ترك برس

تناول مقال للكاتب والإعلامي التركي توران قشلاقجي، تصاعد الهجمات الإسرائيلية في المنطقة، مستعرضًا دور إسرائيل كأداة عسكرية وسياسية للولايات المتحدة وبريطانيا في الشرق الأوسط، مع التركيز على دلالات استهداف أسطول "الصمود" في تونس، وقصف محافظة حمص السورية والعاصمة القطرية الدوحة.

يُسلط قشلاقجي - في مقاله بصحيفة القدس العربي - الضوء على الدعم الغربي المطلق لإسرائيل، ويكشف زيف الادعاءات الأمريكية عن حماية الحلفاء، مشيرًا إلى أن الشعوب الإسلامية مطالَبة اليوم باليقظة والمقاومة.

ويتطرق إلى جرائم الإبادة الجماعية المرتكبة في غزة، مستشهدًا بتقارير دولية، منها قرار "الجمعية الدولية لعلماء الإبادة الجماعية"، ودراسة علمية منشورة في مجلة ذا لانسيت توضح الآثار المدمرة للعقوبات الغربية، التي تسببت في وفاة ملايين البشر.

وفيما يلي نص المقال:

الهجمات الجوية التي شنّتها إسرائيل، القوة الوكيلة لبريطانيا والولايات المتحدة في الشرق الأوسط، على أسطول «الصمود» في ميناء تونس، وعلى مدينة حمص في سوريا، وأخيرا على قطر، باتت تُوجه نداءً لأبناء هذه المنطقة، بأن يكونوا يقظين ومستعدين، فكل هجمة من هذه الهجمات يجب اعتبارها موجهة إلى جميع دول المنطقة. ولا غرابة، فقد كشف المسؤولون الإسرائيليون عن ذلك صراحة. ولا شك أن كلمات وزيرة الاستيطان الإسرائيلية أوريت ستروك، تستحق التوقف عندها: «لا خطوط حمر بعد اليوم. انتهى عهد اعتبار قطر دولة محصّنة. كل دولة تُشكّل خطرا علينا سوف تُقصف».

لقد أظهرت التطورات الأخيرة حقيقة جلية: لولا الولايات المتحدة وبريطانيا، لما كان للاحتلال الإسرائيلي أي شأن، فالمجازر التي يرتكبها، إنما هي بالنيابة عنهما، وبدعمهما. وأدركت دول المنطقة اليوم أن أمريكا لا يُمكن الوثوق بها أبدا؛ فهي تطلق كلبها المسعور والقذر متى شاءت، ليدنّس أرض هذه المنطقة وسماءها وبحارها. أما الهجوم على قطر، فهو في الحقيقة يتضمن رسالة من ترامب إلى الدوحة، وجميع عواصم الخليج، مفادها: «من يعتمد على الولايات المتحدة، سينتهي به الأمر عاريا».

وبلا شك، فإن الدول الإسلامية الممتدة من الجزائر إلى ماليزيا، ستجري تقييماتها وتصدر قراراتها إزاء هذه الهجمات، لكن الأهم من ذلك هو يقظة الشعوب، فقد آن الأوان لكي يكون مثقفو هذه الأرض، وعلماؤها، ومفكروها الشجعان مستعدين في كل الميادين؛ من الجهاد بالقلم إلى الجهاد بالسلاح، ومن النضال الفكري إلى المقاومة الفعلية. وبالمثل، يجب على أقلياتنا أيضا أن تبتعد عن الألاعيب، التي يديرها الإمبرياليون، وأن تبحث عن سبل الحياة الكريمة، جنبا إلى جنب مع الشعوب المسلمة. فشعوب هذه المنطقة تُهان منذ مئة عام على مرأى ومسمع من الجميع، ولم يعد بالإمكان القبول بهذه المذلة بعد الآن.

إن الإبادة الجماعية والخيانة والنفاق والهمجية، التي تُرتكب في فلسطين، لم توقظ فقط الشعوب الإسلامية، بل هزّت ضمائر الشعوب الحرة في جميع أنحاء العالم. وقد أعلنت الجمعية الدولية لعلماء الإبادة الجماعية (International Association of Genocide Scholars) في قرارها الصادر بتاريخ 31 أغسطس، أن إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية بالفعل، وثبت أن سياسات إسرائيل وأفعالها في غزة تطابق تماما تعريف الإبادة الجماعية، الوارد في المادة الثانية من اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، الصادرة عام 1948، وطالبت الجمعية بمحاكمة المسؤولين الإسرائيليين.

بالتوازي مع هذه التطورات، نشرت مجلة «ذا لانسيت غلوبال هيلث» (The Lancet Global Health)، وهي من أعرق المجلات الطبية في العالم، في عددها الصادر في أغسطس 2025، دراسة رائدة، حيث عرضت هذه الدراسة، التي جاءت في 48 صفحة، تحت عنوان «تأثير العقوبات الدولية على معدلات الوفيات حسب الفئة العمرية» بالأرقام، أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي على مدى 51 عاما، أدت إلى وفاة 38 مليون إنسان. وأظهرت الدراسة أن العقوبات ليست مجرد أداة ضغط اقتصادي، بل هي حرب غير مرئية في عصرنا، فهي تتحول في الدول المستهدفة إلى أداة إبادة جماعية يمكن مقارنتها بالأسلحة النووية، نتيجة لانهيار الصناعة، والأزمات السياسية، والفوضى الثقافية، والانهيار الاقتصادي.

خلاصة القول، أن العالم تُرك لمصير تُحدده زمرة متوحشة لا تعرف سوى الكذب والخيانة والغدر والفساد في الأرض، زمرة لا تردعها القوانين، ولا ترهبها الإدانات الدولية. فصدورهم ممتلئة بالحقد والكراهية، وألسنتهم لا تنطق إلا بالكذب والخداع والمكر. لقد باتت المسؤولية اليوم على عاتق الشعوب الإسلامية، ومثقفيها، ومجتمعها المدني. لأن المجازر التي تُرتكب في غزة، والتي تمثل آخر حلقة في سلسلة الإبادة الجماعية العالمية التي يقودها الغرب، ليست سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد. ولهذا، فإن ما يجب القيام به، يجب أن يتم الآن فورا، وإلا فإن الخاسر لن يكون غزة وحدها، بل سيخسر العالم كله، وستُدفع الإنسانية مرة أخرى نحو هاوية الظلام.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!