ترك برس

أشار تقرير لصحيفة "عربي21" إلى اختلاف الآراء في تحديد طبيعة العلاقة بين تركيا وإسرائيل فيما يتعلق بالشأن السوري، وسعي كل دولة منهما لتحقيق أكبر قدر من مصالحها المرجوة في سوريا، فعلى الرغم من أن ظاهر الأمر يبدي حالة من الصراع على النفوذ، والتصادم بين الدولتين، إلا أن ثمة من يستبعد وقوع أي اشتباك أو تصدام بينهما.

ووفقا للصحيفة، يستند الذاهبون إلى توصيف العلاقة بين تركيا وإسرائيل في سوريا الجديدة بوصفها تقع في دائرة التعاون المشترك، وأنها لا تعدو أن تكون تقسيما للغنائم في الإطار الذي حددته الولايات المتحدة لكلا الطرفين إلى جملة من المعطيات والتصورات، وفق تلك القراءة التي يستبعد أصحابها وقوع أي صدام بينهما في سوريا.

في هذا الإطار نشر موقع (المهد The Cradle) في 9 إبريل الجاري، مقالا بعنوان (إسرائيل وتركيا في سوريا.. لا تصادم بل مجرد تقسيم للغنائم.. Israel and Turkiye in Syria: No clash just a division of spoils) أورد فيه خلفيات العلاقة بين تركيا وإسرائيل ومساراتها، وتوجه كل منهما لتأمين مصالحها في سوريا الجديدة بعد سقوط نظام الأسد.

استهل كاتب المقال مقاله بالقول "دولتان متحالفتان مع الولايات المتحدة، بقيادة زعيمين شعبويين يستغلان إنجازات السياسة الخارجية في المشهد المحلي، حليفان لواشنطن، تتسم علاقتهما بالعداء في الظاهر بينما يتشاركان بهدوء بمشروع مشترك في سوريا".

وتابع متسائلا: "هل يمكن لتركيا بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان وإسرائيل بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الدخول في مواجهة بينهما حقا في سوريا.. أم أنهما ببساطة يقومان بأدوار معينة في مسرحية كتب نصها في مكان آخر (واشنطن)"؟

وبعد سرد المقال لتسلسل الأحداث منذ سقوط نظام الأسد، ورصد ردود الأفعال التركية والإسرائيلية وانعكاساتها على سوريا الجديدة، يتساءل الكاتب "إذن لماذا تقوم تل أبيب بالتصعيد ضد أنقرة"؟، ليجيب بالقول "إن سعي تركيا لبناء جيش سوري جديد يتناقض مع رغبة إسرائيل في إبقاء سوريا ضعيفة عسكريا".

ويتابع "وكانت الضربات الجوية طريقة تل أبيب لرسم خط للنفوذ التركي، ويبدو أن تركيا، في الوقت الحالي، قد قبلت الشروط" ليختم بالقول "يبدو أن أنقرة، التي تدعم النموذج الاتحادي في سوريا، تماما كما فعلت في العراق، قد قبلت القيود التي فرضتها الضربات الإسرائيلية، وسوف تقبل بممارسة النفوذ في سوريا بدون وجود عسكري ـ تماما كما فعلت في لبنان، وبهذا تلتزم أنقرة بالمدار الاستراتيجي الذي رسمته واشنطن، وقامت تل أبيب بتنفيذه".

من جانبه وصف الكاتب والمحلل السياسي المصري، المقيم في تركيا سمير العركي "العلاقة بين تركيا وإسرائيل في سوريا بأنها لا تزال في مرحلة التشكل، لكن لا يمكن وصفها بالتشاركية أو إدراجها في دائرة التعاون لتوزيع الغنائم وتقسيمها بين الطرفين في سوريا الجديدة".

وشرح في حديثه لـ"عربي21" الاستراتيجية التركية في هذا الملف بعدة نقاط، أولها تتمثل في عدم السماح بتحول سوريا إلى ساحة للصراع أو الصدام، وتبريد المشاكل حتى يتسنى لها إعادة الإعمار والبناء خاصة للجيش، والشرطة والأجهزة الأمنية، وثانيا: كف يد إسرائيل عن العبث في سوريا دون السماح لها بتمدد نفوذها".

وأردف العركي: "كما أن الاستراتيجية التركية تهدف إلى تجنيب سوريا تداعيات أي صراع مبكر مع إسرائيل لما له من نتائج سلبية على مستوى العلاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا، وكذلك الدفع باتجاه تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة، خاصة اتفاق الهدنة 1974، ما يعني انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي التي استولت عليها عقب 8 ديسمبر الماضي".

ولفت إلى أن "تركيا تسعى كذلك إلى تعزيز الوجود العسكري التركي في سوريا من خلال الاتفاقيات الثنائية، وهو ما قد يمثل ردعا للعربدة الإسرائيلية"، واصفا الرأي الذي يحدد طبيعة العلاقة التركية الإسرائيلية في سوريا بالتشاركية وتوزيع الغنائم بأنه "كلام لا أساس له من الصحة، ويصلح للسوشيال ميديا"، مؤكدا وجود صراع حقيقي بين الدولتين على الشأن السوري.

وفي ذات الإطار رأى الكاتب والمؤرخ العراقي، وسيم العاني أن "ما حدث في سوريا نهاية 2024 كان حدثا مفاجئا للجميع، حتى الشهادات تقول إن هدف العملية التي قامت بها جماعة هيئة تحرير الشام لم يكن أكثر من مدينة حلب لكن الانهيار السريع لجيش النظام فتح الباب نحو دمشق، وبالتأكيد أن الأمر لم يكن لفاعل داخلي بقدر ما هو فاعل خارجي وهو الفراغ الذي تركه الانشغال الروسي في حرب أوكرانيا، وانشغال محور إيران في حرب إسناد غزة".

وأضاف: "مما فتح الباب لتركيا لملء الفراغ، وهو ما وضع الكيان الإسرائيلي في الوقت نفسه أمام متغير ساهمت ضرباته لحزب الله والمستشارين الإيرانيين المتواجدين في سوريا بصنعه، لكنه بعد أن وجد أن إيران قد رحلت وحلت محلها تركيا وجماعات إسلامية سنية جهادية سارع الكيان لضرب كل مصادر القوة والأسلحة التي تركها نظام بشار الأسد، وتدميرها والسيطرة على المنطقة العازلة منذ عام 1974، وأهمها جبل الشيخ الاستراتيجي".

وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول "فالكيان الإسرائيلي يعتبر تركيا وإن كانت له علاقات قديمة معها خطرا ليس أقل من الخطر الإيراني، فنحن أمام كيان لا يثق حتى بأقرب حلفائه.. ولا يخفي اليمين المتطرف الحاكم في إسرائيل مطامعه في أراضي سوريا وباقي الدول، لا سيما مع الفراغ الذي حصل وهو ما يشكل لهم فرصة للتوسع في جنوب سوريا مستغلين الانقسامات وورقة الأقليات".

وعن مسار العلاقة بين تركيا وإسرائيل في سوريا، وتداعياتها على الأخيرة، رأى العاني في ختام كلامه أن "مستقبل العلاقة الإسرائيلية التركية يعتمد على مدى نجاح مباحثات تقاسم النفوذ في أذربيجان بين الطرفين بمعزل عن الحكومة السورية، فإما أنهما يتفقان على تقاسم النفوذ، أو أننا أمام صراع جديد في المنطقة، وفي تقديري أن الوحيد القادر على حسم الصراع إما نحو السلام أو الحرب هو ترامب الراغب بالانسحاب من سوريا، وتمشيا مع سياسته في إبرام الصفقات".

بدوره قال الباحث السياسي اللبناني، الدكتور عثمان بخاش "هناك تنافس بين الطرفين: تركيا وإسرائيل، إذ يسعى كل طرف منهما إلى "تعظيم" مكاسبه الإقليمية، ولكنهما يدركان أن القول الفصل في ذلك يرسم في واشنطن، فالقيادة التركية رأت أن من حقها، وقد تحملت أعباء دعم الثورة السورية، واستقبلت النازحين السوريين في تركيا، أن تكون لها حصة معتبرة في سوريا الجديدة".

وأضاف: "كما حاولت إيجاد موطئ قدم لها عسكريا بإقامة قواعد في مطار التيفور قرب تدمر، وفي مطار حماة، الأمر الذي وجدت إسرائيل فيه خطرا على مصالحها، فسارعت بإرسال رسالة ساخنة بشن غارات على القاعدتين، أوقعت حسب ما نُقل، عددا من القتلى في صفوف الجيش التركي، تكتمت تركيا عليها"، على حد قوله.

وتابع في تصريحاته لـ"عربي21": "فالطرفان التركي والإسرائيلي يريد كل منهما ملء الفراغ الذي حصل بعد سقوط نظام الأسد، وانتهاء النفوذ الإيراني في سوريا، ولهذا صرح القادة الإسرائيليون بأن منطقة جنوب دمشق يجب أن تبقى منزوعة السلاح، وأن إسرائيل لن تتسامح مع من يهدد سيطرتها على أجواء سوريا".

وأكمل فكرته بالقول "وفي المقابل لا تريد تركيا الدخول في صدام مع إسرائيل، كما عبر عن ذلك وزير الخارجية التركي، إلى درجة أنه ترك الباب مفتوحا أمام حكومة أحمد الشرع للتطبيع مع إسرائيل قائلا: إن هذا شأن خاص بحكومة دمشق، ولا مانع لدى تركيا من ذلك".

ورأى الباحث بخاش أن "الولايات المتحدة هي التي تقرر (حجم) و (دور) الأطراف الفاعلة في المنطقة، ولنا في الحرب القصيرة التي جرت بين حزب الله، المدعوم من إيران، وإسرائيل شاهد على ذلك، فحزب الله مع امتلاكه لقوة عسكرية تبلغ أضعاف قوة حماس في غزة، إلا أنه التزم بتعليمات طهران، التي راهنت على تفاهمت مع أمريكا، عبر عنها الرئيس الإيراني في كلمته في نيويورك أيلول 2024، حيث عرض الصداقة مع أمريكا، لكن نتنياهو صدمه في اليوم التالي باغتيال السيد حسن نصر الله، مما دفع الرئيس بازكشيان إلى القول لاحقا إن أمريكا خدعت إيران".

وأنهى حديثه بالقول: "ونذكر هنا أن ترامب كان صريحا وفجا في كلامه مع نتنياهو في اللقاء الأخير حين قال له أن يكون (معقولا) في مطالبه من تركيا، وأن ترامب يستطيع حل أي مشكلة بين إسرائيل وتركيا، ومن المعروف أن أمريكا هي التي ترعى ترتيب العلاقة بين قسد وحكومة دمشق، فالدور التركي يلتزم بالسقف المرسوم في واشنطن، ولهذا لم تحاول تركيا طرد قوات قسد من تل رفعت ومنبج لوجود فيتو أمريكي على ذلك".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!