محمود عثمان – خاص لترك برس
وأخيرا دخلت تركيا على خط الصراع العسكري الدائر في سورية بعد تريث طويل دام أربع سنوات , إثر التفجير الانتحاري الدموي الذي قام به تنظيم داعش واستهدف مدينة سروج التابعة لولاية أورفا قبل أيام وراح ضحيته 32 مواطنا تركيا , الأمر الذي دفع أنقرة للتحرك ضد هذا التنظيم الإرهابي الذي استهدف العمق التركي ، بعد أن كان من أولويات السياسة التركية الإطاحة بنظام الأسد مصدر الإرهاب ورأس المشكلة في سورية كشرط أساسي لتحركها لنزع فتيل الأزمة في الشرق الأوسط.
رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو شدد على أن العملية العسكرية مستمرة إلى حين تحيقيق أهدافها في ضرب التنظيمات الإرهابية التي تشمل إلى جانب تنظيم داعش كلا من حزب العمال الكردستاني PKK و حزب جبهة التحرر الشعبي الثوري (DHKP-C)المتمركزان في شمال العراق .
في سياق متصل أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن الأراضي التي تم تطهيرها من تنظيم داعش شمال سورية، ستصبح فيما بعد منطقة آمنة تلقائيا، وذلك بعد إخراج عناصر التنظيم منها, مضيفا خلال مؤتمر صحفي عقده في أنقرة أن السوريين الذين نزحوا عن بلادهم يمكنهم الانتقال إلى تلك المناطق الآمنة التي كانت تركيا تؤيد تشكيلها بشكل دائم.
بعيدا عن التصريحات الرسمية ثمة أسئلة صاحبت الحملة العسكرية التركية لا يزال الجواب عليها يحيطه قدر كبير من الغموض والضبابية وعدم الوضوح , من ذلك ما هي حدود الحملة العسكرية التركية ؟ ما هو سقفها الزمني ؟ وما هو مداها ومجالها الجغرافي ؟ وهل قرر الأمريكان بدء التحرك لحلحلة المعضلة السورية ؟ وهل يشكل التحرك العسكري طلقة إشارة للبداية في مشوار الحل ؟ والأهم من ذلك كله ما هي طبيعة وشكل التفاهم بين أنقرة وواشنطن التي تحركت أنقرة على أساسه ؟ وغيرها من الأسئلة التي تبحث عن جواب !.
لا أحد ينكر مدى التعقيد والانسداد السياسي الحاصل في منطقة الشرق الأوسط عموما والمسألة السورية خصوصا وانعكاس ذلك على الخطوة التركية إذ يمكننا رؤية ذلك على الصعيدين الداخلي التركي والخارجي الدولي .
أولا : انعكاس الحملة التركية على الصعيد الداخلي التركي :
الحذر والتريث كان سيد الموقف في الساعات الأولى من اطلاق العمليات العسكرية بالنسبة لأحزاب وقوى المعارضة التركية , إذ لم يصدر أي تصريح داعم لها أو مندد بها , اللهم إلا ما كتبته جريدة "زمان" لسان حال الكيان الموازي جماعة فتح الله كولن التي قالت بأن القصف الجوي لمعاقل حزب العمال الكردستاني في شمال العراق أسفر عن قتل مدنيين !. لكن في اليوم التالي تباينت ردود أفعال المعارضة من مندد بالعملية ومطالب بوقفها مثل حزب الشعوب الديمقراطي , ومشكك بجدواها مثل حزب الحركة القومي , ومحذر من تبعاتها مثل حزب الشعب الجمهوري . لكن الأمر الجلي الواضح أن عدم ارتياح المعارضة السياسية التركية ليس نابعاً من الإحساس بمخاطرها أو عدم جدواها , إنما بسبب ثمارها التي ستكون من حصة حزب العدالة والتنمية الحاكم . وهذا ما عبر عنه كمال قلجدار أوغلو عندما اتهم الرئيس رجب طيب أردوغان بأنه يغامر بمقدرات تركيا من أجل تأمين مستقبله السياسي , كما أن الدعوة التي وجهها رئيس الوزراء داوود أوغلو بالوقوف صفا واحدا ضد الإرهاب بكافة أصنافه لا زالت في الهواء لم تلق استجابة من بقية القوى السياسية .
إذا جميع الحسابات السياسية في تركيا تدور حول الانتخابات المبكرة المرتقبة , بينما تأتي الحملة العسكرية وسواها في المرتبة التالية في سلم الأولويات !.
ثانيا : انعكاس الحملة التركية على الصعيد الخارجي الدولي :
تعاني الحكومة التركية من مشكلة حقيقية في إقناع الرأي العام بمدى جديتها في الحرب على تنظيم داعش , حيث أنها متهمة بالأساس بالتعامل معه أو التغاضي عنه في أقل الأحوال . يضاف إلى ذلك الاختلاف في الأولويات بين الجانب التركي والجانب الأمريكي , فبينما يرى الأتراك أن بشار الأسد هو رأس الشر ومصدر الإرهاب وبقاؤه يعني استمرار الارهاب واستمرار المأساة الإنسانية في سورية والمنطقة , كما أن تركيا تعاني من إرهاب حزب العمال الكردستاني وتوابعه مثل حزب جبهة التحرر الشعبي الثوري DHKP-C والحزب الديمقراطي الكردي السوري PYD .. مقابل ذلك ينصب اهتمام الطرف الأمريكي على الحرب ضد تنظيم داعش , كما يبدو منهمكا في توليف الدور الإيراني وغير مستعجل بشأن إسقاط بشار الأسد الذي انتهى بإجماع كافة القوى المعنية بالشأن السوري.
في ظل هذه المعطيات المعقدة والمتشابكة تبدو الحملة العسكرية التركية مقيدة ومحدودة الأهداف إلا إذا حسم الأمريكان والروس مسألتين أساسيتين .. دور إيران ومصير بشار الأسد.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس