسحاب من سوريا ، ولذلك يجب أن يكون هناك استعداد للحفاظ على وحدة الأراضي السورية من خلال مركزية الدولة الحالية.
كثير من المفكرين الأتراك يرون أن الاقتصاد والتجارة هما الاساس للاستقرار والعلاقات الجيدة مع الدول حتى التي توجد معها ملفات خلافية أخرى، وهذا هو الحال مع كثير من الدول التي لها علاقات تجارية كبيرة مع تركيا مثل روسيا وأيران وألمانيا وأمريكا وكثير من الدول..
البعض يرى أن تواجد نسبة لا يستهان بها من اللاجئين السوريين بتركيا ، ليس لسبب سياسي ثوري ، إنما بسبب اقتصادي أمني ، والدليل هو الزيارات المكوكية للسوريين لحلب ودمشق رغم سوء الحالة الاقتصادية والأمن المفقود ..
وفي حال تم تأمين حالة من الأمن النسبي مع تحسين الاقتصاد بفتح قنوات تجارية وضخ أموال خليجية عاجلة فأن هذا سيسهم بعودة مئات الآلاف بل ربما ملايين من السوريين لتحسن الأوضاء هناك وسوء الأوضاع بدول اللجوء ، كما أن عودة بهذا الحجم هي كيفلة بحد ذاتها أن تجر وراءها عددا آخر من اللاجئين لارتباط مصالح السوريين ببعضهم.
كل هذه المببرات والمسوغات والاستعداد الفكري التركي للتقارب مع دمشق ، يجعل التحرك التركي يلقى دعما وقبولا من كافة الشرائح التركية حتى المعارضة منها.
بالتأكيد أن تطبيق هذه الامنيات والسناريوهات ليس أمرا سهلا بدولة مثل سوريا تتصارع عليها عدة دول عالمية واقليمية .
ويظل موقف المعارضة السورية ورؤيتها وخارطة طريقها ضمن هذه التقلبات هو الأهم بالنسبة لكثير من السوريين بالداخل والخارج
فهل تتحمل دورها في هذا المنطف الكبير ...!!؟؟
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس