د. علي محمد الصلابي - خاص ترك برس

تعدًّ سورة النِّساء إحدى السُّور المدنيَّة، وقد نزلت بعد سورة الممتحنة؛ التي نزل بعضها في السَّنة الثَّامنة للهجرة في غزوة الفتح، وبعضها الآخر في السَّنة السَّادسة للهجرة في غزوة الحديبية. ويبلغ عدد آياتها مئةٌ وستٌ وسبعون آيةً، أمَّا ترتيبها بين سور القرآن الكريم فهي السَّورة الرَّابعة بعد الفاتحة، والبقرة، وآل عمران، وترتيبها بين طوال السُّور فهي السُّورة الثَّالثة.

سبب تسمية سورة النساء سمِّيت سورة النِّساء بهذا الاسم في كلام السَّلف لما ثبت عن عائشة أمِّ المؤمنين (رضي الله عنها) أنَّها قالت: (وما نزلتْ سورةُ البقرةِ والنساء إلَّا وأنا عنده) [رواه البخاري]، ويعود سبب تسميتها بهذا الاسم؛ لكثرة حديثها عن الأحكام التي تخصُّ النِّساء وما يتعلَّق بهنَّ، حتى أنَّها تعدُّ أكثر سور القرآن الكريم حديثاً عن ذلك، وتجدر الإشارة إلى أنَّ سورة النِّساء تُعرف بسورة النِّساء الكُبرى وذلك لتمييزها عن سورة النِّساء الصُّغرى وهي سورة الطَّلاق، وقيل إنّها تُسمّى بسورة (الفرائض) أيضاً. ومحورها الأساسي: العدل والرحمة.

أسباب النزول في سورة النساء:

قال الله تعالى في سورة الِّنساء: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، وسبب نزول هذه الآية أنَّ قوماً حفاةً عراةً يلبسون جلود النُّمور لشدَّة فقرهم وحاجتهم جاءوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فتأثَّر لسوء حالهم فما كان منه ﷺ إلَّا أنَّ صلَّى وخطب بالنَّاس وتلا هذه الآية ليحثَّ النَّاس على الصَّدقة؛ فَهَمّ النَّاس بذلك.

وأمَّا قوله تعالى: (وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا)، فقد نزل في رجلٍ من غطفان كان قد منع ابن أخيه اليتيم من أخذ ماله عندما طلبه إيَّاه، فتخاصما عند رسول الله ﷺ، فنزلت هذه الآية تأمر بدفع مال اليتامى إليهم، وتنهى عن فعل أحدهم؛ وهو تبادل غنمه مع غنم اليتيم فكان يأخذ الشَّاة السمينة منه، ويعطيه أخرى ضعيفةً مهزولةً ويقول شاة بشاة.

مقاصد سورة النساء:

1- الاهتمامُ بالعقيدة وتوحيدِ الله سبحانه وتعالى وقضايا الإيمان، والردُّ على العقائد الباطلة، وإيضاح الحُجَّة على صِحَّة نبوَّة محمَّد صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والتحذير من المنافقين.

2- العناية بالأُسرة، وتنظيم العلاقة بين الزوجينِ، وحقوق الأرحام، وبيان نظام الإِرْث، وتقسيم التَّرِكات.

3- الاهتمام بأُسُس بناء الدولة الإسلاميَّة، ومقوِّماتها، والجهاد في سبيل الله.

4- الاهتمامُ بحِفظ الدِّماء وأحكامها، وحِفظ الأموال، ورعاية حقوق اليتامى.

ومما جاء في فضلها:

عن عائشةَ (رضِي اللهُ عنها)، عن رسولِ الله ﷺ، قال: ((مَن أخَذ السَّبْعَ الطوال، فهو حَبرٌ)). [رواه أحمد (2305)]

والسبع الطوال هُنَّ: البقرة - آل عمران – (النساء) – المائدة – الأنعام – الأعراف – التوبة.


المراجع:

1- ابن عاشور، التحرير والتنوير، تونس: الدار التونسية، صفحة 211، جزء 4.

2- نبيل صقر، منهج الإمام الطاهر بن عاشور في التفسير (الطبعة 1)، القاهرة: الدار المصرية، صفحة 44.

3- ابن عاشور (1984)، التحرير والتنوير، تونس: الدار التونسية، صفحة 211-214، جزء 4.

4- محمد طنطاوي، التفسير الوسيط للقرآن الكريم (الطبعة 1)، القاهرة: دار نهضة مصر، صفحة 7-8، جزء 3.

5- محمد الهرري، تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (الطبعة 1)، بيروت: دار طوق النجاة، صفحة 367، جزء 5.

6- عبد الكريم الخطيب، التفسير القرآني للقرآن، القاهرة: دار الفكر العربي، صفحة 681، جزء 2.

7- سعيد حوى، الاساس في التفسير (الطبعة 6)، القاهرة: دار السلام، صفحة 975-977، جزء 2.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس