ترك برس

تناول مقال للكاتب والخبير التركي نيدرت إيرسانال، بصحيفة يني شفق، التحولات الجارية في الساحة السورية في ضوء "استراتيجية الأمن القومي" التي أعلنها ترامب عام 2025، وما ترتب عليها من رؤية أميركية جديدة للشرق الأوسط.

يتحدث الكاتب عن مؤشرات متعددة توحي بأن العملية العسكرية المنتظرة ضد قسد لن تكون تركية بالدرجة الأولى، بل سورية بدعم تركي مكثف، في ظل فشل مسار دمج قسد ضمن هيكلية الدولة السورية، وتصاعد التوتر بين أنقرة وقادة الإقليم الكردي في العراق.

كما يناقش تردد واشنطن بين ترك إرثها الاستثماري الطويل في قسد وضغوط إسرائيل التي تؤثر على القرار الأميركي، إلى جانب التحركات العسكرية والميدانية الأخيرة التي تعكس اقتراب لحظة الحسم. وفيما يلي نص المقال:

إن عملية "تركيا خالية من الإرهاب" تستند جزئياً إلى رؤية إدارة ترامب، ليس فقط للعالم الذي تريده، ولكن أيضاً لتصورها الخاص للشرق الأوسط، كما ظهر مؤخراً في وثيقة "استراتيجية الأمن القومي - نوفمبر 2025" الأمريكية. لطالما كان هذا الأمر حاضرًا في ذهن أنقرة، وعندما حانت اللحظة المناسبة مع وصول ترامب، تم اتخاذ الخطوة.

لم يرغب البيت الأبيض في عهد ترامب في أي تحركات "مزعزعة للاستقرار" في العراق وسوريا، وخاصة في تركيا، ضمن نظام "باكس ترامبا" (Pax Trumpa)" الذي تصوره للمنطقة بأسرها، ولسوريا، ومكانة أنقرة في الواقع السوري، ومكانة الجيش التركي.

وحتى اليوم، نلاحظ أن الأمور في سوريا لا تسير الأمور كما هو متوقع. ورغم أن الإبادة الجماعية في غزة قد "تباطأت"، إلا أنها لا تزال عالقة عند "الخط الأصفر"، وقد تتأخر في دخول المرحلة الثانية. وقد أعلن نتنياهو أنه لن يتراجع عن الخطوط التي رسمها ليس فقط في فلسطين، بل وفي سوريا أيضاً، ولن ينسحب من المناطق التي يحتلها.

ولا يوجد تقدم في مسألة دمج قسد في إدارة دمشق. وهذا، كما يعلم الجميع، يغذي النقاشات حول ما إذا كان الجدول الزمني المحدد بحلول نهاية العام سيؤدي إلى عملية عسكرية أم لا.

الدعم من تركيا والعملية من سوريا

نحن نرى بالفعل ما يحدث أمامنا: مقاطع فيديو تظهر تقدم قوافل القوات المسلحة التركية باتجاه منبج، وزيارة رئيس الأركان وهيئة الأركان إلى دمشق، والرمزية التي يقرأها البعض في صلاة الشرع بالزي العسكري، وتصريحات قائد قسد مظلوم عبدي لصحيفة إسرائيلية واستمراره في العناد، وتمديد البرلمان التركي مذكرة تفويض الوجود العسكري في سوريا (والعراق) لثلاث سنوات إضافية. عندما تجمع كل هذا، بالإضافة إلى العد التنازلي لنهاية العام، يتشكل انطباع بأن تركيا على وشك القيام بعملية عسكرية واسعة النطاق.

لكن على ما يبدو، لن يكون الأمر كذلك..

الطرف الذي سينفذ هذه العملية ليس تركيا، بل سوريا. وإن احتاجت دمشق إلى دعم أو سدّ نقصٍ ما، فقد يكون هناك دعم عسكري ولوجستي واستخباراتي كامل، وربما بعض العمليات المحدودة للسيطرة على نقاط حرجة أو ضربها، لكن المحور الرئيسي سيكون الجيش السوري والعناصر السورية الأخرى التي ستحشدها دمشق (كما حدث خلال أحداث جنوب).

لا يمكن لقسد أن تستمر في البقاء بسوريا على وضعها الحالي. لابد من إنهائها بشكل أو بآخر. لا شك في ذلك. وإذا لم "تُذعن" لإدارة دمشق، فإن الواقع الميداني سيسير في هذا الاتجاه.

من أين يستمد بارزاني وأنصاره قوتهم؟

كما أن هناك أحداث تبدو ثانوية إلى جانب القضية الأساسية، لكنها تستدعي المتابعة الدقيقة، لأنها تثير الفضول والشك…

ماذا يعني مثلا تصريح رئيس شمال العراق نيجيرفان بارزاني الذي قال فيه: "إن الدعوات إلى حلّ "قسد/واي بي جي" غير واقعية. لقد واجهنا مشكلة مماثلة مع الأمريكيين عام 2023. والجميع قال لنا: ‘يجب أن تنضموا إلى الجيش الجديد’، لكننا قلنا إن هذا غير عملي وغير واقعي. الأمر نفسه ينطبق على قسد. إن التفكير في انضمامها إلى الجيش السوري نهج خاطئ"؟

هل ترتبط الاستفزازات الأخيرة من جهة بارزاني وحدّة الردود التركية عليها بالديناميكيات الكامنة وراء موقفهم الرافض لإلقاء السلاح؟ لماذا بدأت إدارة شمال العراق تشعر بالاستياء من خسارة قسد لمواقعها في سوريا؟ هل الأمر يتعلق بالتدخلات الإسرائيلية في كلا البلدين؟ هل هو الخوف من أن يحدث لهم في العراق ما حدث لقسد في سوريا؟ لا نعلم على وجه اليقين، لكننا نلاحظ تزايد قلقهم. والحقيقة هي أن نيجيرفان بارزاني اتخذ موقفاً ضد أنقرة.

هل تتردد الولايات المتحدة بسبب إسرائيل؟

ثانياً: موقف الولايات المتحدة..

أعتقد أن السياسة الأمريكية العامة ما تزال متمسكة بفكرة دمج "قسد/واي بي جي" في إدارة دمشق..

لكن ثمة بعض العقبات؛ إحداها هي صعوبة تخلي الولايات المتحدة عن قسد التي استثمرت فيها استثمارات مادية وسياسية ضخمة لسنوات طويلة. وتتجلى هذه الصعوبة بشكل أكبر من خلال القيادة المركزية الأمريكية، التي تجد صعوبة في توديع التنظيم، وتشتكي باستمرار إلى البيت الأبيض. فهم يعتقدون أن هذا التخلي سيُشكل سابقةً سيئةً في المنطقة والعالم، وأنهم لن يتمكنوا من إقناع أي طرف آخر بعد الآن. كما تبدي وكالة الاستخبارات المركزية نفس التذمر في هذا الشأن. لكن ما لا يفهمونه، أو بالأحرى ما لا يُريدون فهمه، هو أن سياسات ترامب لا ترغب في رؤية مثل هذه العمليات، أو الكوارث المشابهة لما حدث في أفغانستان، ولذلك يظل تأثير اعتراضاتهم محدوداً. وحتى الآن، كان الرد الذي يتلقونه هو: "اهتموا بشؤونكم أنتم".

هناك أيضاً المشكلة الإسرائيلية المعروفة. يمكننا أن نلاحظ أن تأثير تل أبيب على الولايات المتحدة قوي إلى حد يشبه الضغط على كل الأزرار دفعة واحدة. لا شك أن الولايات المتحدة تدعم الإدارة السورية الجديدة. ولكن عندما ننظر إلى التذبذبات الواضحة في خطابات السفير باراك على وجه الخصوص، نرى انحرافات واضحة. سنرى ما إذا كان هذا سيزيد من تعقيد العملية.

لن يعم السلام في المنطقة بأسرها حتى يتم القضاء على قسد..

وفي علاقات الولايات المتحدة مع قسد أيضًا، ترد أنباء من نقاط يُفترض أنهم "تجاوزوها": "تشهد المنطقة أيضًا تطورات تعكس التعاون بين الولايات المتحدة وقسد؛ ففي 2 ديسمبر، قدمت الولايات المتحدة دعماً لوجستياً شمل مركبات مدرعة وحاويات إلى شرق الفرات. وفي الأسبوع الماضي، عبرت دورية أميركية إلى غرب الفرات ودخلت دير الزور في جولة قصيرة. وفي 5 ديسمبر، نظم إرهابيو قسد في الحسكة مناورات مشتركة مع جنود أمريكيين. وأقيم حفل رسمي لـ 250 إرهابياً من "واي بي جي" الإرهابي الذين يتلقون تدريباً من الجنود الأمريكيين. كما انتقل 30 من عناصر قسد ذوي الرتب، الذين درّبتهم الولايات المتحدة، إلى مواقعهم الجديدة. وتلقى المقاتلون تدريبات في القيادة والتكتيكات العسكرية وإدارة الجبهات". (ملييت، 09/12).

وتُدار هذه التقلبات المربكة من هذا النوع حاليًا بين واشنطن وأنقرة بدبلوماسية. لكن من الصعب تحقيق الاستقرار ليس لسوريا فحسب، بل للمنطقة بأسرها، بما فيها إسرائيل، قبل إنهاء وجود قسد. أي أن "استراتيجية الأمن القومي" تلك ستكون كذبة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!