محمود سمير الرنتيسي - تلفزيون سوريا
مع التغيير الكبير الذي حصل عقب سقوط نظام الأسد، وفرح الشعب السوري ببداية جديدة للدولة الجديدة، التي تنعقد الآمال فيها على حكم بإرداة الشعب وتوديع عقود من القمع والاستبداد والاعتداء على مقدرات وحقوق شعب كامل، كان الاحتلال الإسرائيلي أوّل طرف يعتدي على سوريا الجديدة.
لقد قصف الاحتلال مئات المواقع والمنشآت الحيوية والعسكرية السورية، حتى تحرم سوريا الجديدة من الاستفادة منها، كما احتل أراضي سورية جديدة، مما جعلها تضع نفسها بموقع معاد للدولة الجديدة.
كان المشهد العدواني الأوّل لأولئك الذين ملؤوا ساحات دمشق وحلب ودير الزور فرحاً ببارقة أمل جديد وإلى جانب الصور المؤسفة للإجرام الممتد على عقود من سجن صيدنايا، هي صور العدوان الإسرائيلي الذي زاد عن 300 غارة جوية مع مشهد الدبابات في القنيطرة.
طبع هذا المشهد في ذاكرة السوريين، أنّ الاحتلال الإسرائيلي هي من أرادت أن تبدأ هذه المرحلة بهذه الصورة لأنها تعتقد أن الردع والعنجهية واليد الطولى هي سياستها لفرض إرادتها، ولكن يبدو مرة أخرى أن الاحتلال أخطأ في التقديرات كما هي عادته.
في هذا السياق ثمة أصوات قليلة داخل دولة الكيان كانت تفكر بنوع من العقلانية مثل درور زئيفي في هآرتس الذي وصف ما فعله الاحتلال من قصف لسوريا واحتلال أراض فيها بأنه قصر نظر، وأنّه من المفترض أن "يكون هناك سياسة احتوائية لسوريا الجديدة، لضمها لكتلة الاعتدال العربي والحلف الإبراهيمي"، وفق قوله.
تعتقد إسرائيل أن ما حدث في سوريا هو جزء من رؤيتها لبناء شرق أوسط جديد لكن السوريين الذين ثاروا وواجهوا النظام على مدار عقد كامل لا يشاركون الاحتلال هذه الرؤية، ويبدو أن الأخير لا يفهم حتى الآن عقلية أبناء هذه المنطقة ومميزاتهم الثقافية، كما لم يفهم الشعب الفلسطيني ولم يفهم غزة ولم يتوقع طوفان الأقصى.
لقد قال يائير كراوس في "يديعوت أحرونوت" لـ نتنياهو: نحن على الجبل وسنبقى على الجبل أي على جبل الشيخ السوري، يريد الاحتلال استغلال الفراغ الحادث بين سقوط نظام وبناء دولة جديدة ليكرس واقعاً لصالحه، لكنه يضرب بعرض الحائط حقائق أخرى، كطبيعة أي احتلال، شعرت إسرائيل بالإغراء الشديد أمام الفرصة التي تولدت لكي تنقض بقوة على مقدرات وأراضي الشعب السوري، ولم تدرك أنها بذلك تبذر بذور التهديد ضد نفسها.
في قيادة الاحتلال يقولون: إنّ السوريين ليس لديهم حكومة الآن، يمكن أن تطالب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بسحب القوات، وعليه فهذه فرصة لتغيير الملامح وتغيير الجغرافيا في هذا الحدث التاريخي.
إن الاحتلال ما يزال يفكّر بعقلية الماضي، ولم يدرك بعد، التفاعلات الكامنة في سوريا سواء في معادلة العروبة والتاريخ والجغرافيا، ولهذا سيسعى كما بدأ من أوّل يوم، إلى الاستمرار في العبث بواقع سوريا، لكنّه لن ينجح، فهو في حالة إرباك معقّد وشديد، منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأوّل 2023، وهذا واضح في خطواته المتبعثرة التي يُضرّ بها نفسه.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس