ترك برس

تناول تقرير للكاتب والخبير التركي قدير أوستون، تفاصيل الخطة الإسرائيلية الجديدة بشأن غزة، والتي تهدف إلى فرض سيطرة دائمة على القطاع تحت غطاء إنساني، عبر توزيع المساعدات من خلال مراكز محددة وبمشاركة شركات أمنية أميركية خاصة. 

ويعرض التقرير الذي نشرته صحيفة يني شفق كيف تحولت المساعدات الإنسانية إلى أداة ضغط سياسي وعسكري، وسط رفض منظمات الإغاثة الدولية لهذه الخطة التي تُعد تكريسًا للاحتلال وتطبيعًا له. 
كما يتناول الكاتب تواطؤ إدارة ترامب في هذا المشروع، وتداعيات ذلك على مستقبل القضية الفلسطينية، وعلى فعالية القانون الدولي، في ظل استمرار إسرائيل في استخدام الحصار والتجويع كسلاح ضد سكان غزة.
وفيما يلي نص التقرير:

منذ شهرين، تمنع إسرائيل دخول المساعدات إلى غزة، ما زاد من تفاقم الوضع الإنساني الذي لا يمكن وصفه إلا بالكارثي. وقد رفضت منظمات الإغاثة الدولية، التي تضغط لرفع الحصار المفروض على غزة، الخطة التي أعلنت عنها إسرائيل هذا الأسبوع. حيث أقرّ مجلس الوزراء الإسرائيلي خطة تقضي باجتياح غزة وفرض السيطرة عليها إلى أجل غير مسمى، مع توزيع المساعدات الإنسانية عبر مراكز محددة في بعض المناطق. ومن بين التفاصيل التي سُرّبت للإعلام، استخدام شركات أمن أميركية خاصة في عملية توزيع المساعدات.

هذا يُشير إلى أن تصريحات دونالد ترامب حول "رغبتهم في إرسال المساعدات إلى غزة حيث يموت الناس من الجوع" إنما ترتبط مباشرة بخطة إسرائيل. ويبدو أن ترامب، الذي تحدث سابقًا عن إمكانية تولي مسؤولية غزة، اقتنع بصيغة تتيح لشركات أميركية خاصة الاستفادة ماديًا من هذا الدور. وبهذا، يحاول بنيامين نتنياهو كسب دعم ترامب من خلال إشراك شركات أميركية في خطة احتلال غزة ووضع المساعدات الإنسانية تحت السيطرة الإسرائيلية.

الهدنة لم تصبح دائمة

تمّ التوصل إلى اتفاق هدنة ثلاثي المراحل بين إسرائيل وحماس نتيجة ضغوط مارسها ترامب، وقد اعتُبر الاتفاق بمثابة "هدية سياسية" من نتنياهو إلى ترامب. وقد تضمّنت المرحلة الأولى من الاتفاق تبادل الأسرى، فيما كانت المرحلة الثانية تنص على انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة. ومن خلال مسار تنفيذ المرحلة الأولى، تبيّن بوضوح أن حكومة نتنياهو لم تكن تنوي الانتقال إلى المرحلة الثانية. فقد واصلت إسرائيل قصف غزة وفرض شروط جديدة باستمرار، مما سمح لجيشها بالتقاط الأنفاس مع استمرار الضغط العسكري على القطاع.

كما أن مطالبة إسرائيل لحماس بالاستسلام غير المشروط أوضح بشكل جلي أنها لا تنوي تحويل الهدنة إلى اتفاق دائم. ورغم هذه الاستراتيجية الإسرائيلية، فقد شهدت الفترة التي تراجع فيها مستوى العنف بعض الشيء دخول مساعدات إنسانية – وإن كانت محدودة – إلى القطاع. لكن، ومع نهاية شهر فبراير، توقفت هذه المساعدات بالكامل، بعد أن فرضت إسرائيل شرط إطلاق سراح جميع الأسرى دون قيد أو شرط، وهو ما أدى إلى فشل الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق.

وقد بدأت منظمات الإغاثة الدولية منذ فترة تصعّد ضغوطها لإعادة فتح مسارات المساعدات. وفي هذا السياق، حمل استهداف طائرة مسيّرة لسفينة كانت تسعى لكسر الحصار عن غزة قبالة سواحل مالطا رسالة مفادها أن إسرائيل لا تتردد في الرد العسكري على الضغوط الدولية.

وفي الوقت الذي تعمل فيه حكومة نتنياهو جاهدة على إفشال أي هدنة دائمة، تحاول الآن فرض صيغة جديدة لتوزيع المساعدات الدولية، بحيث لا يمكن إيصالها إلى غزة إلا تحت سيطرتها المباشرة.

تحويل المساعدات الإنسانية إلى أداة حرب

اعتراض منظمات الإغاثة الدولية على سعي إسرائيل لفرض سيطرة كاملة على المساعدات، من خلال بيان مشترك، يعكس مخاوف من تحويل المساعدات الإنسانية إلى أداة حرب. إذ إن تولي طرف مشارك في الحرب، مثل إسرائيل، مسؤولية توزيع المساعدات، يجعل من المستحيل إيصالها بشكل محايد إلى الفئات المحتاجة. فأن تتحول إسرائيل إلى قوة احتلال وفي الوقت ذاته إلى سلطة مسؤولة عن توزيع المساعدات الإنسانية، يعني عمليًا تحويل هذه المساعدات إلى أداة ضمن التكتيكات الحربية ضد سكان غزة.

ويُعد استخدام التجويع كسلاح حرب، أحد أبرز الاتهامات التي استندت إليها المحكمة الجنائية الدولية في إصدارها مذكرات توقيف بحق كل من بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت. من الواضح أن إسرائيل، بدعم من ترامب، تحاول تطبيع احتلالها لغزة واستخدام المساعدات كسلاح.

وبحسب مقال نُشر في مجلة Foreign Affairs للكاتب بويد فان دايك، فإن المحكمة الجنائية الدولية تملك أساسًا قانونيًا لمحاكمة استخدام التجويع كسلاح حرب، غير أن هناك أمثلة قليلة جدًا على نجاح هذه المحاكمات سابقًا. فصعوبة إثبات "النية"، بالإضافة إلى اعتبار التجويع حتى وقت قريب تكتيكًا مشروعًا في الحروب، يعقّدان عملية الملاحقة القانونية. ومع ضعف الدعم السياسي الأوروبي لهذه القضية في المحكمة، فإن تجاهل إسرائيل للضغوط الدولية يبدو أمرًا طبيعيًا.

ويرى دايك أن هذه الدعوى تمثل اختبارًا مهمًا لمعرفة ما إذا كان القانون الدولي سيتحول إلى أداة عاجزة وغير فعالة. وفي ظل ازدواجية المعايير الغربية وتغاضيها عن انتهاكات إسرائيل، فإن انخراط دول مثل جنوب أفريقيا وتركيا في الدعوى يرفع من مستوى أهميتها، إلا أن تعزيز الدعم السياسي للمحكمة الجنائية الدولية يبقى ضرورة ملحّة.

لطالما كانت واشنطن الضامن الأكبر لإسرائيل في مواجهة ضغوط القانون الدولي والمنظمات الإنسانية. وعندما سمع نتنياهو من ترامب ضرورة "الاعتدال" في سوريا بعد تقديمه له "هدية سياسية" متمثلة في التهدئة، بدأ يسعى إلى إيجاد صيغ جديدة لضمان استمرار الدعم الأميركي. وقد أتاح إشراك الولايات المتحدة في توزيع المساعدات بغزة فرصة لترامب ليظهر بمظهر "الرحيم" تجاه سكان غزة الذين يعانون من الجوع نتيجة "اضطهاد حماس"، على حد تعبيره.

ترامب، الذي لم يعد يكرر الحديث مؤخرًا عن خططه لإفراغ غزة من الفلسطينيين وتحويلها إلى "ريفيرا الشرق الأوسط"، يبدو راضيًا في الوقت الراهن عن احتمالات الربح التي قد تحققها الشركات الأميركية الخاصة. لكن مشاركة واشنطن في ترسيخ الاحتلال الإسرائيلي لغزة بهذه الطريقة، تتعارض مع مساعي ترامب المعلنة للانسحاب من الشرق الأوسط.

وبدلاً من نشر قوات أميركية، فإن إشراك شركات أمنية خاصة يعني بقاء المصالح الأميركية ميدانيًا، ما يستوجب من ترامب حمايتها. ويبدو أن هذا هو بالضبط ما يسعى إليه نتنياهو: جعل الدعم الأميركي دائمًا لبلاده، وبالتالي تكريس الاحتلال الإسرائيلي لغزة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!