
ترك برس
استعرض مقال للكاتب والسياسي التركي أيدن أونال، تحليلا لخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن غزة، مبيّنًا أنها تبدو في ظاهرها خطوة إنسانية تهدف إلى وقف الإبادة وفتح المجال للمساعدات، لكنها في جوهرها تحمل خطر تصفية القضية الفلسطينية على المدى البعيد.
يناقش الكاتب خيارات حركة حماس بين القبول بالخطة تحت الضغوط أو رفضها حفاظًا على الثوابت، مستعرضًا الأوراق الإقليمية التي تملكها الحركة، كالموقف المصري والغضب الشعبي في العالم الإسلامي وتراجع قدرة إسرائيل على الاستمرار في العدوان.
ويتطرق أيدن إلى أسطول الصمود الذي حاول كسر الحصار عن غزة، مسجّلًا شهادات إنسانية عن شجاعة المشاركين فيه، ومؤكدًا أن رسالتهم وصلت إلى العالم، لتذكّر الجميع بأن غزة ما زالت حيّة تقاوم رغم الجراح. وفيما يلي نص المقال بصحيفة يني شفق:
الخطة التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تبدو، على المدى القصير، إيجابية من حيث وقف الإبادة، والسماح بدخول المساعدات إلى غزة، وبقاء أهلها في أرضهم؛ لكنها، على المدى البعيد، تشكل حكمًا بالإعدام على غزة، بل على فلسطين كلها.
حين كُتبت هذه السطور، لم تكن حركة حماس قد ردّت بعد ـ إيجابًا أو سلبًا ـ على الخطة. فترامب هددها بوضوح بوجوب القبول، لكن الأخطر من ذلك هو الضغوط الهائلة التي تمارسها الدول التي توفر لها الحماية من أجل أن تقول "نعم".
تأسست حماس عام 1987 على يد الشهيد الشيخ أحمد ياسين. ومنذ 38 عامًا وهي في قلب السياسة الداخلية والدولية، وفي صلب المقاومة المسلحة. برزت حماس بعد أن تراجعت فاعلية منظمة التحرير الفلسطينية، أي أنها ورثت قرنًا من تجربة المقاومة الفلسطينية وخبراتها. لذلك فهي لا تحتاج إلى عقول أو إملاءات الآخرين. تعرف الميدان جيدًا، وتفهم السياسة، وتُجيد التفاوض وقراءة ما بين السطور. ومن ثم فإن أي قرار ستتخذه بخصوص هذه الخطة سيكون الأنسب، ويجب احترامه.
قد تقول حماس "نعم" تحت وطأة الضغوط الثقيلة. وربما ترى في ذلك مخاطرةً من أجل تخفيف الظروف القاسية في غزة، وفتح المجال أمام المساعدات، ومنح الغزيين بعض المتنفس. لكن قبولها لا يعني أنها حَلَّت نفسها أو أنهت المقاومة. ففي غزة اليوم عشرات الآلاف من الأطفال اليتامى، بلا مأوى، بل بلا أطراف، أعمارهم ثلاث أو أربع سنوات، سيكبرون وهم يحملون شعور الانتقام، وسيواصلون درب المقاومة مهما كانت برامج التأهيل.
وفي المقابل، قد تقول حماس "لا" للخطة، ولديها من الأسباب والقوة ما يتيح لها ذلك. فهي ليست ضعيفة. ولننظر إلى ما بيدها من أوراق:
أولًا: مصر واقعة تحت ضغط شديد بسبب استمرار الإبادة، وتشعر بقلق بالغ. فالخطة الإسرائيلية تهدف إلى تهجير 2.5 مليون فلسطيني من غزة إلى سيناء. ورغم الضغوط السياسية التي تمارسها إسرائيل والولايات المتحدة، تدرك مصر أن مثل هذا التهجير الجماعي سيفجر البلاد من الداخل. فاقتصادها لن يحتمل، ووجود هذا العدد من اللاجئين سيغيّر التوازنات جذريًا. نجاح إسرائيل في فرض التهجير سيكون هزيمة ساحقة لمصر، ما يطلق غضبًا شعبيًا لا يُكبح. ولهذا فإن القاهرة تطالب بوقف الإبادة بإصرار وقوة، ليس حبًا في غزة، بل دفاعًا عن مصالحها.
ثانيًا: الغضب الشعبي في العالم الإسلامي بلغ ذروته. في دول مثل تركيا وباكستان وإندونيسيا، حيث تُجرى انتخابات شفافة، يظهر هذا الغضب بوضوح، أما بقية الدول العربية فتشعر بالضغط المتفجر من قواعدها الشعبية. وفي اجتماع نيويورك، وُضِع ترامب أمام هذه الحقائق. استمرار الإبادة بهذا الشكل بدأ يهدد المصالح الأمريكية في المنطقة نفسها.
ثالثًا: إسرائيل لم يعد لديها القدرة على مواصلة هذه الإبادة. تهديد ترامب لحماس فارغ من المضمون. فإذا قالت حماس "المقاومة مستمرة"، فلن يكون بوسع إسرائيل أن تفعل أكثر مما تفعله الآن. العالم كله هبّ واقفًا ضدها. حتى الدول الغربية باتت تجد صعوبة في تبرير دعمها للمجزرة. إسرائيل معزولة، والأصوات المعارضة في الداخل تزداد ارتفاعًا.
هذه أوراق بيد حماس. تستطيع أن تطلب تعديلًا على نص الاتفاق، أو أن تواصل المقاومة. فقضية غزة لم تعد شأنًا يخص الغزيين وحدهم، بل أصبحت قضية مصر، والدول الإسلامية، بل قضية العالم والإنسانية جمعاء. ويمكن لحماس أن تستثمر هذه الأوراق من أجل الفلسطينيين جميعًا.
وفي النهاية نعيد التأكيد: أي قرار تتخذه حماس سيكون قرارًا صائبًا ويستحق الاحترام. فهي الطرف الذي يدفع الثمن، ويواجه الموت مباشرة، ويضع مصلحة فلسطين فوق حياته، ويصمد بإمكاناته الذاتية. أما الذين لا يقفون في الميدان فلا يحق لهم أن يجلسوا على الطاولة ليملوا عليها نصائحهم.
أسطول الصمود يصل إلى غزة
في الليلة الماضية، وفي برنامج "سياسةً" على قناة تي في نت، كنا على تواصل حتى اللحظات الأخيرة مع الزميل أرسين جليك، الذي كان يتقدّم نحو غزة ضمن أسطول الصمود، قبل أن تتعرض سفينته لاقتحام من قوات الاحتلال الإسرائيلي. كان صوته في البداية متوترًا وأدخل الحزن إلى قلوبنا، لكن مع بدء التدخل بدا أكثر ثباتًا ومعنويات أعلى. حتى إنه قال ممازحًا: "بقي أمامنا 61 ميلًا إلى غزة؛ بالنسبة لنا كل مكان طرابزون"، فابتسمنا قليلًا رغم الموقف العصيب.
ومنذ تلك الليلة لم يصلنا أي خبر عنه وعن رفاقه. وهذا ما كان متوقعًا. لقد ألقوا بهواتفهم في البحر قبل اعتقالهم كي لا تقع بأيدي جنود الاحتلال. نرجو أن تكون فترة احتجازهم قصيرة، وأن يعود أرسين وكل أصدقائنا في أسطول الصمود إلى بلادهم وبيوتهم سالمين في أسرع وقت.
لكن، وبصرف النظر عن النتيجة، فقد وصل أسطول الصمود إلى هدفه. كان الغرض أن يُلفت أنظار العالم إلى غزة، وقد تحقق ذلك. نجحوا في فضح الإرهاب الإسرائيلي وانتهاكاته أمام جماهير أوسع، وأيقظوا ضمائر الإنسانية. فجزاهم الله خيرًا جميعًا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!