
ترك برس
رأى الكاتب والصحفي التركي كمال أوزتورك، أن حماس نجحت في كسر العزلة السياسية المفروضة عليها بخطوة تفاوضية محسوبة، فاجأت واشنطن وتل أبيب، وأجبرتهما على التعاطي معها كطرف سياسي فاعل. وجاء ذلك بعد اجتماعات مكثفة في الدوحة شاركت فيها تركيا ودول عربية، وأسفرت عن تغيير ملموس في مسار الأزمة.
وأضاف في مقال نشره موقع "الجزيرة نت"، أن ترامب ونتنياهو حين عقدا مؤتمرا صحفيا في أميركا، وأعلنا خلاله ما بدا وكأنه "صك وفاة" لغزة، خيم الحزن والخذلان على القلوب. فقد بدا كأن القضية قد طُويت، وأن غزة تُركت لمصيرها المحتوم.
وأضاف: ثم زاد الطين بلة أن نتنياهو نشر لاحقا مقاطع فيديو مقززة وكأنه انتصر، ما أثار سخط كل صاحب ضمير حي، وأشعل مشاعر الغضب والرفض لدى جماهير واسعة.
وفيما يلي تتمة المقال:
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، إذ خرج ترامب مهددا: "إذا لم توقع حماس على الاتفاق، فسنُذيقهم الجحيم".
في تلك اللحظة، امتلأت صدور المحبين لفلسطين بالحزن والمرارة، وتسرب الإحساس بالعجز إلى النفوس. ساد جو من الإحباط، وكثيرون لم يتمكنوا من النوم في تلك الليلة.
اجتماع حاسم في الدوحة
اجتمع مسؤولون من تركيا، ومصر، وقطر في العاصمة القطرية الدوحة، في لحظة كان يُراد فيها خنق حماس وإجبارها على خيارين لا ثالث لهما: إما الفناء، أو التوقيع على الاتفاق.
حضر الاجتماع رئيس الاستخبارات التركية إبراهيم قالن، ورئيس الاستخبارات المصرية، ومسؤولون قطريون، وسط إجراءات أمنية مشددة.
وفي الوقت ذاته، كانت حماس تجري مشاورات داخلية مع فصائل المقاومة الأخرى في غزة، فيما دارت نقاشات مكثفة حول كيفية كسر هذا الحصار السياسي والدبلوماسي، وكيفية خلق مساحة للتنفس، أو على الأقل، كسب الوقت.
صمود حماس وحنكة الدول
أظهرت حماس صلابة مدهشة، رغم الحصار والضغوط، وهي ليست المرة الأولى التي تواجه فيها مثل هذا الخناق. لكن بعد عامين من القتال ضد واحد من أقوى جيوش العالم، استُنزفت قدراتها المادية، وإن كانت روحها لا تزال تقاوم.
اتحدت تجربة حماس مع مهارات الدول الدبلوماسية، فتم التوصل إلى مخرج بارع: لن يُرفض عرض ترامب بالكامل، لكنه لن يُقبل كما هو. ستحبط الخطة الإسرائيلية الرامية إلى عزل حماس، ومحاصرتها، وتجريمها عالميا.
وهكذا، سيُنتشل قطاع غزة من براثن الجحيم، وسيُمنح وقتا ومساحة للمناورة، ولملمة قواه، استعدادا للمرحلة القادمة. هذا هو جوهر الخطة.
تغيير في النظرة لملف الرهائن
في المفاوضات، قيل لحماس: لقد تحول ملف الرهائن الإسرائيليين من ورقة ضغط قوية إلى عبء تكتيكي. فوجودهم لم يمنع إسرائيل من القصف والقتل، بل استمرت حتى في تنفيذ الاجتياح البري، ما يعني أن نتنياهو تخلى عنهم منذ البداية، واستخدمهم فقط كذريعة لتبرير العدوان.
خطاب ترامب كله كان يركز على الرهائن، وكذلك تصريحات الدول الأوروبية، ما جعلهم في قلب السردية الإعلامية والسياسية.
ولكن، ما الذي ستخسره حماس إن أفرجت عنهم؟
هذا السؤال طُرح بوضوح على طاولة النقاش، وأُثيرت قناعة بأن بقاء الرهائن لم يعد يشكل فائدة أو درعا، بل صار عبئا.
إذا أفرجت حماس عنهم، فإنها تُسقط الورقة من يد إسرائيل، وتنهي الذريعة التي تستخدمها للاجتياح، وفي الوقت ذاته تُظهر أنها ليست الطرف الرافض للاتفاق، ما يكسر خطاب "المنظمة الإرهابية".
لكن الدهاء السياسي تمثل في أن حماس لم توافق على باقي مطالب ترامب، بل قالت إنه يجب التفاوض عليها لاحقا، ما جعل الخطوة تكتيكية أكثر منها استسلامية.
اجتماعات حرجة وحراك دبلوماسي
بُعيد الاتفاق على النقاط الرئيسية، صيغ بيان بحرفية عالية، اختيرت ألفاظه بعناية فائقة، حتى مراعاة غرور ترامب أُخذت بالحسبان.
ثم بدأ التواصل بين وزراء خارجية الدول المعنية. قام وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بدور كبير، وأعقبه اتصال من رئيس الاستخبارات التركية إبراهيم قالن إلى المبعوث الخاص لترامب، ويتكوف، وأطلعه على البيان.
اتفق الرجلان على أن رد حماس يشكل فرصة ثمينة لإنهاء الحرب. بعد ذلك، بدأ التحدي الأصعب: إقناع ترامب بالعرض، متجاوزين نفوذ اللوبي الإسرائيلي في البيت الأبيض ووزارتي الدفاع والخارجية.
اتصل أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بترامب، وأبلغه أن ما تم التوصل إليه هو أفضل مخرج ممكن.
وفي اليوم التالي، تحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع ترامب هاتفيا، مؤكدا أن ما خرجت به المباحثات في الدوحة هو الحل الأنسب.
أدرك ترامب أن ملف الرهائن يمثل مكسبا سياسيا مهما له، فوافق على العرض.
محاولة التأثير على ترامب
أعلنت حماس عن العرض الذي أعدته، وكان البيان مفاجئا للشارع العالمي، إذ حظي بقبول واسع لم يكن متوقعا.
أما نتنياهو فكان يظن أن ترامب سيرفض العرض، وقال ذلك لمقربيه. لكن الصدمة جاءت حين نشر ترامب على حسابه في وسائل التواصل إعلانا عاجلا، قال فيه: "حماس مستعدة للسلام الدائم، وسيُفرج عن الرهائن. على إسرائيل أن توقف القصف فورا".
أعلن البيت الأبيض أن ترامب سيُلقي خطابا مصورا، ونُشرت صورة له أثناء تسجيل الفيديو.
لكن الفيديو تأخر في الصدور، بسبب دخول ويتكوف إلى غرفة ترامب، ثم التحاق صهره جاريد كوشنر، في حين أصر نتنياهو على مكالمة هاتفية عاجلة.
انتشرت شائعات بأن ترامب سيغير موقفه، غير أنه، بفضل ضغط ويتكوف، لم يُبدل رأيه، ونشر مقطعا قصيرا أعلن فيه أن عرض حماس إيجابي.
وهكذا، نجحت حماس في كسر الحصار السياسي، تنفست غزة الصعداء، وسقطت إسرائيل في موقف دفاعي محرج.
حماس باتت جهة شرعية في المشهد
نشر كل من ترامب ونائبه فانس النص الكامل لعرض حماس على حساباتهما الخاصة، مما شكل صدمة لدوائر صنع القرار في إسرائيل والولايات المتحدة. فقد أصبح الطرف الذي وصفوه طويلا بالإرهابي، معترفا به ومخاطبا كطرف رسمي.
وهذا يُعتبر من الناحية الدبلوماسية "هدفا في مرمى إسرائيل".
كما أن مطالبة ترامب بوقف القصف فورا كانت بمثابة أمر مباشر لنتنياهو بالتراجع.
وعلى الرغم من أن إسرائيل واصلت القصف وقت كتابة هذا المقال، فإن تصريحاتها الرسمية أشارت إلى التزامها بخطة ترامب. لكن هذه المرة، غابت عن خطابها نبرة الانتصار.
لماذا وافق ترامب؟
أثار الإعلام الإسرائيلي زوبعة من الانتقادات، فقالت بعض الصحف: "ترامب باع إسرائيل من أجل جائزة نوبل للسلام"، ونشرت صورا له وهو يُشبّه بمقاتل من حماس.
في واقع الأمر، حقق ترامب ما أراده: تحرير الرهائن، دون أن يتمكن نتنياهو من القضاء على حماس. بالنسبة له، فإن هذه الخطوة تمثل قصة نجاح كبرى.
وفي ظل صعود موجة احتجاج غير مسبوقة حول العالم، كما ظهر في حراك "أسطول الصمود"، اهتزت صورة الولايات المتحدة دوليا.
وقفت قطر، وتركيا، والسعودية، ومصر، والأردن خلف بيان حماس، ما أعطى الانطباع بأن الموقف العربي والإسلامي، موحد.
كل هذه التطورات أكدت أن الوضع لم يعد قابلا للاستمرار، وأن موجات الغضب الشعبي قادرة على تغيير المعادلات.
وبالتالي، رأت الدوائر الأميركية أن إعلان حماس قبولها بالعرض يشكل فرصة ذهبية للتغيير، فسارع ترامب إلى توظيفه، مستحضرا في ذهنه فتح باب الترشح لجائزة نوبل للسلام يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول.
الآن، ينتظر أن يرى أي الدول سترشحه رسميا.
لا نصر ولا هزيمة
لم تحصل غزة على قطعة خبز أو رصاصة من 57 دولة إسلامية، ناهيك عن باقي دول العالم، ومع ذلك، خاضت أعظم مقاومة شهدها التاريخ.
هذا الواقع دفعها لأن تلتقط أنفاسها، وتُعيد ترتيب أوراقها، وتكسب وقتا ثمينا للمناورة من جديد.
وبقرار حكيم، قلبت صورتها أمام العالم، واستعادت زمام المبادرة النفسية والمعنوية.
ما جرى ليس انتصارا، ولا هو هزيمة، بل بداية مرحلة جديدة في مقاومة عمرها أكثر من قرن.
وسيُبنى على هذه المرحلة خطوات أخرى، بلا تنازل عن الأرض، ولا كسر للكرامة.
ففلسطين اليوم، باتت عنوانا عالميا لمعركة الحرية. والنصر سيكون لمن آمن به.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!