ترك برس

قدم تقرير للكاتب والخبير التركي نيدرت إيرسانال، تحليلا لجدوى انضمام تركيا إلى مجموعة البريكس في ضوء تجربة شراء منظومة الـ"إس-400" من روسيا قبل سنوات، واستكشاف أسباب انتقال أنقرة من الغرب إلى الشرق وكيفية تأثير ذلك على سياساتها الدولية.

ورأى الكاتب أن البعض يدعي بأن مصير طلب الانضمام إلى مجموعة البريكس سيكون مشابهاً لقضية إس-400، دون أن يدركوا أن نهاية إس-400 كانت في الواقع انضمام تركيا إلى البريكس، وليس هنالك ما يُسمى بـ "نهاية منظومة إس-400"، هذه مسألة أخرى تمامًا، لكن السبب في انضمام تركيا إلى مجموعة البريكس هو تلك العقوبات التي فرضت عليها والعديد من الممارسات السيئة الأخرى التي تعرضت لها.

وأضاف في تقريره بصحيفة يني شفق: لطالما مدّت تركيا يدها للغرب حتى في أصعب الأوقات التي تعرضت فيها لأشد الظلم والهجمات، ولكنها في النهاية استنفدت كل خياراتها. وعندما اشترت أنقرة منظومة إس-400، لم تفكر في تدمير علاقاتها مع الغرب والانحياز إلى الشرق. كانت تسعى إلى كسر دورة طويلة الأمد من الخضوع والطاعة التي تحولت إلى رد فعل، وإلى توسيع نطاق استقلالها.

وقال: كتبنا الكثير عن هذا الموضوع وناقشناه في آلاف القنوات. والواقع الحالي الآن يؤكد صحة موقفنا. أما أولئك الذين صاحوا بأن "شراء منظومة إس-400 كان خطأً وأننا خسرنا مقاتلات إف-35"، فقد كانوا في الواقع يخشون قطع العلاقات مع الغرب. وبالنسبة لبعضهم، لم تكن مصالح تركيا واحتياجاتها مهمة. ولكن هؤلاء المدافعين عن الاستعمار لم يروا تراجع الغرب وعماه وتقادمه. ورغم أن الحقائق الملموسة ماثلة أمام أعينهم كجبل شاهق، إلا أنهم يصرون على تجاهل الحقائق الجديدة للشرق لمجرد أن الغرب يقول ذلك.

وتابع التقرير:

دعوني أذكر مثالاً آخر: عندما غادر السفير الأمريكي السابق جيف فليك، تركيا كان لا يزال يردد عبارة "إذا حللتم قضية إس-400، يمكننا التفكير في بيعكم مقاتلات إف-35". فماذا سيقولون الآن عن طلب تركيا الانضمام إلى مجموعة بريكس؟ أو عن رغبتها في الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون؟

"لا ينبغي لدولة عضو في الناتو أن تفعل ذلك" "نحن لسنا سعداء برغبة دولة مرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في القيام بذلك" فهل يتساءل أحد في الغرب عن سبب حدوث ذلك؟

لم تكن تركيا مجرد عضو عادي في المنظمات الدولية الغربية. بل كانت دولة قد استوعبت قيم الغرب وتقاليده على حساب كرامتها وحريتها. والآن دعونا نتحقق من مدى صواريخ S-400.

 

يجب أن يكون الخط التركي أكثر وضوحًا

كيف يمكنكم أن تتجاهلوا تراجعكم وألا تروا صعود الشرق؟ وكيف يمكنكم أن تستمروا في شن الحروب وإراقة الدماء وسحق حلفائكم؟ ألا زال هناك مكان لمثل هذه السياسة في العالم؟

وبالطبع لا يفهمون، بل وصلوا إلى مستوى مذهل من الغباء، فهم يعتقدون أن تركيا تنتقل من الغرب إلى الشرق (لقد شرحت هذا بالتفصيل في مقالي السابق) بل إنها ترسم طريقها الخاص.

هل نعتقد حقًا أن أنقرة، حتى لو انضمت إلى "بريكس" ومنظمة شنغهاي للتعاون، ستغفل عن المخاطر التي قد تهدد مسارها المستقل؟ هل نظن أنها تتجاهل أن قلة خبرة هذه المنظمات وبعض القضايا التي تحتاج إلى تسويتها بين أعضائها قد تخلق مشاكل؟

تركيا تسعى من خلال الانضمام إلى هذه المنظمات إلى رسم مسارها الخاص وبناء أسس متينة، والتقدم بخطى ثابتة من خلال تعزيز التعاون مع منظمات أخرى مثل منظمة الدول التركية. وتهدف إلى اغتنام الفرص التي تتيحها "فترة التحول العالمي" لتحقيق هذه الأهداف منذ البداية. أليست هذه مهاماً صعبة ومعقدة؟

 

لا يمكن للغرب أن ينجو من أزمته بمجرد محاولته التشبث بماضيه

هناك العديد من الأمثلة الأخرى، ولكنني سأقتصر على تصريح حديث لرئيس البرتغال يقول فيه: "بغض النظر عن الفائز في الانتخابات الأمريكية القادمة، فالعالم سيشهد تغييراً كبيراً. ولن يكون وضع القوى الصاعدة مثل روسيا وجنوب إفريقيا والبرازيل والهند وتركيا كما هو عليه الآن. إننا نشهد نهاية عصر في أوروبا والعالم، ونحن على وشك مواجهة أزمة عميقة."

لقد كتبنا لأسابيع طويلة: إن الاعتقاد بأن الولايات المتحدة والغرب بشكل عام سيتمكنان من التعافي والعودة إلى سابق عهدهما وأن الشرق سيرجع إلى ما كان عليه سابقاً، بعد الانتخابات الأمريكية هو اعتقاد خاطئ، فهذه ليست حقائق عالمنا.

وعلينا أن نوضح الرمزية في اختيار الدول التي ذكرها الرئيس البرتغالي: روسيا تمثل أوروبا وآسيا، وجنوب إفريقيا تمثل إفريقيا، والبرازيل تمثل أمريكا اللاتينية، والهند تمثل آسيا وآسيا الغربية والصين، أما تركيا فتمثل الشرق الأوسط وبحر قزوين والبحر الأبيض المتوسط والبلقان. أي أن هناك قلة قليلة من الغربيين ما زالوا يفهمون تحولات القارات ولا يعانون من فقدان بوصلتهم الجيوسياسية.

وقد لفتت حادثة مصادرة طائرة رئيس فنزويلا ـ التي هي في الواقع سرقة ـ انتباه الرأي العام العالمي بشكل كبير، نظرًا لوضوحها ووقوعها في العلن، لكن الولايات المتحدة لا تقتصر على مثل هذه الأعمال، بل تقوم بمصادرة أموال الدول الأخرى.

عندما صادرت الولايات المتحدة مئات المليارات من الدولارات الروسية في أوروبا، أبدت الصين قلقها البالغ، محذرة من أن الولايات المتحدة قد تلجأ إلى نفس الأسلوب معها في المستقبل. وهذا ليس ادعاءً زائفًا، فقد رأينا كيف انهارت اقتصادات حتى حلفاء الولايات المتحدة، وألمانيا مثال حي على ذلك، حيث اضطرت شركاتها المصنعة للسيارات إلى إغلاق مصانعها. فهل هناك ضمانة بأن تركيا لن تواجه نفس المصير؟

حقيبة الأدوات القديمة لم تعد صالحة، نحتاج إلى أدوات جديدة

لا شك أن هناك مئات المخاوف والأسئلة الاستراتيجية التي يجب طرحها والإجابة عليها بشكل صحيح فيما يتعلق بالعالم الجديد والعلاقات التركية مع هذا العالم. ولكن النظام الغربي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية يختلف تمامًا عن النظام العالمي الجديد الذي لا يزال في بداياته. ومن الطبيعي أن ترتكب جميع الدول أخطاء كثيرة خلال هذه الفترة الانتقالية. هذا هو مجرى الحياة. المهم هو تقليل المخاطر قدر الإمكان والاستفادة من الفرص المتاحة.

وفي هذا السياق، يجب علينا التخلص من عادة متأصلة، وهي التمسك بتجارب وخبرة العالم القديم وأن نعتقد أن الأدوات والسياسات القديمة لم تعد صالحة. يجب علينا التخلي عن هذه الأدوات عند محاولة فهم العالم الجديد. وهذا هو الجزء الأصعب. فالترتيب العالمي الجديد، والعلاقات الدولية، والاقتصاد، والجيش، والثقافة، وغيرها من المجالات، تتطلب مجموعة أدوات جديدة. وهذه الأدوات غير متوفرة حاليًا، ويجب بناؤها من الصفر. ولكن أولاً، يجب أن نتوقف عن اللجوء إلى الأدوات القديمة والمهترئة في كل مرة نواجه فيها مشكلة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!