ترك برس
انتقلت "السميت" التركية، تلك الكعكة المستديرة المغطاة بالسمسم، من زوايا شوارع إسطنبول إلى أن تصبح رمزاً غذائياً يمثل الثقافة التركية على مستوى العالم. بفضل طعمها المميز وسعرها المناسب، تجاوزت "السميت" الحدود المحلية لتصل إلى مختلف أنحاء العالم، حيث باتت تحظى بشعبية واسعة في مقاهي ومدن كبرى حول العالم، مثل لندن ونيويورك.
"هنا السميت الطازج.. هنا السميت الطازج". بهذه العبارات يحاول التركي أورهان شاكير جذب زبائنه في ميدان شيرين أفلار (وسط مدينة إسطنبول) طوال اليوم، من أجل بيع أقراص الخبز بالسمسم.
يمازح أورهان المشترين، ويحاول إخافتهم بأن السميت (أو السميط) حار جدا وقد يحرق أيديهم، دعاية تسويقية منه على أن خبزه لا يزال طريا وأُخرج من الفرن حالا، بحسب حديثه للجزيرة نت.
يقول أورهان "منذ نحو عامين أتخذ مكانا محددا من الميدان، ويعرفني أغلب السكان في المنطقة، هذا السميت الذي أقدمه لزبائني لا تقارن لذته بأي شيء في إسطنبول، وفي معظم الأيام لا أعود إلى المنزل إلا بعد أن أكمل بيع جميع السميت".
الوجبة الأولى
في الواقع يعد السميت الوجبة الشعبية الأولى لدى جميع الأتراك، حيث لا يخلو شارع في إسطنبول وبقية المدن من عربات بائعي السميت الحمراء، ويعود ظهوره إلى العهد العثماني، منذ القرن 14 الميلادي، بحسب المؤرخين الأتراك.
ولكن يبقى السؤال: كيف استطاع الأتراك الحفاظ على هذه الأكلة الشعبية عبر السنين؟ ولعل إجابة هذا السؤال تكمن في حديث مصطفى كمال -أحد ملاك مخابز السميت الشهيرة في منطقة الفاتح بإسطنبول- حيث قال إن الأتراك حافظوا على بقية الأطعمة والعادات الغذائية من أيام العثمانيين، كما حافظوا على تقاليدهم الاجتماعية؛ فالأجداد عملوا على نقل طريقة صناعة السميت وتطويره جيلا بعد آخر.
وينتج السميت عادة من دقيق القمح والخميرة وبعض الملح، ثم يترك العجين ليختمر، ويضفر بشكل دائري، ثم يغمس في دبس العنب، قبل أن تغليفه بطبقة سميكة من حبوب السمسم أو بذور عباد الشمس أو الحبوب الكاملة أو الطحينة.
وتأتي بعد ذلك مرحلة خبزه داخل أفران حرارية تحبس البخار، الأمر الذي يساعد على احتفاظ حبات السميت بطراوتها الداخلية وبطبقة خارجية هشة ذات "قرمشة" محببة.
ويتناول السميت غالبا بشكل مباشر مع كوب من الشاي التركي الأسود، أو مع قطعة من الجبن وحليب العيران، كوجبة إفطار.
ويصادف زائر إسطنبول طلاب الجامعات والمدارس والموظفين صباح كل يوم وهم يقفون عند عربات بائعي السميت في الميادين العامة، أو لدى من يحملونه على رؤوسهم وينتشرون في خطوط السير، حيث يأخذ الجميع نصيبهم من السميت ويتناولونه وجبة سريعة وخفيفة.
وبالطبع، هناك اختلاف في شكل السميت من مدينة تركية إلى أخرى؛ ففي بعض المدن تكون قطعة السميت كبيرة يتراوح قطرها بين 20 و25 سنتيمترا، وفي مدن أخرى يكون مجدولا ومحمصا بشكل جيد، فلكل منطقة هوية خاصة في صناعته.
سميت عالمي
وفي الوقت الذي يستمر فيه إقبال الأتراك الكبير على شراء هذه الوجبة الشعبية، قام بعض رجال الأعمال في تركيا وخارجها بفتح معامل ومطاعم خاصة لإنتاج السميت، والتي أصبحت متوفرة في عموم الأماكن الرئيسية بالمدن التركية.
وبريطانيا والولايات المتحدة، كما افتتحت فروع عديدة في السعودية والإمارات ولبنان ومصر.
وتولي البلديات التركية السميت اهتماما خاصا، وتقوم بتخصيص فعالية سنوية يشارك فيها خبازون من مختلف المدن التركية، ويتنافسون في صناعة أنواع السميت وتقديمه لبقية الحاضرين، الذين يستمتعون بأجواء تشبه الاحتفالات القومية والوطنية، حيث تعزف في ذلك اليوم موسيقى المهتار الشهيرة التي كانت تعزف أيام الدولة العثمانية.
وتقدر إحصاءات استهلاك الأتراك لخبز السميت يوميا بـ2.5 مليون قطعة، خاصة أنه يعد الوجبة المفضلة لجميع طبقات المجتمع، بما فيهم ذوو الدخول المرتفعة، كما أن سعر القرص الواحد من السميت يعد بسيطا، وتباع القطعة الواحدة منه بنحو نصف دولار أميركي في أغلب المدن.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!