ترك برس

تناول مقال للكاتبة والباحثة المصرية صالحة علام، بموقع الجزيرة مباشر، تصاعد الجدل حول مستقبل ميليشيات قوات سوريا الديمقراطية «قسد» في ظل تصريحات الرئيس السوري أحمد الشرع، الذي دعا من نيويورك إلى دمج الأكراد ضمن الجيش السوري للحفاظ على وحدة البلاد.

تعرض الكاتبة في مقالها تلاقي مصالح أنقرة ودمشق في رفض أي مشروع لتقسيم سوريا رغم اختلاف دوافعهما، مع رصد الضغوط التركية على «قسد» وتهديداتها بعمل عسكري، ومؤشرات تراجع الدعم الأمريكي لما يسمى "ألإدارة الذاتية"، إضافةً إلى محاولات الأخيرة البحث عن دعم إسرائيلي لإبقاء مشروعها الفيدرالي قائمًا.

وفيما يلي نص المقال:

في أثناء جلسة حوارية له في «معهد الشرق الأوسط» بنيويورك قال أحمد الشرع، رئيس المرحلة الانتقالية بسوريا، إن واشنطن يمكنها المساعدة في دمج الأكراد بالقوات السورية، مشددًا على أن استقرار سوريا مرتبط بوحدة أراضيها، وأن أي تقسيم لها سيؤذي دول الجوار، ويزعزع الأمن والاستقرار بالمنطقة.

وهي التصريحات التي أعادت مجددًا فتح النقاش بشأن مستقبل قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، والدور الذي يجب أن تضطلع به مختلف القوى الإقليمية والدولية لإنهاء هذه المعضلة، التي تسبب أرقًا بالغًا لكل من أنقرة وبغداد، وتهدد أمن واستقرار دمشق بطبيعة الحال.

وحملت اتهامًا واضحًا للإدارة الأمريكية بعدم ممارستها ضغوطًا كافية على قوات سوريا الديمقراطية، وجعلها تمتثل لبنود الاتفاق الذي سبق أن وقعته في مارس/ آذار الماضي، الذي يقضي بإدماج عناصرها المسلحة ضمن وحدات الجيش السوري، وحصر السلاح في يد الدولة وحدها.

الرسائل التي حرص الشرع على توجيهها من نيويورك، مقر الأمم المتحدة، هدفت إلى تحميل المجتمع الدولي مسؤولية أية مخاطر يمكن أن تنجم عن إفساح المجال أمام الداعمين لمخطط تقسيم سوريا إلى عدة كيانات سياسية متفرقة للسير قُدمًا في تنفيذ هذه السيناريوهات الهدامة، المطروحة بقوة هذه الفترة على الساحة الإعلامية، والتي تتبناها وتروج لها العديد من وسائل التواصل الاجتماعي باعتبارها الحل الأمثل للقضاء على مشكلة الأقليات العرقية التي تفجرت فجأة داخل بنيان المجتمع السوري.

الرئيس أردوغان، ومنذ سقوط نظام بشار الأسد، أكد مرارًا وتكرارًا أن بلاده لن تسمح بتقسيم سوريا أو إلحاق أية أضرار بتركيبتها متعددة الإثنيات والثقافات تحت أي ذريعة، وأنهم جاهزون لاتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة أي خطر من هذا القبيل.

تطابق وجهتي نظر أنقرة ودمشق بشأن هذه المسألة الحساسة، وتوظيفهما لكافة ما يمتلكانه من أدوات دبلوماسية وسياسية وعلاقات دولية لتوضيح المخاطر التي يمكن أن ترشح عن تبني هذه السيناريوهات على أمن واستقرار المنطقة بأجمعها.

وسعيهما معًا لإفشال كافة المخططات التي يحاول البعض وضعها موضع التنفيذ استثمارًا لحالة عدم التوازن الذي تمر به سوريا حاليًا، لا يمنع من أن كلًّا منهما له دوافعه الخاصة، وأهدافه التي يعمل على تحقيقها، ومصالحه السياسية والأمنية التي يدافع عنها.

الرئيس أحمد الشرع من جانبه يسعى إلى إعادة اللحمة للمجتمع السوري بجميع مكوناته الإثنية والعرقية، وفرض سلطة الدولة المركزية على مساحة البلاد الجغرافية، ما يتطلب عودة مؤسسات الدولة للعمل في المناطق الخاضعة لسلطة الإدارة الذاتية لوحدات حماية الشعب بشمال شرق البلاد، بما في ذلك مؤسسات الصحة والتعليم والأمن والإدارة المحلية، وإنهاء حالة الفراغ الإداري والأمني الذي يعاني منه سكان هذه المناطق.

وإنهاء المخاوف الناجمة عن إمكانية حدوث مواجهات مسلحة بين الإدارة الذاتية الكردية، التي تفرض سيطرتها على مناطق لا تتجاوز نسبة الأكراد فيها حاجز 20% من السكان، خاصة في كل من دير الزور، والحسكة، والرقة، وعين عيسى، والطبقة، التي يغلب عليها المكون العربي، الذي يرى أن التعامل مع الإدارة المركزية للدولة السورية يعد الخيار الأفضل له.

فضلًا عن رغبة الحكومة المركزية في استثمار الموارد الطبيعية التي توجد في المناطق الخاضعة لسيطرة «قسد»، والتي تمثل 27% من مساحة سوريا، حيث المياه الجوفية، والأراضي التي تمتاز بخصوبة تربتها، وقابليتها لنمو مختلف أنواع المزروعات، خاصة الاستراتيجية منها، إلى جانب كونها مناطق غنية بآبار النفط والغاز، وهو ما يمكن استثماره في إعادة تأهيل الاقتصاد السوري، وإعادته إلى مساره الطبيعي، بما يحقق للسوريين الاستقرار المجتمعي والرفاهية التي يطمحون إليها.

من جهتها، عدّت تركيا عدم التزام قوات سوريا الديمقراطية بتعهداتها التي أقرت بها في اتفاقها الموقّع مع الحكومة الانتقالية في مارس/ آذار الماضي، وتلكؤها في وضعها موضع التنفيذ، وإصرارها على عدم إلقاء السلاح، ورفضها الاندماج ضمن مكونات الدولة السورية الإدارية والعسكرية، تهديدًا مباشرًا للوحدة الجغرافية للدولة السورية، وأمنها القومي، وانتقاصًا من سيادتها.

وأن موقفها الرافض لاستمرار وجود تنظيمات أو حركات مسلحة خارج نطاق سيطرة دمشق واضح تمامًا للقاصي والداني، وأنها لن تسمح للساعين إلى تخريب المرحلة الانتقالية في سوريا بتحقيق أهدافهم الهدامة التي تهدد استقرار المنطقة بكاملها، وأنها ستبذل كل جهد ممكن من أجل الحفاظ على أمنها وأمن سوريا، ولن تتوانى لحظة عن تقديم كافة أنواع الدعم المطلوب لتحقيق هذا الهدف.

إصرار أنقرة على ضرورة دمج قوات سوريا الديمقراطية «قسد» ضمن مكونات الجيش السوري، وتهديدها المستمر بعملية عسكرية شمال شرق سوريا، يلبي رغبتها في تحقيق مبادرة «تركيا خالية من الإرهاب»، خاصة وأنها ترى أن وحدات حماية الشعب ومقاتلي حزب العمال الكردستاني هما الركيزة الأساسية لـ«قسد»، التي تمثل تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي.

ورغم التهديد بإمكانية اجتياح مناطق سيطرة الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا بالتعاون مع الجيش السوري في حال نفد صبرها، واستعدادات رئاسة الأركان لتنفيذ أوامر القيادة السياسية بهذا الشأن، إلا أن أنقرة لا تزال تفضّل منح الحكومة الانتقالية في دمشق الفرصة كاملة للتعامل دبلوماسيًا مع «قسد»، وإقناعها بالاندماج في النسيج الوطني السوري.

سياسة ضبط النفس التي تمارسها تركيا في الفترة الراهنة تجاه هذه المسألة ترتكز على إمكانية تحرك الإدارة الأمريكية فعلًا باتجاه إنهاء ارتباطها العسكري والأمني مع «قسد»، مع تزايد التصريحات التي تشير إلى وجود رغبة حقيقية لدى إدارة ترامب في سحب قواتها من سوريا، مثلما حدث مع العراق.

ووجود العديد من الدلائل التي تؤكد هذه الفرضية، إذ أقدمت واشنطن على سحب حوالي 500 جندي من قوتها العسكرية الموجودة على الأراضي السورية، وأغلقت 3 قواعد مهمة لها في دير الزور، كما سبق أن أعلنت عن تخفيض الدعم المالي الذي تقدمه لوحدات حماية الشعب من 156 مليون دولار في عام 2023 إلى 130 مليون دولار من موازنة 2026، وهو مؤشر لتراجع دعم واشنطن التدريجي لـ«قسد» لا يجب التغاضي عنه.

إلى جانب تحسن العلاقات السورية – الأمريكية، ورغبة الأخيرة في العمل مع الإدارة السورية الجديدة، وهو ما بدا واضحًا في تصريحات توم باراك، المبعوث الأمريكي في سوريا، الذي أكد فيها أن رؤية أمريكا لسوريا اليوم هي «بلد واحد، جيش واحد، شعب واحد»، مؤكدًا أن المطالب الكردية، سواء ما يرتبط منها بالهيكل العسكري المستقل أو بالفيدرالية، أصبحت أمورًا غير قابلة للتطبيق بل ومزعزعة للاستقرار.

وأن هذه المطالب تتعارض مباشرة مع رغبة ترامب في إقامة دولة سورية موحدة يمكن التعامل معها والاعتماد عليها، حتى وإن كان هذا التوجه يخالف رؤية إسرائيل لمستقبل سوريا، الساعية لتقسيمها عبر دعمها الحركات الانفصالية بها، حماية لحدودها المشتركة معها، وحفاظًا على أمنها، وهي المخاوف التي توظفها وحدات حماية الشعب، وتراهن عليها في دعم تل أبيب لها، والضغط على إدارة ترامب للقبول بتطبيق النظام الفيدرالي بسوريا.

تركيا من جانبها ترى أن هناك إمكانية لإنهاء المخاوف الإسرائيلية حال التوصل لتفاهمات أمنية واتفاقات مع سوريا وإسرائيل، من المرجح توقيعها خلال الفترة المقبلة، وبالتالي إغلاق جميع الأبواب في وجه قيادات «قسد»، وإجبارها على القبول بالاندماج ضمن مكونات المجتمع السوري الجديد.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!