
ترك برس
في قلب العاصمة اللبنانية، تقع "مقبرة الشهداء" التي تضم رفات عدد من رموز المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، من الحاج أمين الحسيني إلى علي حسن سلامة، إلى جانب ضحايا مجزرة "تل الزعتر" التي راح فيها نحو 3 آلاف فلسطيني عام 1976.
هذه المأساة، كما يرى الكاتب والإعلامي التركي طه قلينتش، في مقال بصحيفة يني شفق، تختزل طبيعة الصراعات المعقدة في الشرق الأوسط، وتكشف عن تحالفات خفية وتدخلات خارجية لا تزال آثارها ملموسة حتى اليوم.
حصار تل الزعتر.. من الحرب الأهلية إلى المذبحة
كان مخيم تل الزعتر، شمال شرق بيروت، يضم حوالي 30 ألف لاجئ فلسطيني، قبل أن يتحول إلى ساحة قتال خلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990). فبعد اشتعال الصراع، حاصرته الميليشيات المسيحية، وخاصة "الكتائب" المارونية، لشهور طويلة، مما أدى إلى حرمان المدنيين من الغذاء والماء والكهرباء. وانتهى الحصار في 12 أغسطس 1976 بمجزرة دموية أودت بحياة الآلاف، معظمهم من المدنيين العزل.
ويشير قلينتش إلى أن الخلافات بين الفصائل الفلسطينية، وخاصة بين منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة بزعامة أحمد جبريل، ساهمت في تفاقم الأزمة. فقد عمل جبريل، المدعوم من المخابرات السورية، على إضعاف عرفات، مما عرقل جهود إنقاذ المخيم.
التدخل السوري والاتهامات بالتنسيق مع إسرائيل
لم يتوقف الحصار إلا بعد تدخل الجيش السوري، الذي دخل لبنان عام 1976، لكنه – وفقاً لقلينتش – وجّه دباباته نحو المقاتلين الفلسطينيين، وليس نحو الميليشيات المسيحية. وقد عزز ذلك شكوكاً بوجود اتفاق ضمني بين نظام حافظ الأسد وإسرائيل لتقاسم النفوذ في لبنان.
ويستند الكاتب التركي إلى أدلة مادية، مثل العثور على قذائف وصواريخ تحمل كتابات عبرية في المخيم، مما يشير إلى دعم إسرائيلي للميليشيات المسيحية خلال الحصار. كما يذكر أن إسرائيل استغلت الحرب الأهلية لاحقاً لاحتلال جنوب لبنان (1982-2000)، بينما وسّعت سوريا نفوذها في المناطق الوسطى والشمالية، في تعايش غريب مع الاحتلال الإسرائيلي.
من لبنان إلى سوريا.. هل يتكرر السيناريو؟
يرسم قلينتش مقارنة بين لبنان في السبعينيات وسوريا اليوم، قائلاً إن إسرائيل قد تسعى إلى إضعاف سوريا عبر تحريض الأقليات وتفجير الصراعات الداخلية، كما حدث في لبنان. ويشير إلى أن إسرائيل ربما تفضل نظاماً شبيهاً بـ"نظام البعث" الذي تعاملت معه سابقاً، بدلاً من الوضع الحالي في سوريا، حيث تتدخل قوى متعددة.
إرث تل الزعتر.. جرح لم يندمل
تظل مجزرة تل الزعتر جرحاً مفتوحاً في الذاكرة الفلسطينية واللبنانية، كما يقول قلينتش، وهي تذكير بالتدخلات الخارجية التي حوّلت لبنان إلى ساحة صراع إقليمي. أما اليوم، فالتحدي الأكبر هو عدم تكرار هذه المأساة في سوريا أو أي بلد آخر، في ظل استمرار الصراعات بالوكالة وتوازنات القوى المتغيرة في المنطقة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!