ترك برس

سلط الكاتب والأكاديمي التركي أحمد أويصال الضوء على التحولات السياسية والأمنية السريعة في سوريا والمنطقة، حيث شهدت البلاد تمردًا مفاجئًا في الساحل السوري قادته ميليشيات تابعة للنظام السابق، في محاولة لإنشاء كيان مستقل، ما أسفر عن مواجهات دامية وأثار مخاوف من تقسيم البلاد.

وذكر أويصال في مقال بصحيفة الشرق القطرية أنه ردًا على تمرد فلول النظام البائد، دعمت المدن الكبرى الحكومة المركزية، بينما لعبت التطورات الإقليمية، مثل التصريحات الإسرائيلية والإيرانية، دورًا في تأجيج التوتر.

وأوضح أنه في ظل هذه الأحداث، تم التوصل إلى اتفاق تاريخي بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ينص على دمج المؤسسات العسكرية والإدارية، مما يعزز وحدة البلاد.

كما انعكس حل القضية الكردية في تركيا إيجابيًا على المشهد السوري، مما يزيد من فرص الاستقرار والتعاون الإقليمي. وفقا لأويصال.

وفيما يلي نص المقال:

يشهد العالم، وخاصة الشرق الأوسط، تسارعًا غير مسبوق في وتيرة الأحداث. قبل ستة أشهر، كانت الولايات المتحدة تدعم أوكرانيا بشكل كامل ضد روسيا، أما اليوم، فيبدو أن ترامب يتبنى موقفًا يميل لصالح موسكو ويلقي باللوم على كييف. وبالمثل، كان يُعتقد أن الثورة السورية قد انتهت وأن بشار الأسد باقٍ في السلطة، إلا أن ديسمبر الأخير حمل معه مفاجأة كبرى، حيث انهار نظام الأسد، وظهرت ملامح مرحلة جديدة في سوريا. هذا التغيير المفاجئ أدى إلى تبديد الاستثمارات الروسية والإيرانية في سوريا، كما انعكس سلبًا على نفوذ طهران في لبنان والعراق. في الوقت نفسه، اقتربت تركيا خلال الشهر الأخير من إنهاء مشكلة الإرهاب التي استمرت لأربعة عقود مع حزب العمال الكردستاني. هذه التحولات السريعة والمتلاحقة تعيد رسم المشهد السياسي في المنطقة والعالم، ما ينذر بمرحلة جديدة مليئة بالتحديات والفرص.

* خلال الأسبوع الماضي (6-8 مارس)، شهدت المناطق الساحلية الغربية لسوريا تمردًا مفاجئًا قادته ميليشيات مسلحة تابعة لنظام الأسد، حيث أعلنت عن تشكيل "المجلس العسكري لتحرير سوريا". وهاجمت هذه الجماعات قوات الأمن المركزية في محاولة لإنشاء كيان مستقل في مدن مثل اللاذقية وطرطوس. وأسفرت المواجهات العنيفة مع القوات الحكومية عن سقوط أكثر من 500 قتيل من الجانبين، وفقًا للتقارير الواردة. أثارت هذه التطورات مخاوف بشأن مستقبل البلاد، حيث تصاعدت التساؤلات حول إمكانية عودة النظام القديم أو انزلاق سوريا نحو التقسيم. وردًا على ذلك، شهدت مدن كبرى مثل دمشق وحلب وحمص وإدلب مظاهرات واسعة، عبّر خلالها المواطنون عن دعمهم للحكومة المركزية ورفضهم لمحاولات إحياء النظام السابق.

* وفي الأيام التالية، تمكن الجنود الحكومية من السيطرة على الوضع، لكن البلاد والمنطقة شهدتا صدمة وقلقاً كبيرين. واتُّهم كلا الجانبين في الصراع بقتل المدنيين، وأصبح الصراع قضية دولية نوعا ما. ومن المهم بشكل خاص أن هذا التمرد جاء عقب بعض التطورات المهمة. في البداية جاءت التصريحات الاستفزازية من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول الدروز في جنوب سوريا ومطالبته للحكومة المركزية بالابتعاد عن جنوب دمشق. وبعدها جاء الإعلان من المسؤولين الكبار أن إيران أنشأت جبهة مقاومة في سوريا. وفي أعقاب الانتقادات التركية لجهود إيران في زعزعة الاستقرار في سوريا، نشأت مشادة كلامية وتهديدات متبادلة بين البلدين.

* أصدرت العديد من المنظمات الدولية الغربية بيانات تدعو إلى وقف المجزرة العلوية في سوريا. ولكن، هذه الحكومات والمنظمات الغربية نفسها كانت قد صمتت سابقاً تجاه المجازر التي تعرض لها السوريون. استجابةً لهذه الانتقادات، أعلنت الحكومة السورية عن تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في الانتهاكات التي ارتكبت ضد المدنيين. كما أصدرت تركيا وقطر والسعودية ومصر وبعض الدول العربية تصريحات دعم للحكومة السورية. لو استمرت الاشتباكات لفترة طويلة، لكان من المحتمل أن تزداد الضغوط على الحكومة السورية وتُسمع دعوات للتدخل الدولي. ولحسن الحظ، لم يحدث ذلك، وتم قمع التمرد، مما قلل من خطر تقسيم البلاد وفتنة الصراع الطائفي وتهديد التدخل الدولي.

من أبرز التطورات التي شهدها هذا الأسبوع، التوصل إلى اتفاق بين الحكومة المركزية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) على تسوية شاملة واندماج بين الجانبين. وقد عبّرت الجماهير العربية والكردية عن ترحيبها بالاتفاق من خلال احتفالات في شوارع مدن شمال سوريا. يعزز هذا الاتفاق الآمال في توحيد سوريا وتقويتها، ويحد من مخاطر الانقسام. بالنسبة للحكومة المركزية، أصبح هذا الاتفاق أكثر إلحاحًا بعد الفتنة التي اندلعت في منطقة الساحل. ينص الاتفاق على التأكيد على أن الأكراد هم جزء أصيل من الشعب السوري وأنهم لن يُستبعَدوا من العملية السياسية، مع إعلان وقف إطلاق النار في جميع المناطق لضمان وحدة البلاد. كما يتضمن الاتفاق توحيد القوات المسلحة، والمعابر الجمركية والمطارات، والمنشآت النفطية، إلى جانب التأكيد على التعاون لمكافحة فلول نظام الأسد.

في مقالنا السابق، أشرنا إلى أن حل القضية الكردية في تركيا سينعكس إيجابا على سوريا. إن الاتفاق في سوريا مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتصالح في تركيا (خاصة بعد تسليم حزب العمال الكردستاني أسلحته). لولا الضغط التركي، لما كانت قسد لتوافق على الاتفاق، لأنهم لا يزالون يسيطرون على قوة تفوق ما يستحقونه بدعم من الغرب وإسرائيل. ومع الاتفاق الأخير، فإن موارد النفط والأراضي والمياه التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية ستكون ملكًا لجميع السوريين. وسيزداد التعاون والاستقرار التركي الكردي العربي في منطقتنا وكذلك في سوريا. في ضوء هذه التطورات المتسارعة، نأمل في أن نشهد منطقة أكثر سلمًا وأقل نزاعًا.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!