ترك برس (طه أوزهان - Perspektif)

تقسيم الدول وظهور وضع نهائي ليس بالأمر السهل كما يتم تناوله في التحليلات الجيوسياسية العاجلة أو نظريات المؤامرة. في التاريخ الحديث، سواء لأسباب داخلية أو خارجية، كان التقسيم دائمًا أكثر صعوبة، من اليمن إلى ألمانيا، ومن فيتنام إلى تايوان، ومن سوريا إلى السودان. بعض الدول التي انقسمت في القرن الماضي لأسباب مختلفة قد توحدت مرة أخرى، بينما لا يزال جزء آخر يعاني من آلام “التوحيد أو التقسيم” ولم يتمكن من إنهاء مساراتها في هذا الصدد. يمكن القول إن التقسيم أصبح أمرًا عاديًا في فترة يتم فيها مناقشة سيناريوهات تقسيم أمريكا بسهولة في الصحافة الرئيسية والإعلام، وتحلل مراكز الأبحاث التقسيم بعروض مرئية. بل ويمكن القول إن التقسيم أصبح نقاشًا شائعًا في فترة تشهد مناقشات حول تفتيت الاقتصاد العالمي، وتحت ضغط تحديث خرائط التحالفات، حيث يمر النظام العالمي الذي دام قرابة القرن بتغيير حاد. في هذه الأيام، فإن سيناريو تقسيم سوريا، الذي يكرر القوالب ويقدم في جوهره شيئًا لا يعدو كونه تقسيمًا فظًا وغير منطقي وغير مستدام، ضعيف للغاية من حيث الاستدامة الاقتصادية-السياسية والجيوسياسية والأمنية. التقسيم يمثل ديناميكية تثير الضجيج كفكرة استفزازية، ولكن عندما يبدو احتمال تنفيذها حقيقيًا، تظهر صورة شديدة التعقيد والثقل أمام الجميع. 

https://x.com/kritikbakis_arb/status/1908772320295911444

التقسيم الحقيقي لا يبقى كما يبدو في الصور المرسومة على الخرائط. إنه يأتي بتكلفة باهظة. حتى إذا تحملت هذه التكلفة بطريقة ما خلال عملية التقسيم، فإن ما بعدها يتطلب إما دعمًا خارجيًا منتظمًا مفتوح النهاية لسنوات طويلة لأسباب خاصة، اقتصاديًا وأمنيًا، أو أن تكون الموارد الداخلية للمنطقة المنقسمة كبيرة بما يكفي لتحمل كل هذه التكاليف. عند النظر إلى نطاق الفئات التي تدور حولها مناقشات التقسيم في سوريا، فإن منطقة البلقان تتبادر إلى الذهن كمثال يوازي كلمة “تقسيم” بجدارة، حيث أقنعت الجميع بأنها انقسمت بالكامل. الغالبية الساحقة من هذه “الدول”، التي بذلت جهدًا كبيرًا حقًا “لكي تنقسم”، تتعرق اليوم من أجل “التوحد” داخل حلف الناتو و/أو الاتحاد الأوروبي، وهي تعاني من انهيار ديموغرافي حاد، ومأزق اقتصادي، وعدم جدوى جيوسياسية.

العراق الذي لا يمكن تقسيمه ولا توحيده

على الرغم من أن الأمر لا يُذكر كثيرًا هذه الأيام، إلا أن الرئيس الأمريكي السابق بايدن، عندما كان عضوًا في مجلس الشيوخ عام 2006، كان أحد الذين حاولوا تنفيذ مشروع تقسيم العراق. وقد حول ذلك إلى مشروع وأعلن عنه في مقال بصحيفة نيويورك تايمز. كان من المفترض تحقيق “الوحدة عبر الحكم الذاتي” في العراق! فالعراق، كما هو مكتوب في ويكيبيديا، يتكون ببساطة من ثلاثة مكونات: الشيعة، والسنة، والأكراد. وبالتالي، كانت عناصر “التقسيم المرن” الذي اعتقد بايدن أنه فكرة ذكية واضحة: الشيعة في الجنوب والوسط، والسنة في المناطق الوسطى، والأكراد في الشمال.

لكن ما لم يكن مكتوبًا بوضوح في ويكيبيديا هو أن الشيعة ليسوا عربًا فقط، بل هناك تركمان أيضًا بينهم، وأن السنة ليسوا عربًا فقط، بل هناك تركمان وأكراد بينهم، وأن الحدود المرسومة على أساس المذهب تفسدها خريطة الطاقة، وأن الحدود المرسومة على أساس العرق تُفقد معناها بفعل الانتماء المذهبي وموارد الطاقة، وأن التقسيم الجغرافي يصطدم في نفس الوقت بعوائق عرقية ومذهبية وطاقوية. في النهاية، لم تُنفَّذ هذه الخطط. وظل العراق بلدًا لا يمكن تقسيمه ولا توحيده. وعلى مر السنوات، تراجعت طاقة التقسيم، لكن لا يمكن القول إن طاقة التوحيد قد ازدادت. في النهاية، اعتادوا على العيش وفق صيغة بدائية لتقاسم موارد الطاقة والمواقع السياسية، وهي صيغة تمنع عودة الحرب الأهلية. ورغم أن هذا الوضع الذي يمثل “أهون الشرين” يستمر في إفساد العراق، إلا أنه يظل نظامًا مُفضَّلًا مقارنة بما عاشوه خلال نصف قرن من الديكتاتورية الدموية والاحتلالات والحصار والحروب الأهلية. ومع ذلك، ورغم هذه الخلفية البسيطة، فإن أولئك الذين يقتربون بسخرية من مستوى فهم بايدن للعراق، والذين لا يأخذون سوريا على محمل الجد أكثر من العراق أو بايدن، ما زالوا يرددون منذ سنوات مشاريع “تقسيم سوريا”، وقد بدؤوا منذ 8 ديسمبر/كانون الأول في نطقها بشهية أكبر!

يمكن قراءة المقال كاملا عبر رابط مجلة كريتيك باكيش

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!