سعيد الحاج - أخبار تركيا
أخيراً، وبعد أكثر من شهر من إجراء الانتخابات البرلمانية في تركيا، كلف الرئيس اردوغان رئيسَ حزب العدالة والتنمية أحمد داود أوغلو مهمة تشكيل الحكومة، باعتباره رئيس الحزب الأعلى أصواتاً في الانتخابات.
اتهمت المعارضة التركية الرئيسَ بتعمد التأخر في تكليف داودأوغلو، لكن مصادر الرئاسة والحزب ذكرت أسباباً عدة كانت وراء هذا التأخير، على رأسها تأخر إعلان النتائج الرسمية بعد البت في الطعون، والمواد الدستورية التي تنظم عملية انتخاب رئيس البرلمان وديوانه وتشترط أن يكون التكليف بعد هذه الخطوات، بينما رأى آخرون أن اردوغان تعمد فعلاً التأخير ولو جزئياً لينجلي المشهد أكثر امام الجميع.
وبغض النظر أكان التأخير التزاماً بالدستور المتفق على ضرورة تغييره أم مقصوداً لذاته، إلا أنه أدى فعلاً – وعلى مدى شهر كامل – إلى نقاشات معمقة وتناول مختلف السيناريوهات وآلياتها وفرص نجاحها وانعكاسات ذلك على تركيا، مما أوصلنا اليوم لمشهد مختلف تماماً عن مشهد اللحظة الأولى لإعلان النتائج غير الرسمية.
حينها، اعتبر الكثيرون أن العدالة والتنمية قد انتهى وأن المعارضة قادمة وأن ما اصطلح على تسميتها بالتجربة التركية قد وصلت إلى حائط مسدود وباءت بالفشل. أما اليوم، فيبدو الحزب الحاكم أكثر ثقة بنفسه وأكثر هدوءاً وأقدر على إدارة المشهد، بعد انتخاب رئيس البرلمان منه، وتأكد فكرة تشرذم المعارضة وعدم قدرتها على مواجهته موحدة.
يعرف داود أوغلو قطعاً أن مهمته ليست بالسهلة، في ظل تعنت المعارضة ووضعها خطوطاً حمراء وشروطاً صعبة على مشاركتها في حكومة ائتلافية معه. فحزب الشعوب الديمقراطي (ذو الجذور الكردية) ما زال رافضاً بشكل شبه نهائي المشاركة، بينما وضع حزب الحركة القومية ثلاثة شروط لذلك، هي وقف عملية السلام الداخلية مع الأكراد، ومحاسبة الوزراء السابقين الأربعة بتهمة الفساد، و”إعادة اردوغان إلى الإطار الدستوري”، أي تحديد صلاحياته. من جهته، وضع الشعب الجمهوري 14 مبدأ أساسياً ينبغي لمن يريد عرض حكومة ائتلافية عليه أن يتبناها، في مقدمتها محاربة الفساد ورفع سقف الحريات وتحديد صلاحيات اردوغان.
في مواجهة هذه المطالب، شكل العدالة والتنمية ثلاث لجان: الأولى سياسية برئاسة داود أوغلو نفسه، والثانية اقتصادية برئاسة نائب رئيس الوزراء لشؤون الاقتصاد علي باباجان، والثالثة قانونية برئاسة نائب رئيس الحزب للشؤون السياسية والقانونية محمد علي شاهين، لدراسة مطالب المعارضة ومدى واقعيتها وإمكانية تحقيقها، ولصياغة البرنامج أو الخطة التي سيذهب بها الحزب إليهم.
الخطوة التالية ستكون جولة أولية يقوم بها داود أوغلو على الأحزاب الثلاثة ابتداءً من يوم الاثنين، ليعرض عليهم أفكاره ويسمع منهم مطالبهم، لكن يتوقع أن تكون هذه الجولة والزيارات عامة جداً وبروتوكولية أكثر منها تفصيلية، وبالتالي لا يتوقع أن تصدر عنها نتائج حاسمة.
بعد ذلك، ستبدأ محادثات ثنائية بين العدالة والتنمية وكل من حزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية – بعد أن اتضح أن فكرة الائتلاف مع الشعوب الديمقراطي ليست مطروحة ولا ممكنة – من خلال لجنتين شكلهما الحزب منذ فترة، الأولى برئاسة وزير العمل والضمان الاجتماعي فاروق تشيليك للتفاوض مع الشعب الجمهوري، والثانية برئاسة وزير الثقافة والسياحة عمر تشيليك للتفاوض مع الحركة القومية.
ويُنتظر أن تعمل اللجنتان بالتوازي وبنفس الوقت لكن باستقلالية تامة، على أن يكون التنسيق والقرار الأخير بيد رئيس الحزب. حيث ستعمل كل لجنة على التفاوض مع الحزب المكلفة بالتواصل معه، ومحاولة تخفيض سقف شروطه، وتحقيق اتفاق على الحد الأدنى الذي قد يمكنهما من تشكيل حكومة ائتلافية قادرة على الاستمرار على الأقل لسنتين.
ورغم كل ذلك، يدرك العدالة والتنمية أن الأمر لا يتعلق فقط بالمطالب التعجيزية، ولكن أيضاً برفع السقوف إرضاءاً للناخب وتعظيماً للمكاسب، ويعلم أن فرصة الفشل أكبر ربما من فرصة النجاح في تشكيل الحكومة بسبب تعنت أحزاب المعارضة، رغم الإشارات التي تصدر عنها حول رغبتها في المشاركة وعدم ترك البلاد في فراغ سياسي، بيد أن العند وسياسة التصلب قد تؤدي إلى فشل داود أوغلو في مهمته وإعادتها لرئيس الجمهورية.
ولأن فرص الأحزاب المعارضة في تشكيل حكومة من دون العدالة والتنمية تبدو أقل بكثير من فرصه هو – بسبب الخلاف الكبير بين الحركة القومية والشعوب الديمقراطي – يعلم الجميع أن الانتخابات المبكرة هي السيناريو الأرجح حالياً، ويعملون على أساس ذلك منذ اللحظة الأولى.
إن الشقاق الكبير بين أحزاب المعارضة وتضاؤل فرصها في الاتفاق بينها على حكومة تستثني العدالة والتنمية قد أعطى الأخير دفقة ثقة لا يمكن تجاهلها، حيث يذهب لزيارتها وهو يعرف أن الحكومة إما أن تكون بقيادته أو لا تكون أبداً، ما لم تحدث مفاجأة غير متوقعة. لكنه – مرة أخرى – قد عكف منذ اللحظة الأولى على دراسة نتائج الانتخابات ورسائلها المتضمنة، وما يجب عليه فعله ومراجعته بل وتغييره على مستوى البرنامج والخطاب ليعيد الثقة السابقة والأصوات التي خسرها في أي انتخابات مبكرة قادمة، وهو موضوع مقال آخر إن شاء الله.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس