ترك برس

سلط مقال تحليلي للكاتب الصحفي التركي أرسين تشيليك، الضوء على الهدف النهائي الذي تسعى إسرائيل لتحقيقه من خلال جرائمها في فلسطين والمنطقة بشكل عام.

وقال تشيليك في مقاله بصحيفة يني شفق إنه ما زال هناك من يعجز عن إدراك الهدف النهائي وراء جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة منذ عام كامل، ومن لا يرغب في فهم إلى أين تتجه إسرائيل في نهاية المطاف.

وأضاف: "كأن هناك حالة من التغافل والعمى الفكري تمتد من السياسيين إلى قادة الرأي، ومن ممثلي المجتمع المدني إلى الفنانين".

وأردف: "أمام ناظري الآن مقالان في صحيفة يني شفق دونت بعض الملاحظات أثناء قراءتهما، الأول للكاتب طه كلينتش بعنوان أزمة لبنان، والثاني ليحيى بستان الذي يتساءل فيه عن طبيعة الاتفاقات بين الولايات المتحدة وإيران. بالإضافة إلى ذلك، أتابع باهتمام تقارير مراسلتنا نسليهان أوندر من بيروت".

وتابع المقال:

أود أن أتطرق إلى تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان التي أدلى بها خلال مقابلة أجريناها معه بعد عودتنا من نيويورك عقب مشاركته في قمة الأمم المتحدة. يحمل الرئيس أردوغان على كتفيه أعباء غزة، كما أنه يركز على الأوضاع في لبنان. وقد أظهرت تصريحاته مشاعره الإنسانية وملاحظاته السياسية كقائد يتابع عن كثب تطورات المنطقة.

في البداية تحدث الرئيس عن عمليات الإخلاء قائلاً: "شاهدت اليوم عملية إخلاء جنوب لبنان. كان المشهد مؤلم جداً، فالجميع يغادرون المنطقة بعربات تجرها الخيول وهم يحملون أطفالهم. إن منطقتنا تواجه مشهدًا مروعًا وقاسياً كهذا. نحن نتحدث عن لبنان الذي يبلغ عدد سكانه 6 ملايين نسمة. إلى أين وكيف سيفر هؤلاء الناس؟ كان لبنان هذا، في عهد المرحوم رفيق الحريري، لبنانًا آخر. كان أغنى وأقوى بكثير. ولكن لبنان اليوم لم يعد كما كان".

وهنا بالضبط تجدر الإشارة إلى مقال طه كلينتش. لأنه يوضح الصورة التي أشار إليها أردوغان عن لبنان قبل وبعد الحريري على النحو التالي:

أولاً: "كان رفيق الحريري، المعروف بقربه من المملكة العربية السعودية، قد لعب دورًا محوريًا في إعداد اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، وبفضل ثروته الطائلة وعلاقاته الواسعة في العالم العربي، كان الحريري القوة الدافعة وراء إعادة إعمار بيروت، وكان يعتبر أبرز ممثل للسنة في الساحة السياسية اللبنانية."

ثانياً: "أدى اغتيال رفيق الحريري (2005) إلى اندلاع مظاهرات حاشدة استمرت أسابيع في لبنان، مما أدى في النهاية إلى انسحاب القوات السورية. وبعد ذلك، غاص لبنان في صراع مرير حول هوية قاتل الحريري، حيث تركزت أصابع الاتهام بشكل كبير على حزب الله، الجماعة الشيعية المسلحة."

ثالثاً: "منحت الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006 حزب الله فرصة للتجذر في لبنان، وحمته من الاتهامات المتعلقة باغتيال الحريري. وبعد أن أسفرت الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان في الفترة بين 12 يوليو و14 أغسطس 2006، والتي عُرفت باسم "حرب تموز"، عن وقف إطلاق النار بوساطة الأمم المتحدة، أصبح حزب الله هو "حامي لبنان."

ومن خلال القصف الشديد الذي شنته إسرائيل قبل يومين، حققت إسرائيل هدفها النهائي بقتل حسن نصر الله، الذي كان قد قطع الشريان السياسي السني في البلاد. أما دور المسيحيين في لبنان في المرحلة المقبلة، فسيظهر جليًا في الأيام القادمة. وفي هذه الأثناء، تجسدت مرة أخرى الصورة النمطية التي وُصف بها لبنان على أنه "مختبر الشرق الأوسط"، حيث حققت التحركات السياسية والإثنية التي جرى إنتاجها في هذا المختبر نتائج ملموسة.

فماذا عن المرحلة التالية؟ إن دخان توقعات وزير الخارجية هاكان فيدان بشأن 'الحرب الإقليمية' التي كان يتحدث عنها منذ أشهر، بدأ يتصاعد من بيروت الآن. وقد أكد الرئيس أردوغان في المقابلة قائلاً: "إسرائيل تحلم، ويبدو أنها مستعدة لتحويل حياة شعوب منطقتنا إلى كابوس من أجل تحقيق ذلك الحلم."

أصبح المقال مليئة بالاقتباسات، ولكن يجب تناول التطورات الساخنة في المنطقة مع تحليل يحيى بستان الأخير حول إيران. هناك حقيقة واضحة وهي أن أمريكا تريد تحويل تركيزها إلى الصين. لأن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي قد أدخلت القوتين العظميين في صراع ضارٍ خلف الكواليس. وبينما تنقل أمريكا طاقتها من الساحة إلى الفضاء السيبراني، تسعى إلى تفويض إسرائيل بمهامها في المنطقة. ويلخص "بستان" هذه الجيواستراتيجية في نقطتين رئيسيتين:

الأول: "ضمان أمن إسرائيل وهذا يتطلب تقليص نفوذ إيران في محيطها، أي في لبنان وسوريا. ولهذا السبب تسعى إسرائيل إلى السيطرة على غزة وجنوب لبنان وسوريا."

الثاني: "توحيد الدول العربية لتحقيق التوازن مع إيران والحفاظ على حالة من التوتر والانقسام في المنطقة."

فكيف نفسر سلبية إيران في هذه المعادلة؟ فإيران لم تتجاوز حدود الدعاية على وسائل التواصل الاجتماعي خلال المجازر والإبادة الجماعية التي وقعت في غزة. كما أنها صمتت إزاء اغتيال قادة عسكريين أمريكيين وإسرائيليين رفيعي المستوى. وعندما استُهدف سفارتها في دمشق، كان ردها شكلياً وضحكاً. وعندما استُشهد إسماعيل هنية في طهران، انطوت على نفسها. وأخيراً، قُتل حسن نصر الله، أقوى رجل لها في المنطقة، في مقره. وبينما تُكسر أذرع إيران وأجنحتها، فإنها تعلن الآن عن استسلامها لأمريكا.

لقد كان واضحاً منذ البداية أن الاحتلال لن يقتصر على قطاع غزة. فقد تبين على مر الأشهر الاثني عشر الماضية أن ما يحدث هو مجرد إلهاء كبير تحت ظل الإبادة الجماعية، حيث يتم إعادة تصميم جغرافيتنا وحدودنا. فها قد بدأت رسميًا عملية إنشاء دولة فلسطينية خالية من حماس وخارج الحدود التي حددتها إسرائيل.

ومن الواضح أن إسرائيل، التي تطمع في لبنان وسوريا، تسعى لتوسيع احتلالها ليشمل حدود "أرض الميعاد". وقد كتبتُ مقالاًعن دانيللا فايس، جدة المستوطنين في الضفة الغربية، والتي تحدثتْ في الفيلم الوثائقي "الخلاص المقدس" الذي أنتجته قناة "TRT World" ، الفيلم الذي تمكن منتجوه من التسلل إلى صفوف المستوطنين في الضفة الغربية لتصويره. تقول فايس البالغ من العمر 78 عاما بثقة كبيرة: “إن حدود الدولة اليهودية هي الأرض التي وعد الله بها إبراهيم. وهي الأرض الممتدة من الفرات إلى النيل، بما في ذلك الأراضي السورية والعديد من الدولة الأخرى."

إن العقبة الوحيدة أمام الهدف النهائي المنحرف والديني للصهيونية هي تركيا والزعيم العالمي رجب طيب أردوغان، الذي يقرأ هذا المسار بدقة. يجب علينا كأمة أن ندرك ذلك. لأنهم سيرغبون في حبسنا أيضًا "في الداخل" كما يفعلون دائمًا. ولكن الظروف الحالية تُظهر أن "النقاشات اليومية" لن تفيد إلا الصهيونية في الأيام المقبلة.

 

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!