ترك برس
مع بداية عام 2024، أصبحت التصريحات المتعلقة بتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، تتوالى أكثر من ذي قبل، إلى أن وصل الحديث عن لقاء محتمل بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس النظام السوري بشار الأسد، لكن ما الذي دفع البلدين للتوجه نحو التطبيع بعد قطيعة وصلت إلى الذروة؟
وتسعى تركيا منذ مدّة، لاستعادة علاقاتها مع سوريا بعد قطيعةٍ استمرت نحو 13 عاماً، على خلفية دعم أنقرة للمعارضة السورية عقب احتجاجاتٍ شعبية شهدتها سوريا منتصف آذار/مارس من العام 2011 قبل أن تتدخل عسكرياً وتسيطر على مناطقٍ من شمال غربي جارتهاوشرقها حتى.
وفي ظل محاولات التقارب هذه، يبقى مستقبل العلاقات مجهولاً، خصوصا مع "اندفاع تركي" و"تريث سوري"، كما بات يعرف بالأوساط الإعلامية، بحسب تقرير لقناة "العربية".
فقد كرر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مراراً رغبته بلقاء نظيره السوري، في حين أعلن الرئيس بشار الأسد أنه لا يمانع اللقاء إذا كان فيه مصلحة سوريا، مشدداً على أنه لم يصله هدف المبادرة حتى اليوم.
فما هي أسباب هذه القطيعة التي جاءت بعد صداقة متينة؟
عن هذا الملف التقت "العربية.نت"، الكاتب الصحافي السوري عبدالحميد توفيق، وأجرت حواراً مطوّلاً عن تاريخ العلاقات بين البلدين وأسباب القطيعة سنوات طويلة، وما آلت إليه الأمور اليوم.
فأوضح توفيق أنه على من يرغب بفهم كل تفاصيل الخلاف التركي السوري العودة بالأحداث إلى البدايات، مشيراً إلى أن العلاقات بين سوريا وتركيا لم تكن وليدة اللحظة بل توطدت منذ أن استلم الرئيس السوري بشار الأسد السلطة في البلاد.
كما لفت إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بات اليوم في مأزق بسبب قرارات اتخذها بالماضي تجاه الأزمة في سوريا، وهي ما وضعت تركيا في أعباء تحملتها سنوات طويلة إلا أنها لم تعد قادرة اليوم على تحمّلها.
وأشار توفيق إلى أن تركيا دعمت آلافاً من المسلحين في الشمال السوري منذ عام 2011، حيث اعتقد أردوغان حينها أن باستطاعته استخدامهم ضد الجيش السوري لإسقاط النظام بشكل عام، والقوات الكردية خصوصاً.
أما العبء الثاني الذي وضعه الرئيس التركي على كاهله، فكان "إدلب"، فوجود جبهة تحرير الشام وهي ذراع تنظيم القاعدة في سوريا، مكّنه من إنشاء مشاريع تنموية في تلك المنطقة بما فيها مشاريع سكنية تحت عنوان "المنطقة الآمنة"، واعتقد فيها أن بإمكانه إعادة اللاجئين إليها بكل توجهاتهم على اعتبارها منطقة خارج سيطرة الدولة السورية بكل المعاني جغرافياً، وسياسياً، واجتماعياً.
ثم جاءت عملية التغيير الديمغرافي، فأثناء مبادرات خفض التصعيد، استجلب أردوغان العناصر المسلحة من كل المناطق التي كانت خارجة عن سيطرة الجيش السوري خصوصاً من هم بأماكن متاخمة للعاصمة السورية دمشق، وهي كانت الأخطر على بقاء النظام حينها، ما جعل أردوغان يهتم بإتمام تلك الصفقات كون تلك العناصر تعود للطائفة السنية وإتمام انتقالهم إلى الشمال السوري سيكمل التوليفة، في حين هدفت السلطات في سوريا إلى إبعاد عناصر مسلحّة عن تطويق العاصمة (دوما - داريا - جوبر - الغوطة الشرقية)، دون أن يلتفت أردوغان إلى أن هؤلاء سيكونون عبئاً على الدولة التركية كما وصل الحال اليوم.
أما الهدف السوري، فكان الحصول على موطئ قدم شرق حلب وهو ما تمّ فعلاً (حلب الشرقية).
يرغب الرئيس التركي اليوم بإعادة العلاقات بين البلدين الجارتين، ولها فيها أهداف كثيرة، بينها التفاهم على وجود 3.6 مليون لاجئ سوري على أراضيه.
كذلك منع إقامة دولة لأكراد، وأيضاً إعادة التجارة والتعاون.
وأوضح توفيق، أن أردوغان يحارب للخروج من عنق الزجاجة التي وضع نفسه بها أمام الجمهور الداخلي الرافض للوجود السوري من جهة، ولسياسته تجاه الملف السوري ككل.
كما أضاف أن الاندفاع التركي نحو إعادة العلاقات مع سوريا كانت المخرج الأخير للرئيس التركي الذي لو تم بالفعل فمن شأنه أن يحرّك عجلة الاقتصاد التركي الراكض خصوصا آخر سنتين، وذلك لأن فتح خطوط التجارة من تركيا إلى سوريا وعبرها إلى الخليج وآسيا يمثل شرياناً أساسياً للاقتصاد التركي من شأنه إحداث فرق كبير بالعملية بالنظر إلى موقع سوريا الجغرافي الذي تتمتع به.
وعن الاتهامات والصفات السابقة وفيما إذا كان بالإمكان فتح صفحة جديدة بين الطرفين خصوصا وأن أردوغان كان وصف نظيره السوري بـ"المجرم"، والأسد قال إنه "اللص التركي" في إشارة منه إلى الأراضي التي استولت عليها تركيا خلال عملياتها العسكرية في سوريا، فأكد عبد الحميد أن الاتفاقات السياسية تنهي عادة أي خلافات.
وتابع أن الأمر (أي المفاوضات التركية السورية) تجري اليوم بهندسة روسية، ولموسكو مصالح كبرى بذلك، مشدداً على أن اللقاء يعني بداية مسار التفاوض وسيكون عبر لجان معنية بالحوار من الطرفين.
روسيا عقدة الحل والربط
في السياق ذاته، لفت توفيق إلى أن الرئيس الأسد يهدف من اللقاء، فك العزلة الدولية عن سوريا، ويشترك مع أردوغان برفضه إقامة دولية كردية، مع تشديده على إنهاء الوجود التركي تماماً من الشمال.
وذكر أن عودة العلاقات تتم بهندسة روسية، إذ أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين له أهدافه أيضاً.
أوضح أن بوتين يرغب باللقاء على أرضه لأن ذلك سيكون مادة للتاريخ، خصوصا لو استطاع فعلاً إحداث تغيير نحو حل الأزمة السورية التي طال أمدها.
وأكد أن لروسيا أهدافا كبيرة بالصلح التركي السوري، منها القول إن روسيا عززت حلاً سياسياً في سوريا، بعد دورها العسكري الذي كان حاسماً عام 2015، وأعاد الجيش السوري متحكماً ومسيطراً.
وكذلك الاقتراب من تركيا على قاعدة تبادل المصالح، الاقتصادية أولاً من ناحية الغاز السائل الروسي الذي يجري توطينه في تركيا وتوريده إلى أوروبا وما يعود بمصلحة كبيرة لتركيا.
وأيضاً الدفع بإعادة العلاقات مع سوريا مقابل دور تركي في حل الصراع الروسي الأوكراني كون تركيا عضوا بحلف شمال الأطلسي "الناتو"، ولها وقعها بالتصويت.
مع هذا، هناك أيضاً مصالح سياسية لروسيا، بينها إحداث هزّة بالعلاقات التركية الأميركية والاستفادة من الوضع الاقتصادي التركي الصعب.
التحدّيّات
أولاً: أكّد الكاتب الصحافي السوري عبدالحميد توفيق، أنه بالإمكان فعلاً إجراء محادثات لعودة العلاقات بين تركيا وسوريا، إلا أن هذا لو حدث فعلاً في ظل تفاهمات معينة، فإن نتائجه على الأرض ستستغرق سنوات.
وشرح أبرز التحدّيات موضحاً أن شرط سوريا الأول كان الانسحاب التركي من الأراضي شمالاً لبدء أي حوار، لافتاً إلى أن التنفيذ لن يكون إلا بتوافق سوري روسي تركي.
وفي حال تم ذلك، لفت إلى أنه سيكون على حساب عشرات الآلاف من المسلحين في الشمال، وإنهاء وجود جبهة النصرة ولو بشكل تدريجي.
ثانياً: ذكر توفيق أن التحدي الثاني يكمن بمعضلة الأكراد المدعومين من الأميركيين، موضحاً أن تواجد هذه العناصر المسلحة في مناطق الثروات في سوريا (القمح والنفط والغاز والقطن)، والحماية الأميركية عليهم جعلهم معضلة.
وتابع أن الرئيس الأسد لم يحارب الأكراد يوماً ولم يساندهم كذلك، بل ترك معهم خطوط التواصل المصلحية أي عمليات تبادل النفط، مشدداً على أن الأكراد كانوا يستقبلون الوفود الرسمية، على المستوى الأمني فقط، وذلك كي لا يأخذوا طابعاً رمزياً ويعاملوا ككيان.
وشدد على أن حل المسألة الكردية لن يكون إلا بتوافق واتفاق مع دمشق، خصوصا وأنها مشكلة تركية بإدارة سورية.
وأضاف أن الحل يجب أن يكون بمشاركة سورية بسبب قناعة دمشق أن للأكراد مشروعا انفصاليا برعاية أميركية، إلا أنه غير قابل للحياة في سوريا بسبب البيئة الرافضة له أي برفض سوري إيراني تركي، بموافقة روسية على الرفض.
وأشار إلى أن الأمور صعبة لأن العمل العسكري لإنهاء الوجود الكردي غير وارد بسبب الحماية الأميركية، خصوصا وأن التفاهم التركي الأميركي على هذه النقطة قد فشل على ما يبدو.
وفي حال عودة الرئيس ترامب للسلطة قد تتحلل الأمور بحكم علاقة المقايضة التي قد تجري بين الطرفين، أي حل للأكراد مقابل حل في أوكرانيا.
ثالثاً: تحدّي اللاجئين، لا شك في أن الوضع الاقتصادي العام في تركيا لم يعد يحمل اللاجئين، بل بات هؤلاء عقدة كبيرة جداً في مجال التفاوض خصوصاً.
ولفت توفيق إلى أن حل تلك المشكلة معقّد أكثر منها، فنقطة إعادة الاندماج صعبة للغاية، متسائلاً كيف يمكن للاجئين السوريين في تركيا العودة دون منازل، في إشارة منه إلى دمار منازلهم بسبب الحرب والعمليات العسكرية.
كما تابع أن سوريا والوضع الاقتصادي المتأزم فيها ليست بصدد أي حمل جديد.
الخلاصة..
إلى ذلك أكد على أن إعادة العلاقات بين سوريا وتركيا أمر صعب جداً بسبب الظروف المحيطة والمعطيات والوقائع التي أنتجتها السياسة التركية على مدى 13 عاماً من القطيعة والحرب.
ولفت إلى أن نافذة الأمل قد تفتح بحال واحدة فقط، إذ اتضح وجود تعاون عربي دولي أممي موحّد وجدّي، من شأنه التوصل لاتفاق حول خارطة طريق حرفية لمرحلة ما بعد القطيعة وبلورة صورة واضحة لخطوات ما بعد التطبيع.
يذكر أنه منذ بداية النزاع في سوريا عام 2011، قدمت أنقرة دعماً أساسياً للمعارضة السياسية والعسكرية، كما شنت منذ العام 2016 ثلاث عمليات عسكرية واسعة في سوريا، استهدفت بشكل أساسي المقاتلين الأكراد، وتمكنت قواتها بالتعاون مع فصائل سورية موالية لها من السيطرة على منطقة حدودية واسعة في شمال سوريا.
في حين تشترط دمشق الانسحاب التركي الكامل لإجراء أي مفاوضات.
إلا أن الأسابيع الأخيرة كانت شهدت تطورات كثيرة في هذا الملف، إذ دعا الرئيس التركي مرارا نظيره السوري لزيارة، في حين أكد الأخير على أنه لا يمانع عودة العلاقة لكنه طالب بمزيد من التفاصيل عن الأهداف.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!