د. علي محمد الصلابي - خاص ترك برس

سورة آل عمران سورةٌ مدنيةٌ، يبلغ عدد آياتها مئتَي آيةً، وتُعدّ من السور الطِّوال في القرآن، وحسب ترتيب السُّور في المصحف فهي السورة الثالثة في الجزء الرابع.

سُمِّيت سورة آل عمران بهذا الاسم؛ لأنّ الله تعالى ذكر فيها عمران أب مريم البتول (عليها السلام) وأهله، والتسمية توقيفيّةٌ؛ أيّ أنّ الرسول محمد ﷺ أشار على الصحابة (رضي الله عنهم) بتسميتها. وإنّ تسمية بعض سُور القرآن كانت بالنظر إلى ما ورد فيها من قصصٍ وأحداثٍ، كتسمية سورة البقرة؛ إذ سُمِّيت بذلك لورود قصة البقرة فيها، أمّا عُمران، فهو والد مريم أمّ عيسى (عليهما السلام)، وقد ذكر الله في سورة آل عمران قدرة الله سبحانه وإعجازه في ولادة مريم، وابنها عيسى (عليهما السلام)، وتحدثت السورة عن معجزات سيدنا عيسى (عليه السلام)، وأبطلت ادعاءات الشرك مع الله، وإثبات الألوهية لله وحده، وتكلمت عن الجهاد في سبيل الله، وأشارت إلى أحداث معركة بدر وغزوة أُحد، وتناولت مجموعة من الأخلاق والآداب التربوي النبوية مثل التقوى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ومن الأسماء التي سُمِّيت بها سورة آل عمران "الزهراء"؛ إذ ثبت في الصحيح أنّ النبيّ ﷺ قال فيها: «اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ، اقْرَؤُوا الزَّهْراوَيْنِ البَقَرَةَ، وسُورَةَ آلِ عِمْرانَ». [رواه مسلم (804)]

- سبب نزول سورة آل عمران:

نزلت بسبب وَفْد قبيلة نَجْران، وكان ذلك في السنة الثانية للهجرة، وكان أهل نجران متدينين بالنصرانية، وهم من أصدق العرب تمسكا بدين المسيح، وفيهم رهبان مشاهير، وقد أقاموا للمسيحية كعبة ببلادهم.

روى ابن أبي حاتم: عن الربيع بن أنس قال: إنّ النصارى أتَوا رسولَ الله ﷺ، فخاصموه في عيسى ابن مريم، وقالوا له: مَن أبوه؟ وقالوا على الله الكذب والبهتان، فقال لهم النبي ﷺ: «ألستم تعلمون أنّه لا يكون ولدٌ إلا وهو يُشْبِه أباه؟». قالوا: بلى. قال: «ألستم تعلمون أنّ ربنا حَيٌّ لا يموت، وأنّ عيسى يأتي عليه الفناء؟». قالوا: بلى. قال: «ألستم تعلمون أنّ ربَّنا قَيِّمٌ على كل شيء يَكْلَؤُه ويحفظه ويرزقه؟». قالوا: بلى. قال: «فهل يملك عيسى مِن ذلك شيئًا؟» قالوا: لا. قال: «أفلستم تعلمون أنّ الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء؟» قالوا: بلى. قال: «فهل يعلم عيسى من ذلك شيئًا إلا ما علم؟». قالوا: لا. قال: «فإنّ ربَّنا صَوَّرَ عيسى في الرَّحِم كيف شاء. ألستم تعلمون أنّ ربَّنا لا يأكل الطعام، ولا يشرب الشراب، ولا يحدث الحدث؟». قالوا: بلى. قال: «ألستم تعلمون أنّ عيسى حَمَلَتْهُ أمُّه كما تحمل المرأةُ، ثُمَّ وضَعَتْه كما تَضَعُ المرأةُ ولدَها، ثُمَّ غُذِّي كما تُغَذِّي المرأةُ الصبيَّ، ثُمَّ كان يأكل الطعام ويشرب الشراب ويحدث الحدث؟». قالوا: بلى. قال: «فكيف يكون هذا كما زعمتم؟». فعرفوا، ثم أبَوْا إلا جُحودًا؛ فأنزل الله: {الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم}

وقال آخرون من أهل العلم إنّ سورة آل عمران نزلت بعد سورة الأنفال؛ أي في شهر شوّال من السنة الثالثة للهجرة؛ بسبب غزوة أُحد، وتجدر الإشارة إلى أنّ المُفسّرين اتّفقوا على أنّ كلّاً من قول الله (عزّ وجلّ): ﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ﴾ [سورة آل عمران: 121]، وقوله أيضاً: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾  [سورة آل عمران: 144]، نزلَ في غزوة أُحد، ونُقِل عن الإمام القرطبيّ أنّ أوّل سورة آل عمران نزل في الحديث عن وَفْد نجران.

فَضْل سورة آل عمران:

يبّن النبيّ ﷺ فَضْل سورة آل عمران؛ فقال: «اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ، اقْرَؤُوا الزَّهْراوَيْنِ البَقَرَةَ، وسُورَةَ آلِ عِمْرانَ، فإنَّهُما تَأْتِيانِ يَومَ القِيامَةِ كَأنَّهُما غَمامَتانِ، أوْ كَأنَّهُما غَيايَتانِ، أوْ كَأنَّهُما فِرْقانِ مِن طَيْرٍ صَوافَّ، تُحاجَّانِ عن أصْحابِهِما» [رواه مسلم (804)]، وقال الإمام النووّي (رحمه الله): "سميَتا بذلك؛ لنورهما، وهدايتهما، وعظيم أمرهما"، ويُقصَد بذلك: أنّ ثواب سورتَي البقرة وآل عمران يُظِلّ العبد يوم القيامة، كما أنّ الصحابة (رضي الله عنهم) كانوا يُعظّمون سورة آل عمران، يروي في ذلك الصحابيّ أنس بن مالك (رضي الله عنه): «كان رجُلٌ يكتُبُ بين يدَيْ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قد قرَأَ البقرةَ وآلَ عِمرانَ، وكان الرجُلُ إذا قرَأَ البقرةَ وآلَ عِمرانَ يُعَدُّ فينا عظيمًا». [رواه شعيب الأرناؤوط، عن أنس بن مالك (12216)]

وروى الدارمي في «مسنده» : أن عثمان بن عفان قال: «من قرأ سورة آل عمران في ليلة كتب له قيام ليلة» وسماها ابن عباس.


المراجع:

ابن جرير الطبري، 5/ 174 – 175 مرسلًا، وكذا ابن أبي حاتم 2/ 585 (3124)، 8/ 2514 (14076) واللفظ له. انظر: «موسوعة التفسير المأثور»، (5/ 6).
صالح بن عواد المغامسي، تأملات قرآنية، صفحة 2، جزء 4.
محمد آل عبد العزيز، محمود الملاح (2010)، فتح الرحمن في بيان هجر القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 83، جزء 1.
محمد بن عاشور (1984)، التحرير والتنوير، تونس: الدار التونسية للنشر، صفحة 144-145، جزء 3.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس