ترك برس
سلط تقرير للخبير والكاتب الصحفي التركي يحيى بستان، الضوء على نتائج الاجتماع الرابع بين تركيا والعراق، الذي عقد في أنقرة برئاسة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ونظيره العراقي فؤاد حسين. وتناول الاجتماع قضايا مهمة تتعلق بمكافحة الإرهاب ونتائجها الرئيسية.
وتطرق الكاتب في تقريره بصحيفة يني شفق إلى الأسباب التي تجعل تركيا تولي اهتمامًا كبيرًا بالعراق، مثل تأثير استقرار العراق أو عدم استقراره على الأمن التركي. ويشمل ذلك التأثير المباشر للتهديدات الإرهابية القادمة من مناطق غير مستقرة.
كما تناول التحديات التي تواجه حكومة العراق بقيادة محمد شياع السوداني، بما في ذلك الاعتماد الكبير على النفط، وضعف القطاع الخاص، ومشاكل البنية التحتية، ومعدلات البطالة بين الشباب، ومشكلة المياه بسبب الجفاف والتصحر، وتأثيرات التغير المناخي.
وفيما يلي نص التقرير:
لا يقتصر ملف العراق على قضية الإرهاب فقط. هناك مواضيع استراتيجية متعددة أخرى تندرج ضمن المناقشات بين البلدين. علاوة على ذلك، علمت أن هناك تقدمًا في حل مشكلة أخرى قديمة. سأتحدث عنها في هذا المقال، ولكن يجب أولاً التأكيد على بعض النقاط.
لماذا تولي أنقرة اهتمامًا كبيرًا بالعراق؟ يمكن إيراد عدة أسباب لذلك، ولكن السبب الرئيسي هو أن استقرار العراق أو عدم استقراره يؤثر بشكل عميق على تركيا. وتواجه أنقرة بشكل مباشر التهديدات الإرهابية التي تصدرها دولة غير مستقرة لا تتحكم بشكل كامل في أراضيها. من هذا المنطلق، تنظر أنقرة إلى العلاقات مع العراق من زاوية "تعزيز الفوائد المتبادلة والحفاظ على المصالح المشتركة وتحقيق المكاسب". وهذا يتماشى مع النهج الدبلوماسي الذي يركز على تحقيق الرفاهية والاستقرار، والذي تم تطبيقه منذ فترة. ويبدو أن حكومة السوداني في بغداد تتبنى هذا النهج أيضًا.
لمحة سريعة عن العراق
تواجه حكومة السوداني مجموعة من التحديات الكبيرة، حيث يعتمد اقتصاد العراق بشكل رئيسي على النفط، وتشكل عائدات النفط 95% من الاقتصاد، بينما تفتقر البلاد إلى القدرة على معالجة النفط. أما القطاع الخاص لا يزال غير متطور، والبنية التحتية تعاني من مشاكل جسيمة.
يبلغ عدد سكان العراق حاليًا 45 مليون نسمة (مع معدل نمو سكاني قدره 2.2، ومن المتوقع أن يصل العدد إلى 50 مليونًا بحلول عام 2030). يعيش نحو 13 مليون شخص على الإعانات الحكومية، وتواجه البلاد صعوبات كبيرة في توظيف الشباب.
تشكل الفئة العمرية تحت 25 عامًا 60% من السكان. وعندما يفتقر الشباب إلى فرص العمل، قد ينضم البعض إلى ميليشيات أو جماعات إرهابية (تحاول منظمة بي كي كي الإرهابية تجنيد الأفراد مقابل 300-400 دولار). لذلك من الضروري توفير فرص عمل ومصادر رزق لهذه الفئة الكبيرة.
يوجد نظام حصص سياسي في العراق يتطلب توزيع المناصب العليا بين المكونات المختلفة. وفقًا لهذا النظام، يجب أن يكون الرئيس من الأكراد، ورئيس الوزراء من الشيعة، ورئيس البرلمان من السنة. يؤثر هذا التوزيع أيضًا على التعيينات في المناصب البيروقراطية، مما يساهم في خلق هيكل حكومي غير فعال. ويبلغ متوسط وقت العمل الفعّال للموظف يوميًا حوالي 17 دقيقة فقط.
الاقتراح جاء من بغداد
تدفع هذه الأوضاع رئيس وزراء العراق، محمد شياع السوداني، إلى تنويع الاقتصاد والبحث عن استثمارات وإنتاجات جديدة. ولتحقيق هذا الهدف، يعتبر الاستقرار والأمان أمرين حيويين. ونتيجة لذلك تم تطوير مشروع "طريق التنمية" التاريخي. على عكس ما هو شائع، فإن فكرة المشروع تعود للعراق. حيث تسعى بغداد إلى فتح اقتصادها أمام العالم.
وقد أعربت بغداد عن رغبتها في تنفيذ هذا المشروع عبر تركيا، وطرحت فكرة "لنقم بهذا العمل بشكل مشترك". وقد وافقت أنقرة على هذا العرض، مما حول فكرة مشروع طريق التنمية إلى واقع استثماري.
مشروع طريق التنمية هو مشروع استراتيجي يهدف إلى ربط العراق بالعالم، وتركيا بمنطقة الشرق الأوسط والخليج. سيربط الطريق بين ميناء الفاو في البصرة ومدينة الموصل، ثم يمتد إلى إدارة إقليم شمال العراق. حتى الآن، التفاصيل المتعلقة بالمسار الذي سيتبعه الطريق في إقليم شمال العراق لا تزال قيد النقاش في العراق.
وتعتبر أنقرة هذا المسار مسألة داخلية تخص العراق. وعندما يتحدد المسار النهائي، ستقوم تركيا بإكمال الاتصال عبر أراضيها باستخدام السكك الحديدية، وإذا لزم الأمر، عبر الطرق البرية.
التوافق الحاسم بشأن قضية المياه
لننتقل إلى الموضوع الرئيسي (حل المشكلة القديمة). العراق يعاني من التصحر والجفاف، وهو من بين الدول التي شهدت أولى موجات الهجرة الجماعية نتيجة تغير المناخ العالمي، حيث يُصنف كخامس أكثر البلدان تعرضًا لتغير المناخ وفقًا للأمم المتحدة. لذا، العراق في حاجة ماسة إلى المياه، وكانت هذه القضية على جدول أعمال البلدين لسنوات عديدة.
لطالما طلب العراق زيادة كمية المياه التي تُترك له من نهري الفرات ودجلة. وقد طلب العراق أيضًا تكرار الاتفاق الذي كان قد تم مع سوريا، والذي ينص على تدفق 500 متر مكعب من المياه في الثانية. وقالوا: "حددوا لنا أيضًا كمية ثابتة". لكن أنقرة تعتبر هذا الطلب غير عملي بسبب تأثيرات تغير المناخ والجفاف.
وبدورها أوضحت أنقرة لبغداد أن المشكلة ليست في كمية المياه المتروكة، بل في سوء استخدام المياه في العراق. وتعاني البنية التحتية من مشاكل كبيرة، وتقنيات الاستخدام لا تركز على الكفاءة والتوفير. جزء كبير من المياه يتبخر بسبب نقص البنية التحتية. وفقًا للبيانات العراقية، نصيب الفرد من المياه هو 400 لتر، يتم إهدار 80% منها، ولا توجد عملية إعادة تدوير للمياه العادمة. الخلاصة: بنية العراق التحتية غير ملائمة للاستخدام الفعال للمياه، لذا تحديد كمية ثابتة لن يحل المشكلة.
توضيح أنقرة لهذه النقاط أدى إلى تغيير في موقف بغداد. حيث قررت العراق تعزيز بنيتها التحتية وتريد من تركيا والشركات التركية أن تتولى مسؤولية قضايا البنية التحتية وإدارة المياه والنمذجة المالية. وبالتالي، من المتوقع أن تُحل مشكلة المياه بشكل أفضل في المستقبل القريب.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!