
ترك برس
تناول مقال للكاتب والمحلل التركي سلجوق تورك يلماز، تحقيقًا استقصائيًا يكشف الضغوط والتهديدات التي تعرّض لها المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، من قبل شخصيات سياسية بارزة مثل ديفيد كاميرون وليندسي غراهام، في محاولة لثنيه عن إصدار مذكرات توقيف بحق مسؤولين إسرائيليين على خلفية جرائم محتملة في غزة.
وسلط الكاتب في مقاله بصحيفة يني شفق الضوء على التناقض الصارخ في مواقف القوى الغربية، التي تدّعي دعم العدالة الدولية، لكنها تقوّض استقلال المحكمة حين تُهدد مصالح إسرائيل.
ويتعمّق الكاتب في تحليل العلاقة البنيوية بين المشروع الصهيوني والدول الاستعمارية الغربية، مؤكداً أن الدعم الغربي لإسرائيل ليس مجرد موقف سياسي، بل امتداد لتاريخ استعماري مستمر يُكرّس الاحتلال ويناهض أي محاسبة دولية حقيقية.
وفيما يلي نص المقال:
في مقال مطوّل نُشر في موقع "ميدل إيست آي"، كُشف النقاب عن ضغوطات وتدخلات مُنهِكة استهدفت المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان. وفي تقارير سابقة سلط المقال ذاته الضوء على الضغوط التي مارسها ساسة بريطانيون وأميركيون ضد خان، ومن أبرزهم ديفيد كاميرون الذي شغل سابقًا منصب رئيس الوزراء، وليندسي غراهام السيناتور الأمريكي الجمهوري. وتفيد التقارير أن كاميرون، خلال مكالمة هاتفية مع كريم خان، فقد أعصابه وانفجر غضبًا، لدرجة أنه وجّه تهديدًا مباشراً للمدعي العام لثنيه عن إصدار مذكرة توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية. ومن أكثر العبارات اللافتة لكاميرون: "هذا القرار ستكون له آثار تعادل انفجار قنبلة هيدروجينية." أما السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، فقد هدد خان بفرض عقوبات عليه، وحمّله مسبقًا مسؤولية مقتل الرهائن في حال إصدار المحكمة مذكرة التوقيف. إلا أن التصريح الأشد وقعًا لغراهام كان حين قال إن "المحكمة الجنائية الدولية أنشئت من أجل إفريقيا والمجرمين أمثال بوتين ولم تُنشأ من أجل ديمقراطيات كإسرائيل." ويستعرض المقال المنشور في "ميدل إيست آي" بشكل مفصل الاتهامات الموجهة لكريم خان، والتي تهدف إلى تشويه سمعته وتقويض مكانته.
يمكن القول إن ديفيد كاميرون وليندسي غراهام يتمتعان بمكانة ونفوذ يتجاوزان بكثير ما يحظى به العديد من السياسيين الآخرين، من حيث تمثيلهما لمراكز القوة في كل من بريطانيا والولايات المتحدة. ويبدو جليًا أن هاتين الشخصيتين تمتلكان من النفوذ ما يؤهلهما لتمثيل عقلية الدولتين البريطانية والأمريكية. ومن اللافت أن هذين السياسيين على استعداد لتقويض أحد الأعمدة الأساسية للعولمة ذات الطابع الأنجلوسكسوني كالمحكمة الجنائية الدولية حين يتعلق الأمر بإسرائيل. ويُفهم من مواقفهما أنهما يتحملان المسؤولية الكاملة عن جميع أفعال إسرائيل بشكل مباشر، بل إنهما مستعدان للتضحية بالمحكمة الجنائية الدولية لمجرد الدفاع عنها. وقد تصاعدت هذه التهديدات عندما بدأت بريطانيا وفرنسا باتخاذ خطوات نحو الاعتراف بدولة فلسطين. وكما هو معلوم، فإن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أعلن قبل فترة قصيرة عن نية بلاده الاعتراف رسميًا بفلسطين، كما صدرت تصريحات مشابهة من الجانب البريطاني. ومن الطبيعي أن يرى كثيرون تعارضًا بين هذين الموقفين. بل إن البعض ذهب إلى حد الإشارة إلى احتمال حدوث تحول في موقف بريطانيا تجاه إسرائيل. غير أن هذا التفسير غير صحيح. فالعقلية السائدة اليوم في بريطانيا تتطابق إلى حد كبير مع تلك التي أنشأت إسرائيل ككيان استعماري على الأراضي التاريخية لفلسطين. ويتجلى ذلك بوضوح في تهديدات ديفيد كاميرون. ورغم ذلك، لا يزال كثيرون يعتقدون أن بريطانيا وفرنسا وغيرها من القوى الإمبريالية مضطرة للخضوع للنفوذ والهيمنة المالية التي تمثلها الرأسمالية اليهودية العالمية.
من الواضح أن الأوساط التي تعتقد بأن بريطانيا وفرنسا، إلى جانب الدول الاستعمارية الإمبريالية الأخرى، قد خضعت لهيمنة رأس المال اليهودي العالمي، تميل إلى إلقاء اللوم على العالم الإسلامي بأسره لتقاعسه عن مواجهة إسرائيل. فكثيرًا ما نسمع منهم – بل وحتى من بعض أشهر السياسيين لدينا – عبارات تتهم الأمة الإسلامية بالخوف من التحرك ضد "حفنة من اليهود". ورغم أن التناقض في هذا الطرح واضح وبديهي، فإنهم لا يكفون عن مهاجمة العالم الإسلامي بمثل هذه العبارات. وعندما يقولون إن بريطانيا وفرنسا وألمانيا قد رضخت لسيطرة النفوذ اليهودي، فإنهم – من حيث لا يشعرون – يبرئون تلك الدول من الجرائم المرتكبة في فلسطين. فإذا كانت هذه الدول مجبرة حقا على الرضوخ لذلك النفوذ، أليس الأجدر بها أن تتحرك هي أولًا؟ ولكن بدل مواجهة هذا السؤال، يلجؤون فورًا إلى إلقاء اللوم على أنفسهم ويبحثون عن الخطأ فينا.
ويجب أن نعيد التأكيد على هذه الحقيقة: إن إسرائيل الصهيونية، التي أقيمت على الأراضي التاريخية لفلسطين هي كيان استعماري، من صنع بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وألمانيا. وعندما يخوض الفلسطينيون اليوم نضالًا شرسا من أجل الاستقلال في مواجهة إسرائيل الصهيونية، فإنهم في الواقع يحاربون دول الغرب الأنجلو سكسوني وأوروبا الغربية، بما تحمله من نزعة صهيونية إنجيلية استعمارية. ومن هنا يظهر عمق المأساة. فإذا كان العالم الإسلامي يريد حقًا حل القضية الفلسطينية، فلا بد أن يتخذ موقفًا مباشرًا ضد هذه الدول. فهذه ليست حربًا دينية، إذ إن الدول التي ذكرناها منخرطة بكامل ثقلها داخل إسرائيل بهدف تطهير فلسطين من أهلها الفلسطينيين.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!