ترك برس
سلط مقال تحليلي للكاتب والخبير التركي يحيى بستان، الضوء على الجهود التي تبذلها إيران لتقليص نفوذ تركيا في المنطقة، ومدى تأثير ممر زنجزور على العلاقات التركية الإيرانية.
وقال بستان في مقاله بصحيفة يني شفق إن إسرائيل تستهدف جميع مصالح إيران في المنطقة، مما يؤدي إلى فقدان طهران لنفوذها. ورغم ذلك، لا ترد إيران على هذه التهديدات، إذ أن استراتيجيتها لا تقوم على المواجهة المباشرة مع إسرائيل، لكنها مضطرة أيضاً للحفاظ على وجودها في المنطقة. فماذا يمكن أن تفعل إيران في هذه الحالة؟ ومن اللافت طهران تقوم ببعض المحاولات لتقليص نفوذ تركيا في المنطقة. كيف ذلك؟
أشار الكاتب التركي إلى أن إسرائيل تستغل الوضع الراهن وتعتبره فرصة مناسبة. هدفها هو ضم غزة، ورغم عدم قدرتها على ذلك، إلا أنها تسعى لإطالة أمد الاحتلال عبر المماطلة في الوصول إلى اتفاقيات لوقف إطلاق النار مع الأطراف المعنية. كما ذكرنا سابقاً، تسعى إسرائيل أيضاً لإنشاء منطقة عازلة في جنوب لبنان وسوريا.
وحذر من أن الهجوم على لبنان بات وشيكاً. حيث أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، أنهم يقومون بتحويل قواتهم إلى الشمال. وقد انتقلت إسرائيل إلى مرحلة جديدة في هجماتها على لبنان من خلال تنفيذ عملية استخباراتية شاملة بعد فترة طويلة من التصعيد. وقد قامت بتفجير أجهزة اتصال وهواتف محمولة مزودة بمتفجرات، يُعتقد أن حزب الله حصل عليها قبل عدة أشهر، على الأرجح من شركة واجهة مرتبطة بالموساد.
ووفقا للكاتب، تهدف هذه الهجمات الإسرائيلية إلى جعل حزب الله عاجزًا عن الحركة. وقبل أي عملية برية محتملة، تسعى تل أبيب إلى كسر مقاومته. تعتبر هذه العمليات ذات تكلفة منخفضة، حيث يتم دفع ثمن الأجهزة من قبل حزب الله، مما يجعل العديد من أعضائه غير قادرين على استخدام السلاح.
وتابع المقال:
هناك بُعد آخر للهجوم، وهو أن إسرائيل تحول الأجهزة التي يستخدمها المدنيون أيضًا إلى أدوات حرب، دون التمييز بين المدنيين والعسكريين. من هذا المنظور، تُعتبر هذه العمليات أعمال إرهابية.
ورغم أن هذه العمليات قد تبدو متطورة، إلا أنها تعكس أسلوبًا شائعًا تستخدمه وكالات الاستخبارات. السبب وراء الضجة التي أثارتها عمليات الموساد هو استخدامها بطريقة غير موجهة ضد هدف معين، بل بشكل قاسٍ ضد شريحة واسعة من الناس. وقد أدت هذه العمليات إلى مقتل مدنيين، وهو ما يعتبر جريمة. استخدم الموساد هذه الأعمال كوسيلة لتعويض سمعتهم المتضررة بسبب الثغرة الكبيرة في المعلومات الاستخباراتية التي حدثت في 7 أكتوبر.
على عكس ذلك، تُولي الاستخبارات التركية اهتمامًا كبيرًا لتمييز المدنيين عن العسكريين. على سبيل المثال، حظر تنظيم بي كي كي الإرهابي استخدام بعض المنتجات الشائعة لأنها كانت تؤثر سلبًا على قدرة عناصرها الإرهابية على الحركة.
أولوية إيران: البرنامج النووي
تسعى إسرائيل إلى إجبار إيران على الرد، مما يسهل عليها استهداف قدراتها النووية. في هذا السياق، قامت إسرائيل باستهداف عناصر إيرانية في لبنان وسوريا، ووجهت ضربة لسفارة طهران في دمشق، وقتلت عددًا من القادة العسكريين الإيرانيين. كما نفذت تل أبيب محاولة اغتيال لإسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحماس، في طهران. وأخيرًا، نفذت هجومًا باستخدام أجهزة الاتصال. كما ذكرت سابقًا، ترفض إيران اتخاذ أي خطوات قبل تحقيق أهدافها النووية (وسنرى ما إذا كان هجوم أجهزة الاتصال سيؤثر على موقفها).
هناك أيضًا تطورات أخرى تدفع إيران للتراجع في المنطقة، بخلاف التوتر مع إسرائيل: أولاً، تشعر طهران بالقلق من جهود النظام في دمشق للانضمام إلى جامعة الدول العربية برئاسة الرياض. ثانيًا، تُظهر العلاقات الوثيقة التي تقيمها تركيا مع العراق (في مجالات مثل مكافحة الإرهاب والتنمية) قلقًا كبيرًا لدى إيران. ثالثًا، أدت الانتصارات في قره باغ إلى فقدان إيران لنفوذها في جنوب القوقاز، مما دفعها إلى اتخاذ موقف أكثر حدة بشأن نقاشات ممر زنجزور. فما هي النتائج المحتملة لهذه التحولات؟
الدلالات تقول: ستزداد التوترات
تتكشف اليوم تطورات جديدة تهم تركيا بشكل وثيق كاستمرار لهذه الدلالات.
أولاً، تشهد عملية الحوار بين أنقرة ودمشق تطورات غير متوقعة. خلال قمة جامعة الدول العربية في القاهرة، عندما صعد وزير الخارجية هاكان فيدان إلى المنصة، كان وزير الخارجية السوري فيصل المقداد قد غادر القاعة. كان هذا التصرف متعارضًا مع الاتجاه العام. وفي اليوم التالي، أعلن المقداد عن شرط جديد للحوار، مخالفًا لموقف الأسد الذي تراجع عن شرط سحب القوات. حيث قال: "يجب على تركيا سحب قواتها من سوريا والعراق لتحقيق تطبيع كامل. وتعتبر الإشارة إلى العراق هنا جديدة ومهمة، إذ إن هذا الطلب يأتي من طهران وليس من دمشق.
رسالة صورة السيلفي: إلى من تُوجَّه من قبل طالباني؟
ثانيا: قامت إيران بخطوتها الأولى في العراق من خلال انتخابات محافظة كركوك. وبعد ذلك، تم إسقاط طائرة مسيّرة تركية في كركوك. حيث علّق المسؤولون في بغداد بالقول: لم نفهم كيف حدث ذلك. كما قام الرئيس الإيراني الجديد، إبراهيم رئيسي، بأول زيارة خارجية له إلى العراق. وشارك بافل طالباني، رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني، صورة سيلفي ودية مع رئيسي من نفس السيارة. وقد كتبنا سابقًا عن علاقات طالباني الوثيقة مع تنظيم بي كي كي الإرهابي وحتى مع الولايات المتحدة، مما يُعتبر رسالة واضحة موجهة إلى تركيا.
ثالثاً. يُعتبر ممر زنجزور مشروعًا استراتيجيًا مهمًا لتركيا، حيث يربطها بالعالم التركي عبر البر. تعارض طهران هذا المشروع، وقد أعلنته "خطًا أحمر" قبل عدة أيام. حيث صرح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقتشي بأن أي تغيير في حدود الدول المجاورة يُعتبر بمثابة خط أحمر بالنسبة لإيران.
الخلاصة: تضيق إسرائيل الخناق على إيران، بينما تسعى إيران لتوسيع نفوذها من خلال سياسات عدوانية في محيطها القريب. من الواضح أن أنقرة تواجه تحديات كبيرة في هذا السياق.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!