أرسين جليك - يني شفق

في 28 تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، انطلقت فعاليات "تجمع فلسطين الكبير" في إسطنبول بمشاركة ملايين الناس. وفي ذلك اليوم خاطب الرئيس أردوغان الغرب قائلاً: " أيها الغرب، أنا أخاطبكم. هل تريدون إحياء صراع الهلال والصليب مرة أخرى؟ إذا كنتم تسعون إلى ذلك، فلتعلموا أن هذه الأمة لم تمت."

وفي مقال لي نُشر في اليوم التالي، طرحت سؤالاً مباشراً: "هل نحن مستعدون؟" ولكم الحق في الرد على هذا السؤال بسؤال: "لأجل ماذا؟" دعوني أجيبكم فوراً: لأجل الحرب الكبرى.

ها قد مر عام على ذلك، ولم تتراجع إسرائيل قيد أنملة عن ارتكاب الإبادة الجماعية. بل دخلت لبنان، وهاجمت سوريا، وبدأت في خوض مواجهات ساخنة مع إيران. أما الولايات المتحدة، فلم تغيّر موقفها إطلاقاً؛ فلا تزال السفن الحربية التي أرسلتها بذريعة غزة راسية في موقعها في البحر الأبيض المتوسط. وفي الوقت ذاته، تراقب دول الاتحاد الأوروبي هذه الأزمة المشتعلة في منطقتنا، وهي تعاني من شعور الإذلال لاضطرارها إلى اتباع ما تقوله أمريكا. وليس لدي أدنى شك في أن القادة الغربيين سيقفون إلى جانب نتنياهو مصطفين كحبات المسبحة عند أول فرصة يجدون فيها مبررًا شرعيًا، باستثناء إسبانيا وأيرلندا وسلوفينيا التي اتخذت موقفاً واضحاً من هذه العملية. أما ألمانيا وفرنسا وإيطاليا فلا تملك حتى الآن رفاهية اتخاذ مثل هذا الموقف.

إن تجاهل حقيقة أن تركيا هي الهدف النهائي لإسرائيل، يتطلب أن يكون المرء مؤيدًا صريحًا لإسرائيل أو أعمى ببساطة. فقد صرح الرئيس أردوغان بشكل واضح في افتتاح البرلمان البارحة بأن حكومة إسرائيل، بدافع ديني متطرف وأوهام "الأرض الموعودة"، وبعد استهداف فلسطين ولبنان، ستضع عينها على أراضينا.

لقد أعلن قائد دولتنا أن المحطة الأخيرة للاحتلال الإمبريالي القائم على الأطماع المنحرفة ستكون تركيا. ولكن دعونا نعود إلى السؤال الذي طرحته آنفا: هل نحن كشعب مستعدون للحرب والمقاومة والصمود؟

قد يقول البعض: "هل لديك أي تحفظات؟" والحق أنني أتردد في الإجابة عن هذا السؤال، لأننا نواجه موقفًا يتجاوز كل التحفظات. علينا أن نعود إلى النقاشات التي ظهرت خلال الأيام الثمانية التي قُيّد فيها الوصول إلى تطبيق إنستغرام لأسباب تتعلق بالحرب التي يراد فرضها علينا.

ففي تركيا وحدها تملك منصة إنستغرام أكثر من 57 مليون مستخدم. وإذا أضفنا يوتيوب وفيسبوك وتيك توك وتويتر وغيرها من المنصات الفعالة، فإن متوسط عدد المستخدمين في بلدنا يصل إلى 70 مليون شخص من جميع الأعمار والفئات. ولا يمكننا أن نمر على كلمة "مستخدم" هنا مرور الكرام، فالأمر ليس مثل استخدام دراجة أو أي جهاز ميكانيكي. لقد بُنيت السوسيولوجيا على هذا المفهوم، حيث تحول الانتماء الافتراضي إلى نوع من الخضوع والولاء المطلق. وفي معادلة "المستخدِم" و"المستخدَمين"، أصبحت الأدوار واضحة جدًا الآن. ومن الواضح أن منصات التواصل الاجتماعي أصبحت أدوات في أيدي مؤسسات أخرى، وتم السيطرة على التحكم فيها من خلال الخوارزميات.

نحن، أي المستخدمون، نتعرض للتلاعب والتوجيه وفقًا لأجندات معينة توجهنا حسب الحاجة. فالقوى التي تتحكم في هذه الشبكات قادرة على حشد الجماهير الغاضبة في الشوارع، أو على العكس من ذلك، حين يتطلب الأمر أيضًا، تُخدر وتخمد أصواتها التي يجب أن تكون في الشوارع. ولا تقتصر هيمنة هذه الشبكات على الشعوب فحسب، بل تمتد لتشمل الدول أيضاً. فمارك زوكربيرج، صاحب فيسبوك وإنستغرام وواتساب الذي يسيطر على أكثر من 4 مليارات شخص حول العالم، معروف لدى الجميع بدعمه لإسرائيل وتبعيته للمصالح الأمريكية.

فهل سنكتفي بمشاهدة الاحتلال ونحن نشهد تقدم إسرائيل نحو أراضيها الموعودة، ونعلم أن هدفها النهائي هو تركيا؟

دعونا نوضح نقطة مهمة: إن التحذيرات المتكررة من وزير الخارجية هاكان فيدان بشأن "الحرب الإقليمية" على مدار عام تقربا، ليست مجرد تصريحات عابرة تختفي بعد دقيقة من نشرها في زحام المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي ليتم استبداله بموضوع آخر غير ذي صلة. ولكن للأسف سرعان ما نسينا هذه التحذيرات الخطيرة، واعتبرناها مجرد "محتوى" عابر، وانتهى الأمر.

أوجه هذا النقد باسمنا جميعًا: نحن بصدد التحول إلى مجتمع يظن أن الحرب لعبة، فيعيش حياة الرفاهية الاجتماعية التي توفرها وسائل التواصل الاجتماعي، ويستهلكها بسرعة الإنترنت، ويعتقد أنه يمكن التغلب على الصعوبات من خلال رفع المستوى، وينتظر التحديثات للتطور، ويحصل على المعلومات من وسائل التواصل الاجتماعي، ولم يعد يخصص وقتا للتفكير بفضل أدوات الذكاء الاصطناعي. هذا الوضع يسود في جميع المناطق التي تتوفر فيها الإنترنت، ولكن تركيا تحتل مكانة متقدمة من حيث استخدام الهواتف المحمولة. لقد باتت الحرب على أبوابنا.

فما العمل إذن؟

لا شك أن دولتنا وجيشنا وجنودنا والشركات العاملة في صناعة الدفاع وشركات التكنولوجيا لدينا وكذلك شعبنا الذي يدرك الوضع سيقومون بواجباتهم. ولكن من المؤكد أن التحديات التي تواجه حدودنا ليست مجرد حرب جسدية. فحين يأتي ذلك اليوم الذي لا نريده، لن تُطلق الصواريخ وحسب، ولن تُطلق الرصاصات فحسب. ففي ظل التبعية الاجتماعية التي نعيش فيها كمدمنين، يكمن الخطر الأكبر على وطننا في الأشخاص المأسورين عقليا الذين لا يقاومون أبدا، حيث سيقفون في وجه أولئك الذين يضحون بحياتهم من أجل الوطن، وسيطالبونهم بالاستسلام لاستعادة الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي التي حُرموا منها.

وانظروا كيف بدأت إسرائيل بالفعل في التحرك. فقد قام رئيس الوزراء الإسرائيلي مرتكب الإبادة الجماعية نتنياهو، بزرع بذور الفتنة بين الشعب الإيراني عبر وسائل التواصل الاجتماعي قائلاً: "أيها الشعب الفارسي النبيل، مع كل لحظة تمر، يقربكم نظامكم إلى الهاوية أكثر. عندما تتحرر إيران أخيراً، وسوف تأتي تلك اللحظة أسرع كثيراً مما يتصور الناس، فإن كل شيء سوف يكون مختلفاً".

من الواضح أننا سنشهد في المستقبل القريب أحداثًا اجتماعية عاصفة تهز إيران. فقد بات واضحًا أن إيران، التي تفقد أبرز رجالاتها الذين يفترض أن تحميهم واحدًا تلو الآخر، وتتعرض قواعدها للضرب واحدة تلو الأخرى، بدأت تستلم من الداخل. ونيتانياهو الآن قد أشعل فتيل الأحداث، التي ستؤدي إلى إشعال شرارة التمرد في الشارع الإيراني. وسنرى أولى شرارات هذا التمرد في شكل حملات واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي تندد بقمع النظام والقيود الدينية المفروضة وتدهور الأوضاع المعيشية وتقييد الحريات. وسنرى أيضًا كيف ستنتقل هذه التحركات الاحتجاجية من إيران إلى تركيا عبر منصات التواصل الاجتماعي.

ولمنع حدوث ذلك، يجب على مؤسسات المجتمع المدني، ومراكز الأبحاث والأكاديميين، ووسائل الإعلام، والمعلمين، ورجال الدين، وقادة الرأي في بلدنا أن يبذلوا قصارى جهدهم منذ اليوم لبناء خطوط مقاومة وطنية وفكرية لتعزيز "داخلنا". يجب أن نكون مستعدين للحرب إذا لزم الأمر، ولكن الأولوية ليست للحرب نفسها، بل يجب بناء وعي يدرك الحرب الوشيكة ويقاوم الهجمات من جميع الاتجاهات.

باختصار، لإيقاف إسرائيل وإلحاق الهزيمة بها وطردها من منطقتنا، يجب علينا أولاً وقبل كل شيء أن نواجه الاحتلال الرقمي الذي يتم بلا مقاومة وبدون دماء. ولهذا، أليس من الضروري أن نرفع رؤوسنا عن هواتفنا، والأهم من ذلك، أن نبتعد قليلاً عن وسائل التواصل الاجتماعي؟

عن الكاتب

أرسين جليك

كاتب وصحفي تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس