ترك برس
سلط تقرير للسياسي والبرلماني التركي السابق ياسين أقطاي، الضوء على خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في الكونجرس الأمريكي، مشيرا إلى أن هذا المشهد يعكس الفجوة بين سياسات الحكومات والشعوب، وبين النظريات الديمقراطية والواقع السياسي.
وتضمن التقرير الذين نشرته صحيفة يني شفق التركية استعراضا لحالة العجز والتخاذل في العالم الإسلامي تجاه الاعتداءات الإسرائيلية على غزة، وموقف الشعوب الإسلامية مقارنة بالقادة السياسيين.
ولفت إلى أن القادة الإسلاميين لا يلبون تطلعات شعوبهم في مواجهة الاحتلال والإبادة الجماعية، وأن هذا العجز يكشف عن فجوة عميقة بين الحكومات والشعوب.
وتطرق إلى المعارضة الشعبية في الولايات المتحدة تجاه السياسات الإسرائيلية وكيف يتعارض ذلك مع دعم الحكومة الأمريكية غير المحدود لإسرائيل.
وفيما يلي نص التقرير:
إن خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي الدموي بنيامين نتنياهو في الكونجرس الأمريكي، وتصفيق أعضاء الكونجرس له واقفين عدة مرات، وإن بدى مشهدًا خياليًا، إلا أنه يعكس الوجه الحقيقي لعصرنا، والنظام العالمي الذي نعيش فيه، ومدى تطورنا وحداثة عصرنا. بالطبع هناك فجوة شاسعة بين الواقع والتمثيل، وبين الكونجرس الذي يمثل الشعب والشعب نفسه، وبين الولايات المتحدة والعالم الآخر، وبين العقل الأمريكي والعدل والضمير. وفي خضم كل هذه الفجوات، ضاعت العقول والضمائر والحقيقة. ولأنها ضاعت هناك بالذات، يجب أن نبحث عن القيم المفقودة في تلك الأماكن تحديداً، حيث سنجدها هناك.
إن الفجوة بين النخب الحاكمة والشعوب في الشرق الأوسط أو في العالم الإسلامي بشكل عام هي الحقيقة الأولى التي يجب التأكيد عليها في هذا الشأن. فحينما ينظر المرء إلى الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق غزة منذ 295 يوماً ويصرخ متسائلاً "أين العالم الإسلامي؟"، فهذه أول حقيقة يواجهها. إن عجز ملياري مسلم عن مواجهة هذه الاعتداءات التي تمثل إهانة وتشويهًا لصورة الإسلام والمسلمين، هو دليل واضح على هذا العجز.
ما الفائدة من أن يكون عدد المسلمين مليارَين أو حتى 100 مليار إذا لم يكن لديهم قائد أو كيان سياسي يمثلهم؟ فلا يقتصر التخاذل وعدم الاكتراث على احتلال إسرائيل لفلسطين واعتداءاتها المستمرة على المسجد الأقصى وجميع مقدساته منذ 75 عاماً، في الواقع يتعرض المسلمون لجميع أنواع الاحتلال والظلم والمجازر والإبادة الجماعية وخطاب الكراهية منذ 100 عام . إن الشعوب الإسلامية تعاني من حزن وكرب شديدين إزاء كل ما يحدث، وتطمح أن يتخذ قادتها إجراءات ضد هذه الانتهاكات. لكن القادة بعيدون كل البعد عن تلبية تطلعات شعوبهم، بل إنهم حتى لا يكترثون لذلك.
تكشف الأحداث في العالم الإسلامي عن وجود فجوة واسعة وهوة عميقة بين الشعوب ومسؤوليها السياسيين. بل إن الأمر يتجاوز الفجوة إلى درجة الاختلاف التام في الرؤى والأهداف. في الواقع لطالما اعتقدنا أن هذه الفجوة العميقة، التي يمكن تفسيرها بظروف الاستعمار والاحتلال، هي سمة مميزة للعالم الإسلامي. إلا أن "طوفان الأقصى" الذي اندلع في السابع من أكتوبر كشف لنا حقيقة صادمة: فالعالم الغربي، رغم ادعاءاته الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير ووحدة الدولة والشعب، يعاني من نفس الفجوة في الحكم. فقد أظهرت ردود أفعال الشعوب الغربية تجاه الإبادة الجماعية الإسرائيلية أن هناك انفصالاً كبيراً بين مواقف الشعوب وحكوماتها، وخاصة في الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا. لقد كشف طوفان الأقصى بوضوح أن الشعوب الغربية أيضاً تعيش تحت وطأة الاحتلال.
إن الدعم غير المحدود الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل مرتكبة الإبادة الجماعية هو السبب الرئيسي وراء جميع المشاكل في الشرق الأوسط. لقد أظهر الشعب الأمريكي بكل الطرق والوسائل عدم موافقته على الإبادة الجماعية التي تحدث منذ 7 أكتوبر. تشهد الجامعات الأمريكية احتجاجات لم تشهدها منذ أحداث 1968، وربما لم تشهدها حتى في ذلك الوقت. وفي جميع المدن الكبرى تُظهر الاحتجاجات غير المسبوقة في تاريخ الولايات المتحدة أن الشعب الأمريكي ليس بجانب بلاده في سياساتها تجاه إسرائيل. ورغم ذلك فإن الحكومة تواصل دعمها لإسرائيل وإن كان هناك بعض التردد في الظاهر.
إن الإرادة التي ظهرت بين الجامعات الأمريكية والمجتمع المدني والشعب، تبدو معارضة تمامًا لموقف الحكومة. ومع ذلك يبدو أن أعضاء الكونغرس يقفون بعناد ضد هذا التيار الشعبي القوي، مرجحين الخيار الصعب، فلم يترددوا في استقبال نتنياهو بحفاوة كبيرة، رغم ارتكابه جريمة الإبادة الجماعية والذي ينبغي أن يكون مكانه المحاكم ثم السجون، وليس الكونغرس. إن تحدي أعضاء الكونغرس بهذه الجرأة لإرادة شعبهم ـ الذي يفترض أنهم يمثلونه ـ يظهر كيف تم سلب الديمقراطية في الولايات المتحدة. ففي الظاهر يبدو أن كل شيء يحدث في إطار عملية ديمقراطية، لكن الأشخاص الذين يتخذون قرارات لا يرغب بها الشعب هم الذين يتم اختيارهم كممثلين له.
بعد 100 يوم، ستجري الانتخابات في الولايات المتحدة، حيث يتنافس بايدن (أو كامالا هاريس حالياً) وترامب في تقديم وعودهما بدعم إسرائيل، حتى في خضم جدول أعمال الإبادة الجماعية وفي سياق يخشى فيه العالم بأسره الظهور بجانب إسرائيل. وهذا يعني أن المعارضة الجماهيرية لإسرائيل التي نراها من الشعب الأمريكي ليس لها تمثيل في الانتخابات. فلمن سيصوت أولئك الذين لا يريدون أن تدعم الولايات المتحدة إسرائيل؟ ليس لديهم خيار. سيتم اختيار أحد المرشحين السيئين.
يؤمن أعضاء الكونغرس بشكل مفرط بالأساطير التي تقول إنهم يحتاجون إلى دعم اللوبيات الصهيونية في الولايات المتحدة ويعتمدون عليها. هذه الأساطير وهذه المعتقدات الباطلة تقيدهم دون أن يدركوا ذلك. بالطبع تمتلك هذه اللوبيات قوة مالية وإعلامية وشبكة كبيرة وغيرها من القوى. وهذه القوة تجعل تأثيرها على أعضاء الكونغرس يحوّل القدرة الانتخابية إلى الحلقة الأضعف والأقل تأثيراً في الديمقراطية. والنتيجة هي أن الديمقراطية الأمريكية قد انحدرت إلى مستوى ديمقراطية مصر، بالكاد أفضل قليلاً.
يبدو أن الحسابات الرخيصة والمقيتة التي يلجأ إليها بعض أعضاء الكونجرس قد لا تصبح بلا فائدة. فقد قامت نائبة الرئيس والمرشحة الرئاسية كامالا هاريس بإصدار تصريح غير متوقع بعد لقائها مع نتنياهو، قالت فيه إنه لا يمكن تجاهل المجازر في غزة، ووفاة الأطفال والمدنيين، وأن الوقت قد حان لوضع حد لإنهاء هذه المأساة. وقد يكون هذا التصريح بمثابة كاشف لحالة الجنون التي يعيشها أعضاء الكونجرس المأسورين والمتلهفين بشدة لدعم اللوبي.
أعضاء الكونغرس الذين صفقوا واقفين لنتنياهو يعتبرون إسرائيل أكبر حليف للولايات المتحدة في المنطقة، لكنهم في الحقيقة لا يرون أن إسرائيل كمشروع، تُشكل العبء الأكبر على الولايات المتحدة. فسياسات الشرق الأوسط التي تركز على إسرائيل حوَّلت الولايات المتحدة إلى لاعب غير موثوق فيه، وذي سمعة سيئة، وغير جدير بالثقة في نظر شعوب المنطقة على المدى الطويل. وبينما تقدم الولايات المتحدة ثرواتها من أجل دعم إسرائيل، فإنها في الواقع لا تحقق أي مكاسب حقيقية، بل تفقد سمعتها أيضًا. هذا الواقع يصبح أكثر وضوحاً مع مرور كل يوم في الولايات المتحدة، التي تتغير تركيبها الديموغرافي باستمرار. إن المكاسب التي تحققها الولايات المتحدة من تحالفها مع إسرائيل في المنطقة لا تساوي شيئاً مقارنة بما تخسره. إسرائيل في الواقع، تعتبر عدواً للولايات المتحدة، وأكبر دليل على هذه العداوة هو كيفية استغلال قوة اللوبي والمال للتأثير على قرارات الكونغرس الأمريكي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!