ترك برس
جدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، السبت، على ضرورة وأهمية التطبيع بين بلاده والنظام السوري، في حين تتجه الأنظار إلى النقطة الفاصلة أو لقاء مفاجئ ينهي "متاهة القطيعة" المتواصلة بين البلدين منذ 2011.
وفي تصريحات صحفية أدلاها قبيل توجهه إلى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، قال أردوغان إنهم أبدوا رغبتهم بالتطبيع مع دمشق وعقد لقاء مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، وأنهم ينتظرون ردا من "الجانب الآخر".
وكان الرئيس التركي قد صرح بأنه تم تكليف وزير الخارجية هاكان فيدان بتنظيم لقاء مع الرئيس السوري بشار الأسد قد يعقد في دولة ثالثة.
وقال أردوغان خلال مؤتمر صحفي في واشنطن يوم 11 يوليو: "قبل أسبوعين دعوت السيد الأسد لعقد لقاء في بلادي أو في بلاد ثالثة.. وقد تم تكليف وزير خارجيتنا بالعمل على هذه القضية".
وفي السياق أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، أن "تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا" يحظى بأهمية حيوية لجهة التوصل إلى حل شامل في سوريا وتعزيز الأمن الإقليمي.
من جهتها أكدت دمشق أن أي مبادرة لتطبيع العلاقات مع أنقرة يجب أن تبنى على أسس في مقدمتها عودة الوضع الذي كان سائدا قبل العام 2011 ومكافحة المجموعات الإرهابية التي تهدد أمن سوريا وتركيا.
ولم تحرز تركيا والنظام السوري مؤخرا، أي تقدم على صعيد المسار الجديد الذي كشف أولى ملامحه الرئيس أردوغان، وعلّق عليه نظيره، بشار الأسد، بخطابين عبّرا فيهما عن مواقف مليئة بالتفاصيل.
وما يزال مشهد العلاقة من جانب كلا الطرفين يدور ضمن "متاهة" تتعلق في الأساس بـ"مطلب الانسحاب"، مما يثير تساؤلات عن المتوقع والأسباب التي تدفع أنقرة ودمشق للتمسك بمواقفهما المتناقضة على الأرض.
ماذا يريد الأسد وكيف علّقت تركيا؟
وفي أغسطس الماضي، ترك رئيس النظام، بشار الأسد، الباب مفتوحا أمام أنقرة، بقوله إن متطلبات دمشق المرتبطة بالانسحاب التركي من سوريا ليس شرطا مسبقا، لكنها تعتبر هدفا يجب الوصول إليه والبناء عليه "كمرجعية".
وأضاف أيضا أن "عدم الوصول إلى نتائج في اللقاءات السابقة أحد أسبابه هو غياب المرجعية"، متابعا خطابه أمام مجلس الشعب: "سوريا تؤكد باستمرار على ضرورة انسحاب تركيا من الأراضي التي تحتلها ووقف دعمها للإرهاب"، وأن استعادة العلاقات الطبيعية "ستكون نتيجة لهذين المطلبين".
وسرعان ما جاء الرد من جانب وزارة الدفاع التركية، حيث أوضح مستشار الصحفة فيها، العقيد البحري زكي أكتورك، أن "الوجود التركي في سوريا يمنع تقسيم الأراضي السورية، وإنشاء ممر إرهابي هناك".
وأكد أكتورك أن تركيا "تريد أن ترى سوريا ديمقراطية ومزدهرة، وليس سوريا التي تعاني من عدم الاستقرار وتهيمن عليها المنظمات الإرهابية"، مردفا بالقول "وقد صرح رئيسنا شخصيا بأننا مستعدون للمحادثات والحوار على كافة المستويات".
كما تطرقت مصادر من الخارجية التركية لما استعرضه الأسد، ونقلت عنها وسائل إعلام يوم الأربعاء، بينها "CNN TURK"، أن إعادة العلاقات التركية مع دمشق إلى ما كانت عليه قبل 2011، يتلخص في أربعة عناوين رئيسة.
العنوان الأول هو تطهير سوريا من "العناصر الإرهابية" حفاظا على سلامة أراضيها، والثاني قيام سوريا بتحقيق مصالحة وطنية حقيقة مع شعبها في إطار القرار الدولي 2254، والعودة إلى المفاوضات الدستورية، والتوصل إلى اتفاق مع المعارضة.
ويشمل التوقع الثالث تهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين بشكل آمن وكريم، والرابع "ضمان استمرار تدفق المساعدات الإنسانية لمناطق سيطرة المعارضة دون انقطاع".
"عملية مليئة بالمطبات"
ولتركيا قوات كثيرة في مناطق متفرقة بشمال سوريا، وتقدم أيضا دعما لآلاف المقاتلين الذين يتبعون لتحالف "الجيش الوطني السوري" المعارض.
وينسحب دعمها أيضا إلى الشق الإداري والخدمي والسياسي، حيث تستضيف أعضاء كثر من المعارضة السياسية السورية على أراضيها.
في المقابل يعتبر نظام الأسد المسلحين المعارضين في شمال سوريا "إرهابيين".
وعلى مدى السنوات الماضية خاض ضدهم عمليات عسكرية، كما أن الكثير من أعضاء تلك الفصائل المسلحة كانوا قد انتقلوا بأسلحتهم الخفيفة، بموجب اتفاقيات رعتها روسيا في ريف دمشق ودرعا وحمص وسط البلاد.
وتقول كاتبة العمود في صحيفة "حرييت" المقربة من الحكومة التركية، هاندي فيرات إنه وبناء على المواقف والمعطيات الحاصلة يجب أن يكون الجميع مستعدا لـ"عملية مليئة بالمطبات بين تركيا والنظام السوري".
وتشير إلى أن المباحثات على المستوى الاستخباراتي بين أنقرة ودمشق لم تعقد منذ عام، ومع ذلك ربما ستسأنف قريبا بالشراكة مع روسيا وإيران، وعلى مستوى نواب وزراء استخبارات الدول الأربع.
فيرات المقربة من الرئيس التركي إردوغان تؤكد أيضا أنه "لا تغيير في سياسة أنقرة تجاه سوريا حتى الآن"، وتوضح أن موقف تركيا يتخلص في الآتي: العزم على مكافحة الإرهاب، تأمين الحدود، تنشيط عملية أستانة، تنشيط المحادثات الخاصة باللجنة الدستورية السورية.
ويأخذ الموقف التركي أيضا بعين الاعتبار "التداعيات المحتملة لقضية غزة وإسرائيل على سوريا"، وترى الكاتبة واستنادا لما سبق أن "جميع هذه القضايا المطروحة على الطاولة تمثل تحديا".
ولا يعتبر الحديث الذي تورده الصحف التركية المقربة من الحكومة عابرا، ولاسيما أن المسؤولين الأتراك الكبار يواصلون التأكيد عليه في إطلالاتهم المتكررة.
وكان لافتا أن حديث الأسد وتأكيده مرة أخرى على "المرجعية المتعلقة بالانسحاب التركي من سوريا" جاء في أعقاب نبرة حادة أطلقها وزير الدفاع التركي، يشار غولر بقوله إن "أنقرة لن تناقش التنسيق بشأن الانسحاب إلا بعد الاتفاق على دستور جديد، إجراء انتخابات، تأمين الحدود".
هل هناك بوادر تنازلات؟
ومن غير المتوقع تحقيق اختراق كبير على خط العلاقة بين تركيا والنظام السوري دون تغيرات جذرية في الديناميات الحالية، كما يوضح الباحث سمير العبد الله، مشيرا إلى أنه من المحتمل أن يستمر الجمود الحالي في الحوار.
ويقول العبد الله إن "التوصل إلى حل شامل يتطلب تغييرات جوهرية في المواقف والسياسات، وقد تلجأ تركيا إلى استغلال نفوذها في مناطق الشمال السوري للضغط على النظام من أجل تحقيق أهدافها، واتخاذ خطوات استراتيجية تجمع بين المرونة الدبلوماسية والتخطيط والتفاوض على مراحل حيث يتضمن كل مرحلة تقديم تنازلات تدريجية من الطرفين".
ويطرح الباحث مثالا على ما سبق بأن "تركيا يمكن أن توافق على تقليل دعمها للمعارضة السورية، والاستفادة من نفوذ روسيا على النظام لتسهيل المحادثات".
وعلى الصعيد الداخلي "يجب على تركيا أن تجد توازنا بين رغبات الجمهور التركي المتزايدة لإعادة اللاجئين السوريين، وضمانات أمنية ضرورية لمنع تصاعد التهديدات من شمال سوريا".
ويمكن لتركيا أيضا كما يتابع العبد الله "استخدام ورقة اللاجئين للضغط على الاتحاد الأوروبي لدعم جهودها في سوريا، وذلك عبر تقديم مقترحات مشتركة لإعادة الإعمار والمساعدة الإنسانية".
وقد تسهل الخطوة المذكورة عودة اللاجئين بشكل منظم وآمن.
ويؤكد الباحث أنه ولتذليل العقبات "يتطلب من تركيا تقديم مزيج من التنازلات التكتيكية والمبادرات الدبلوماسية، مع الحفاظ على مصالحها الأمنية الأساسية".
ومن جهته يعتقد الباحث أسمر أن مسألة الخروج من المتاهة الحاصلة بين تركيا والنظام السوري "يعتمد على الدور الروسي والإيراني والأميركي".
ويقول إنه وبالنسبة لأنقرة "فهي واضحة ولن تنسحب من سوريا إلا بعد تحقيق الاستقرار السياسي الذي يضمن أمن سوريا وتركيا".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!