ترك برس
قال عمر أونهون، آخر سفير تركي في دمشق، إن علاقات بلاده مع إسرائيل نحو الأسوأ، لا سيما بعد التصريحات الأخيرة للرئيس رجب طيب أردوغان، والتي ألمح فيها إلى احتمال وقوع اشتباك عسكري مع إسرائيل، عوامل جديدة من التوتر إلى العلاقات المتوترة أصلا بين البلدين.
وأضاف في مقال له على موقع "المجلة"، أنه في عام 1948، كانت تركيا أول دولة في العالم الإسلامي تعترف بإسرائيل وتقيم علاقات دبلوماسية معها. ورغم أن العلاقات بين البلدين لم تكن دوما سلسة على مر السنوات، حيث شهدت استدعاء للسفراء وتخفيضا لمستوى التمثيل الدبلوماسي في بعض الأحيان، فإنها استمرت إلى الحد الذي جعل البلدين توقعان اتفاق تعاون دفاعي عام 1996.
وفيما يلي تتمة للمقال:
تلقى الطيارون الإسرائيليون تدريبهم في تركيا، وازدهرت التجارة بين البلدين وأصبحت تركيا- الواحة الموجودة في وسط بيئة معادية- الوجهة المفضلة للسياح الإسرائيليين.
ومع صعود حزب "العدالة والتنمية" بزعامة أردوغان إلى الحكم بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تطورت العلاقات بين البلدين إلى مستوى جديد ومختلف.
كان رد فعل أردوغان القوي على اغتيال إسرائيل لمؤسس "حماس"، الشيخ أحمد ياسين، في عام 2004، بمثابة مقدمة للتوترات القادمة. منذ ذلك الحين، شهدت العلاقات كثيرا من الأزمات التي حولتها من سيئ إلى أسوأ. ففي عام 2009، صرخ أردوغان في وجه الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس خلال بث مباشر في منتدى دافوس الاقتصادي، ثم غادر المنصة. وبعد عام، داهمت قوات الكوماندوز الإسرائيلية سفينة "مافي مرمرة" في المياه الدولية، وهي سفينة كانت تحمل مساعدات إلى غزة، وقتلت عشرة أتراك.
وبعد سنوات من التوتر والكراهية المتبادلة العميقة، التقى نتنياهو وأردوغان في نيويورك في سبتمبر/أيلول 2023، حيث التقط الزعيمان صورا ودية أمام الكاميرات، وأعلن أردوغان أن نتنياهو سيقوم بزيارة رسمية إلى تركيا خلال الشهرين المقبلين.
ولكن، بدلا من التحسن، اتخذت العلاقات منعطفا آخر نحو الأسوأ عندما شنت إسرائيل عملية عسكرية واسعة النطاق ضد غزة في أعقاب هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول. ومنذ ذلك الحين، تبنى أردوغان خطابا صارما تجاه إسرائيل، وأوقف التبادل التجاري مع تل أبيب حتى إشعار آخر.
بدأت تركيا تنشط بشكل واضح في مختلف المنصات الدولية لمحاولة وقف الهجوم الإسرائيلي على غزة. واستنكر أردوغان وجميع السياسيين الأتراك، بما في ذلك أعضاء حزب المعارضة الرئيس، دعوة نتنياهو لإلقاء خطاب في الكونغرس الأميركي وعقده اجتماعات مع الرئيس الأميركي والمرشحين الرئاسيين.
وعند سؤاله من قبل أحد السياسيين المعارضين الأتراك عن سبب عدم دعوة محمود عباس لإلقاء خطاب أمام البرلمان التركي، أجاب أردوغان بأنه قد وجه الدعوة بالفعل، لكن عباس رفضها. وأوضح أردوغان أنه يتوقع الآن اعتذارا من عباس.
ويشاع أن عباس رفض الدعوة بسبب استمرار العلاقات التجارية بين تركيا وإسرائيل على الرغم من الخطاب القوي الذي يتبناه أردوغان.
وأكد السفير الفلسطيني في أنقرة، فائد مصطفى، للصحافة التركية أن عباس سيقوم قريبا بزيارة رسمية إلى تركيا للقاء أردوغان. وأضاف أن المحادثات جارية عبر القنوات الدبلوماسية لتحديد توقيت وتفاصيل برنامج الزيارة.
ودعا أحمد داود أوغلو- الذي شغل منصب وزير الخارجية ورئيس الوزراء في عهد أردوغان ثم انفصل عن حزب "العدالة والتنمية" وأسس حزبه السياسي الخاص- أردوغان إلى دعوة إسماعيل هنية، زعيم "حماس"، لإلقاء كلمة أمام البرلمان التركي.
لم يستجب أردوغان لمقترح داود أوغلو، على الأقل حتى الآن، لكن إسماعيل هنية قال إنه سيتشرف بإلقاء كلمة أمام البرلمان التركي.
وتدعم تركيا المصالحة الفلسطينية بشكل فعال، ومن المعروف أنها شاركت في عدة محاولات لتحقيق هذا الهدف. وفي الواقع، في اليوم الذي وقع فيه هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كان هناك اجتماع يضم مسؤولين من "حماس" و"فتح" في إسطنبول.
وعلى الرغم من هذه الصورة، يُقال إن محمود عباس يعتبر أردوغان قريبا من "حماس" بسبب الانتماء الأيديولوجي. وفي المقابل، ينظر أردوغان إلى عباس على أنه شخص خاضع لإسرائيل وغير قادر على تمثيل الفلسطينيين والقضية الفلسطينية بشكل فعال.
المنطق الذي استخدمه أردوغان لتفسير قلق تركيا من الحرب في غزة مثير للاهتمام، حيث أوضح للجمهور أن خط الدفاع عن الأناضول يبدأ في غزة. وقال أردوغان: "من يستطيع أن يضمن أن أولئك الذين يدمرون غزة اليوم لن يحولوا أعينهم القذرة إلى الأناضول غدا؟".
وفي خطاب ألقاه أمام أنصار حزبه قبل يومين في ريزا، وهي مدينة محافظة على ساحل البحر الأسود، قال أردوغان: "كما دخلنا إلى كاراباخ وليبيا، سنفعل الشيء نفسه معهم (إسرائيل)". وكان يشير بذلك إلى الدور العسكري التركي في استعادة أذربيجان لكاراباخ المحتلة من الأرمن وفي الحرب الأهلية في ليبيا. حيث يُقال إن الطائرات المسيرة والعملاء الأتراك، بالإضافة إلى القوات الخاصة والمجموعات المقاتلة التابعة لهم، لعبوا دورا مهما في تحديد نتيجة القتال في ليبيا وكاراباخ.
ومع ذلك، من الصعب تحديد ما إذا كان أردوغان يعني ما قاله حرفيا، أم إن كلماته أُعطيت معنى يتجاوز ما كان مقصودا بالفعل.
وردّ وزير خارجية الحكومة الأكثر يمينية في إسرائيل، يسرائيل كاتس، بنشر صورة للرئيس أردوغان على حسابه على موقع "X" إضافة إلى الصورة الشهيرة للزعيم العراقي السابق صدام حسين بشعره ولحيته متشابكين في اليوم الذي ألقت فيه قوات التحالف القبض عليه، مرفقا تعليقا يقول: "قد ينتهي به الأمر مثل صدام حسين".
وجاء في منشور كاتس: "أردوغان يسير على خطى صدام حسين ويهدد بمهاجمة إسرائيل. فليتذكر ما حدث هناك وكيف انتهى الأمر".
وخرجت وزارة الخارجية التركية بردّ شبهت فيه نتنياهو بهتلر، قائلة: "إن مصير نتنياهو المجرم سيكون مثل مصير المجرم هتلر، وأولئك الذين يسعون إلى تدمير الفلسطينيين سيحاسبون مثل النازيين".
لم تعد التوترات بين تركيا وإسرائيل مؤقتة أو دورية، بل تتجه نحو تحول العلاقات بين البلدين إلى عداوة دائمة، على غرار العداء بين إيران وإسرائيل.
وتحاول الولايات المتحدة التحدث إلى الجانبين لتخفيف التوتر بين حليفيها. الأمل هو أن لا تتحول الحرب الكلامية إلى مواجهة مباشرة، مما قد يؤدي إلى حرب أكبر بكثير. ومع ذلك، من المتوقع أن تتزايد المواجهة الدبلوماسية في الفترة القادمة.
وعلى الصعيد الداخلي، يتفق الأتراك من كل الأطياف على أن إسرائيل ترتكب جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني. ومع ذلك، تسبب نهج أردوغان في إثارة الجدل والانقسامات داخل الأمة. حيث يشعر المحافظون والإسلاميون بالسعادة إزاء تصريحاته، بينما يرى الآخرون أنها إشكالية وليست في مصلحة تركيا، ولا تسهم في مساعدة الشعب الفلسطيني.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!