إحسان أقطاش - يني شفق
لقد مر ربع قرن سريعًا. كانت تلك السنوات من أبرز فترات السياسة الحيوية ومتعددة الأحزاب في تركيا. كانت تلك سنوات ازدهار التعددية الحزبية والحيوية السياسية في تركيا. فقد شهدت سنوات ذهبية لحزب الرفاه. حيث تمكن الحزب من الفوز ببلديات العديد من المدن الكبرى مثل إسطنبول، وديار بكر، وأنقرة، وقيصري، وقونيا، وكان يتقدم بخطى ثابتة نحو السلطة.
شهدت إسطنبول مناخًا مختلفًا تمامًا. ففي ظل قيادة أردوغان، تحولت إدارة المدينة الفوضوية إلى إدارة منظمة، وفي الوقت نفسه، كانت تجري أنشطة ثورية في مجال لم يحظ باهتمام كبير من قبل.
لقد تم وضع الأسس للسياسة المحافظة في تركيا من خلال الأنشطة الثقافية التي بدأتها بلدية إسطنبول الكبرى عام 1994. فقد جمعت الخبرات السياسية التي تراكمت على مدار أربعين عامًا مع الأنشطة التي نظمتها مديرية الثقافة، مما أدى إلى تقريب الثقافة التركية من الثقافات الأخرى من آسيا الوسطى إلى البلقان، من جهة أخرى كانت إسطنبول تتجه نحو التحول إلى مركز ثقافي عالمي.
كانت الجذور التاريخية لحركة الرؤية الوطنية (مللي جوروش) تكتسب عمقًا ثقافيًا. واليوم، نحن متأخرون عن المستوى الذي وصلنا إليه في عام 1994؛ فقد كانت الرؤية الثقافية التي قدمها أردوغان تسير جنباً إلى جنب مع الاستثمارات العامة. لكن لاحقاً، غابت الثقافة عن اهتماماتنا في خضم الحماس للخدمات والاستثمارات.
يمكن قول الكثير عن إنجازات حزب العدالة والتنمية وحكوماته على مدار العشرين عامًا الماضية. ولكنني أعتقد أن الأساس الحقيقي لهذه الإنجازات قد وضع من خلال الأنشطة الثقافية والأكاديمية التي أجريت في إسطنبول.
في السنوات التي كان كل فرد يطور رؤيته الخاصة، تمكنا من تأسيس شركة أبحاث، وهي شركة "جينار". وقد زارنا المرحوم بحري زنكين ونصحنا بقوله: "إذا لم تتلاعبوا بالقيم، فستصبحون واحدة من أهم شركات الأبحاث في البلاد خلال العقد القادم." فأجبته: "ليس من طبيعتنا أن نقوم بأعمال خاطئة." وقد أعرب الأستاذ الدكتور أورهان تركدوغان الراحل عن رأي مماثل عندما شاهد طريقة عملنا.
لقد حققنا الكثير خلال 28 عامًا. فلم نكتفِ بإجراء الأبحاث ونشر نتائجها، بل عملنا كمعهد بحثي حقيقي. وقد كانت مبادرتنا "مدينتي إسطنبول" حملة مميزة للغاية في مجال التمدن. كما لاقى فيلمنا الوثائقي "مدن إسطنبول" الذي أنتجناه خلال عام 2010، وهو العام الذي كانت فيه إسطنبول عاصمة الثقافة الأوروبية، استحسانًا كبيراً في هذا المجال.
ما زلنا على اتصال بالأكاديميين والمثقفين الذين عملنا معهم منذ البداية. لقد بنينا حولنا ثقافة ونظامًا بيئيًا. وكما اعتدنا منذ أيام الدراسة، كنا ننظر إلى كل قضية على أنها مهمة وطنية. كانت لدينا أولوية واضحة وهي خدمة الوطن والرؤية الوطنية. وقد عملنا دائمًا ضمن إطار المجتمع المدني والأوساط الأكاديمية.
أما عن تقرير "جنار" عن تركيا، فهناك مؤسسات تقوم بإعداد تقارير شهرية لمشتركيها في قطاع الأبحاث. وحرصًا منا على الإسهام في هذا التقليد المحدود، شرعنا في إعداد تقرير عن تركيا منذ فترة طويلة. ونعتقد أن هذا التقرير سيقدم معلومات قيمة لمجموعة واسعة من القراء، بدءًا من رجال الأعمال وصناع القرار وصولًا إلى منظمات المجتمع المدني وقادة الرأي، إلى المحللين السياسيين الذين يتابعون تركيا والدبلوماسيين في بلدنا.
قمنا بتحليل الشأن السياسي التركي بالتعاون مع الدكتور أورال أكوزوم. ويتناول البروفيسور بيرول أكغون قسم السياسة الخارجية، بينما يقوم البروفيسور راسم أوزجان بتقييم القسم الاقتصادي. ويتولى الدكتور بكر جانتمير تحليل قضايا المدينة والبيئة، والدكتور تاج الدين قوتاي قسم الاتجاهات. وسنخصص في كل عدد مقالًا يتضمن رؤى فكرية عميقة في مختلف المجالات. وسيكون كاتب مقال الرؤية في هذا العدد هو الدكتور بولنت يافوز.
نعتقد أن تقرير جنار عن تركيا، الذي سيصدر شهريًا، سيكون مساهمة جوهرية في فهم السياسة والاقتصاد والاجتماع في تركيا وتوجيه مستقبلها.
ابتداءً من شهر أكتوبر، سيكون تقرير جنار عن تركيا متاحًا حصريًا لعملائنا الأعزاء. ونأمل أن يساهم هذا التقرير في بناء ذاكرة سياسية دائمة لبلدنا، وأن يكون مرجعًا موثوقًا به للباحثين الأجانب المهتمين بالشأن التركي. ونتوكل على الله في ذلك.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس