ترك برس

تناول تقرير للكاتب والإعلامي التركي نيدرت إيرسانال، أبعاد زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى منطقة الخليج، منطلقًا من محطته الأولى في السعودية، ليفكك الدلالات السياسية والاستراتيجية المرتبطة بهذه الزيارة في سياق إعادة تشكيل توازنات الشرق الأوسط. 

واستعرض التقرير الذي نشرته صحيفة يني شفق تحولات محتملة في علاقة واشنطن مع قوى إقليمية مثل تركيا وإيران وسوريا، ويحلل توجهات ترامب نحو تجاوز الخطوط الحمراء التقليدية للسياسة الأمريكية، سواء عبر الانفتاح على أطراف كانت تُعتبر خصومًا، أو من خلال ربط الأمن الإقليمي بالمصالح الاقتصادية المباشرة. 

وناقش الكاتب أيضًا مآلات الدور التركي المتصاعد، وصفقات التسليح المثيرة للجدل، مع الإشارة إلى تحذيرات من الوقوع في تبعيات جديدة. وفي خلفية كل ذلك، يُطرح السؤال الجوهري: هل يمثل ترامب انحرافًا طارئًا في السياسة الأمريكية، أم أنه تعبير صريح عن مرحلة جديدة في بنية النظام العالمي؟

وفيما يلي نص التقرير:

إن زيارة الرئيس ترامب لدول الخليج تسلط الضوء على مساحات غامضة في سياسات الشرق الأوسط وتركيا والعالم..

كما أن التحليلات والتغطيات الإعلامية التي ترسم صورة زعيم أمريكي "يبتز الأموال ويبيع السلاح" ويصدر تصريحات عبثية، لا تعكس الحقيقة كاملة..

1ـ من أبرز الدلالات السياسية لزيارة ترامب التي انطلقت من المملكة العربية السعودية، هو أن الرياض ستلعب دورًا رياديًا أكبر في موازين القوى الإقليمية. كما أصبح صعود ولي العهد إلى العرش أمرًا محسومًا، وتلاشت تمامًا مخاطر المؤامرات التي كانت تُحاك في كواليس القصر، سواء خلال فترة بايدن أو حتى في ولاية ترامب الأولى. (ولا ننسَ قضية خاشقجي).

2ـ يتضح أن خطة ترامب الأساسية تتمثل في إنهاء الصراعات في الشرق الأوسط، وتنظيم المنطقة، أو حسب البعض "إعادة تشكيلها".

3ـ وهذا يشمل سوريا بالطبع، وكذلك تنظيم "بي كي كي/واي بي جي" الإرهابي ونتنياهو. ولا نقول "إسرائيل" لأننا نعلم أن ارتباط هذه الدولة بالولايات المتحدة يختلف جذريًا عن غيرها.

4ـ إيران في الصورة أيضًا؛ فهناك مؤشرات قوية وحديثة على تقارب محتمل بين الولايات المتحدة وإيران. حتى أن بعض الخبراء يتحدثون عن احتمال إعادة افتتاح السفارة الأمريكية في طهران، وهو ما سيكون له دلالات تاريخية عميقة.

5ـ يقول ترامب: "أريد أن أتوصل إلى اتفاق مع إيران. إذا تمكنت من ذلك، فإن المنطقة والعالم سيصبحان مكانًا أكثر أمنًا. وهذا يسعدني. وأود أن أقترح مسارًا جديدًا لإيران نحو مستقبل أفضل ومليء بالأمل. أنا مستعد لإنهاء الصراعات الماضية وبناء شراكات جديدة من أجل عالم أفضل وأكثر استقرارًا. أنا مختلف عما يعتقده الكثيرون، لا أحب الأعداء الدائمين."

6ـ إن تواصل ترامب مع الحوثيين، وحماس، والرئيس السوري أحمد شرع، وسعيه لتطبيع العلاقات مع إيران، يدلّ على نيّته إلغاء الخطوط الحمراء التاريخية التي لطالما حكمت السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. وهذا التوجّه بحد ذاته حدث محوري، يَعِدُ بإحداث تحوّل استراتيجي واسع النطاق في المنطقة.

7ـ يمكن القول إنه لا يهتم بخطط الولايات المتحدة القديمة التي اعتمدت لعقود على تأسيس بعض الفصائل ورعايتها وتوظيفها لزعزعة استقرار الدول وتوجيه أنظمتها الطبيعية.

8ـ وفي هذا السياق تتبوأ تركيا موقعاً متقدمًا لا يقل أهمية عن الرياض، بل وربما تتقدم عليها في بعض الملفات. وهذا ما يجعلها بالنسبة لاشنطن شريكاً مثالياً، وقد بات هذا واضحا الآن.

9ـ وحتى الصين يمكن إدراجها ضمن هذا الإطار. كما أن الطريقة التي تعاملت بها الولايات المتحدة مع أزمة الهند وباكستان تندرج ضمن هذا التصوّر العام.

10ـ صرح ترامب: "قبل بضعة أيام، توسطت في وقف إطلاق نار تاريخي بين الهند وباكستان بعد تصاعد العنف. واستخدمت التجارة لتحقيق ذلك، فقلت لهم: أيها الأصدقاء لا تتنافسوا في الصواريخ النووية بل تبادلوا السلع. فتوقف القتال."

11ـ بناء نظام عالمي جديد: هناك محاولة لبناء ما يشبه "شركة عالمية" عبر تقاسم المصالح دون سحق مصالح روسيا والصين.

12ـ إن الهدف النهائي هو تحصيل "أموال طائلة" من خلال مخطط التنظيم الجديد. ويريد ترامب نصيب الأسد من "التنظيم والتحسين والسلام". وفي المقابل، يعد بتنظيف الفوضى التي خلفها أسلافه. ويمكننا أن نسمي ذلك "سلام ترامب" إن صح التعبير.

13ـ تتضح يوماً بعد يوم ملامح مسعى اقتصادي جديد يسعى إلى ربط الجميع بمنظومة موحدة، وذلك من خلال إعادة تشكيل المسلمات القديمة في مجالات الأمن والطاقة والمال، أو بالأحرى عبر التحكم بمسارات التغيير فيها.

14ـ حتى من خلال تتبع خلفيات "المبعوثين الخاصين" والسفراء الذين عيّنهم ترامب لحل الأزمات البارزة أو للتعامل مع البلدان الحرجة، يمكن قراءة هذا التوجه بوضوح.

15. العقبة التي تواجه ترامب هي "الوقت". وعند الأخذ بالاعتبار أن هذه فترة ولايته الثانية والأخيرة، مع استهلاك الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة عامًا كاملًا يُفهم استعجاله.

16ـ وإذا تمكّن ترامب من الحفاظ على توازنه السياسي وعدم التهور في ما تبقّى من ولايته، خصوصًا في نهايتها، فقد يسجّل في صفحات التاريخ بوصفه "أكثر الفاشيين نفعًا".

17ـ أما فيما يخص تركيا، فقد انفتحت أمامها سلسلة من الأبواب السياسية بسرعة لافتة، حتى أن أطرافًا أخرى في المنطقة بدأت تلقائيًا تتشجع على الانضمام إلى سياسات ترامب تجاه أنقرة.

جميع البنود والتفاصيل الواردة في كل منها قابلة للنقاش. ونحن نفعل ذلك بالفعل. وحتى لو اقتصر النقاش على سوريا وتنظيم "بي كي كي/واي بي جي" الإرهابي على وجه الخصوص، فلن نصل إلى نهاية. إن خبرتنا ومكتسباتنا في المنطقة تنبهنا إلى أن التوجس والحذر في منح الثقة لا يكفي مهما بلغت درجاته.

ومن ناحية أخرى، هناك منحى واضح بدأ يتبلور أمام أعيننا. ومما لا شك فيه أن أنقرة تدرك أن هذا المسار الجديد يحمل في طياته مصالح متعددة ومتداخلة. ولذلك تسعى لاقتناص أكبر قدر ممكن من المكاسب، دون أن تحسم تموضعها المطلق مع أي جبهة أو محور. ومن يستطيع أن يصف ذلك بأنه "خطأ"؟

لقد بدأت الولايات المتحدة والدول الأوروبية تتحدث علنًا عن ضرورة تزويد تركيا بحرية بالأسلحة الدفاعية. بل يُقال الآن إن العقبات التي كانت تعترض حصول تركيا على طائرات F-35، ومنظومة S-400، بل وحتى عقوبات CAATSA، قد تُزال قريبًا. أما حلف الناتو فيدفع نحو بيع طائرات يوروفايتر إلى تركيا، وقد وافقت واشنطن بالفعل على بيع صواريخ جو جو. فيما تشير وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن الولايات المتحدة باتت أكثر انفتاحاً على تسليم طائرات F-35 إلى تركيا، ما دفع تل أبيب إلى إطلاق حملات ضغط لمنع ذلك.

ولكن في المقابل، هناك شريحة لا يُستهان بها تحذّر من "ثمار مسمومة"، ويطرح البعض تساؤلات مشروعة "لماذا تُمنح هذه الأسلحة"، و"هل ينبغي لنا - بعد تطور صناعتنا الدفاعية - العودة إلى الاعتماد على أسلحة قد تخلق تبعية جديدة؟". هذه الأسئلة بحاجة إلى إجابات مقنعة.

وثمة من يربط بين الدور التركي في الأمن الأوروبي، وموقعنا الجديد في الشرق الأوسط، وأدوارنا في ديناميكيات بحر قزوين والقوقاز والبحر الأسود، وبين "الحلول" المطروحة لمشاكلنا التي تثير القلق. وكل هذه المسائل تحمل أهمية بالغة.

ولكن لا بد أيضًا من تحليل الهجمات العنيفة التي يشنها معسكر من ذوي الأحكام المسبقة، الذين يرون في ترامب "فاشيًا نرجسيًا مريضًا نفسيا" أو "مختلا عقليا متطرفًا قد يُشعل أكبر الحروب". وإذا استثنينا الجاهلين وضحايا الإعلام الرديء، سنجد أن ما تبقى هم "ليبراليون منحرفون" و"ديمقراطيون باليون"، وهم من يمكن وصفهم بـ"ممارسي كل الشرور حتى الآن".

ولفهم الإجابة على سؤال "هل لا تزال أمريكا بعد ترامب هي أمريكا التي نعرفها؟" يجب إدراك حقيقة أن ترامب ليس السبب بل النتيجة الطبيعية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!